أولى

التكليف حاصل
 والتأليف مؤجل

} علي بدر الدين

يسود الاعتقاد انّ الاستشارات النيابية الملزمة المقرّرة الاثنين المقبل في قصر بعبدا في موعدها الثاني ستحصل، ولا وجود لمؤشرات توحي بتأجيلها مرة ثانية، مع أنه لا وجود أيضاً لمعطيات أو مسجدات تؤكد حصولها، ومثال الموعد السابق خير دليل على توقع حدوث ما لا يمكن توقعه في بلد ينخره الفساد وتحكمه طبقة سياسية تديره على قاعدة المصالح وبشعارات طائفية ومذهبية كسلاح فعال لها لاستمرار إمساكها بالسلطة والمال والقرار.

ويبدو من المتداول أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون مُصرّ على إجراء استشارات التكليف، وهو اساساً لم يكن راضياً عن تأجيلها ولكنه أفسح المجال أمام مزيد من المشاورات والاتصالات وتقريب المسافات ووجهات النظر، ولكن من دون الحصول على نتيجة قد يعوّل عليها للإسراع بالتأليف بعد أن بقي سعد الحريري مرشحاً وحيداً حصرياً للمنصب السلطوي الثالث في الدولة بعد أن فرضته المرجعية الدينية المتمثلة بدار الفتوى وبغطاء من رؤساء الحكومة السابقين والمدعوم بغزوات الشارع الليلي التي توجه رسائل إنذار وتحذير الى من يعنيهم الامر، بأنّ الحريري لرئاسة الحكومة أو لا أحد، وأنه ممنوع الاقتراب من موقع الرئاسة الثالثة المطوّب له منذ التسوية الرئاسية الحكومية التي لا زال مفعولها سارياً طوال العهد الحالي، وهذا يعني أنّ تسمية الحريري للتكليف باتت أمراً واقعاً وتحصيلاً حاصلاً، ولا بدّ من هذه الاستشارات الملزمة، وهي قد تكون أيضاً بمثابة جسّ نبض للكتل النيابية المؤيدة والمعارضة التي ستكشف عن اتجاه ريحها في الآتي من الأيام، وبخاصة أنّ هناك كتلاً قد تقاطع الاستشارات وبعضها سيترك خيار التسمية لرئيس الجمهورية والنتيجة واحدة والمكلف سيكون سعد الحريري والشغل والشاغل لهذه الكتل وخلفها أحزابها وتياراتها السياسية هو عدد الأصوات التي سينالها مع أنها لن تحدث الفرق ولن تغيّر من المعادلات القائمة، ولن تجمع قوى 8 و14 آذار، والمأزق يبقى في كيفية إنجاز التأليف مع توجه التيار الوطني الحر غير المتوقع لعدم المشاركة في الحكومة، والتهديد بانتقاله الى ضفة المعارضة، مما يؤدّي الى تفاقم صراع الديوك وبلوغ حدّ القطيعة ولو مؤقتاً بين الحريري وباسيل وامتدادهما السياسي والطائفي. وهذا يعني المزيد من التعقيدات في مسار التأليف وارتفاع منسوب الشروط والشروط المضادة، التي ستزيد من حدة الخلافات حول شكل الحكومة والمحاصصة في الحقائب والبيان الوزاري. وبات متوقفاً على «صوص ونقطة».

الحريري وباسيل اللذان يمارسان هواية لعبة الكباش وشدّ الحبال ومن يلوي ذراع الآخر أولاً ولمن تكون الغلبة في النهاية وكأننا على حلبة الملاكمة، وكأنّ لبنان وشعبه ينعمان بفائض من الاستقرار السياسي والاقتصادي والمالي ولا ينقص سوى الاستمتاع بالسياسة الكيدية والدلع السياسي.

البلد برمّته مأزوم سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً ومؤسساتياً والطبقة السياسية تعيش في كوكب آخر، ولا تعنيها سوى مصالحها وحماية ثرواتها، والتمسك أكثر بالسلطة وممارسة الاستبداد والاستعلاء على اللبنانيين، وهي بطبيعة الحال ستبقى فاسدة ومتهمة بإفلاس لبنان حتى يثبت العكس، وهذا لن يحصل على الإطلاق.انّ التكليف سيحصل ولكن التأليف مستبعد أقله في هذا الشهر، لاعتبارات كثيرة منها انعدام التوافق بين مكونات الطبقة السياسية على كلّ ما له علاقة بتأليف الحكومة، بذريعة سفر المسؤولين الى الخارج والأعياد. والأهمّ عدم امتلاكهم قرار التأليف الا بدعم خارجي مباشر، وقد أصيبوا جميعاً بخيبة أمل من اجتماع باريس، الذي اكتفى بتوجيه النصيحة والوعظ الى الطبقة الحاكمة لتشكيل حكومة إصلاحية، وقد رمى الطابة في ملعبها الخالي من اللاعبين الذين يمكن الاعتماد عليهم لتحقيق الأهداف المطلوبة، وأن لا مساعدات مالية لهذه الطبقة التي استولت على أموال القروض والهبات والديون، وأن قرّرت تقديمها فهي مشروطة ومرتبطة بحكومة على مستوى آمال الشعب اللبناني وطموحاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى