عندما يضع كيري «ذكاء» بوتين على المحك؟!

د. محمد بكر

ما إن أعلن عن اتفاق أميركي – روسي حول وقفٍ لإطلاق النار في سورية، يسري مفعوله اليوم السبت 27/2/2016، حتى بدأت حلقات مسلسل التشاؤم و»اللعب بالنار» لإذكاء النار، بالتوارد تباعاً، وعلى صفيحٍ أكثر من ساخن، بدا المُعلن في واد، وما وراء الأكمة في وادٍ آخر، يدرك فيه الأميركي متيقناً مفاعيل تطورات الميدان الأخيرة الوازنة لصالح خصمه الروسي، ومن هنا نفهم إعلانه المسبق عن صعوبة تحقيق الاتفاق، تماماً كاستشعار الجانب التركي الذي أبدى عدم تفاؤله بنجاح الاتفاق، وعلى لسان وزير جارجيته حمّل الجانب الروسي مسؤولية عرقلة التسوية، هذه التصريحات التي لم تتكاثر فقط من منطلق أنّ تلك الأطراف تدرك مضيّ الروسي قدماً في تكريس استراتيجية ما طرحه الرئيس الأسد لجهة السيطرة على كامل الأراضي السورية، والتسليم بالخيار العسكري، بل من باب صياغة كلّ وسائل المواجهة غير المباشرة مع الروسي في الجغرافيا السورية وتحضير «وصفات» الإيلام والصراخ أولاً.

كيري أدلى بدلوه على الملأ، وكان «شفافاً» إلى أبعد الحدود، وابتعدت كلّ مفردات الغموض والالتفاف و»الضبابية» عن حديثه في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، محذّراً من خطة بديلة سيتمّ تطبيقها في حال لم تكن موسكو ودمشق جادّتين في عملية الانتقال السياسي في سورية، مؤكداً أنه أبلغ بوتين أنّ بلاده لن تنتظر أكثر من أشهر قليلة لتختبر مدى جدية العملية الانتقالية، مضيفاً: «أنّ بوتين لن يرغب في أن يرى روسيا تغرق في مستنقع حرب طويلة إذا رفض حليفه الأسد المشاركة في العملية السياسية، ليعيد ذات المحاذير التي أطلقها الرئيس أوباما منذ أكثر من شهرين مذكراً بأحداث أفغانستان، ولم يجد كيري أيّ حرج في المجاهرة بماهية خطته البديلة عندما قال: «بوتين ذكي لدرجة يدرك فيها أنه لو بقي في سورية فترة أطول، فإنّ من كانوا يدعمون المعارضة المسلحة سيقدّمون المزيد من الدعم لمواصلة القتال».

نعم هو ذا «الطابع الهدام» الذي عبّر عنه أحد المسؤولين الروس في توصيفه لتصريحات سابقة لجو بايدن شرعن فيها الحلّ العسكري في حال فشل المفاوضات السياسية السورية، وهي ذي ظلال «المنطق المدمّر» بحسب تعبير بان كي مون للمراهنين على الحلّ العسكري، وقد خيّمت بشدة وأوغلت بعيداً عن مسارات الانقشاع.

اللافت أنّ كلام كيري جاء مباشرة بعد إعلان مصدر «إسرائيلي» رفيع المستوى لموقع «يديعوت أحرنوت» في 22/2/2016، لجهة «أنّ سيطرة المحور الشيعي يدفع أركان الدولة إلى اتخاذ موقف واضح لا لبس فيه» ومفاده بحسب المصدر «استمرار سلطة الأسد أخطر على المصالح الإسرائيلية من استمرار الفوضى في سورية»، وكذلك ما أعلنته مصادر رفيعة لصحيفة «هآرتس» في 21/2/2016، بـ»أنّ انتصارات الأسد وحلفائه في الفترة الماضية تحتم على إسرائيل تغيير سياستها حيال الحرب السورية، وبشكل لن يترجم إلى عمليات عسكرية على الأرض كونها تريد المحافظة على العلاقة مع موسكو»، مشيرةً المصادر ذاتها إلى قضيتين رئيستين، الأولى هي التأكيد على أنّ قضية انهيار واستسلام المعارضة السورية أمر بعيد الحدوث على الرغم من انتصارات الجيش السوري، والثانية مطالبة الغرب لجهة أن يستيقظ من سباته العميق بحسب تعبير المصادر، ويرسل الأسلحة لمن سمّتهم المصادر بـ»السنّة الأقلّ تطرفاً»، وإلى الأكراد أيضاً، لمقاتلة النظام و»داعش» على حدّ سواء، الأمر الذي يشكل تماهياً «غير بريء» مع خطة كيري البديلة، إذ بدا الأخير وكأنه يتكلم باللسان «الإسرائيلي» ويعلن ما تختزنه النفس «الإسرائيلية» من أمنيات ومطالبات.

لا أحد يستطيع مطلقاً أن يستشرف مآلات الاتفاق الذي تمّ الإعلان عنه، ولكن كلّ المؤشرات تبوح وبقوة أنّ الفترة المقبلة لن يكون عنوانها اتفاقاً لوقف إطلاق النار، بل كما يقال اتفاقاً على مزيد من الاختلاف والنفخ في النار، التي من الصعب جداً التكهّن بمساراتها وحدود ألسنتها، فميدفيديف أعلنها بصراحة أنّ الأسد باقٍ في منصبه حتى تحديد ما سمّاه الشكل السياسي للنظام، وأنّ موسكو ماضية في دعمها للسلطة الشرعية في سورية، هذه الفوضى التي تجد «اسرائيل» في استمرارها أفضل من بقاء الأسد، فيما صادق كيري على الرؤية «الإسرائيلية»، محدّداً المهل، ومهدّداً بالخطط، ولوي الأذرع، فالكرة باتت في الملعب الروسي، و»ذكاء» بوتين على المحك.

كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا

Dr.mbkr83 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى