أنطون سعادهمقالات وآراء

سعاده… مدرسة نهضوية مستمرة

} معن بشور

في أحد الحوارات الغنية كالعادة مع المفكر العروبي المتميّز والمناضل الفلسطيني الفذ الأستاذ منير شفيق فاجأني «أبو فادي» بالقول لقد قرأت في الآونة الأخيرة العديد من كتابات مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي الشهيد أنطون سعاده ففوجئت بهذا الفهم الواضح لديه لطبيعة المشروع الصهيوني ومخاطره على فلسطين والأمة كلها، كما بوضوح رؤيته لأسلوب مواجهته بالمقاومة، وفهمت الآن سبب المشاركة المبكرة لتلامذته في فلسطين وبلاد الشام في ثورات فلسطين واستشهاد عدد من رموزهم الفلسطينية واللبنانية والسورية…

سألت المفكر الثاقب الرؤية: «ألا تعتقد انّ هذه الأسباب كانت وراء اغتياله وبعد تسليمه بخسّة من قبل زعيم أول انقلاب عسكري في سورية بعد سنة على النكبة إلى السلطات اللبنانية وفي الفترة ذاتها التي وقّع فيها هـذا الانقلابي على الهدنة مع العدو واتفاقية أنابيب التابلاين مع شركة «أرامـــــكو» الأميركية».

أجاب أبا فادي: «بالتأكيد إذ لم يكن مقبولاً لمفكر لبناني من جبل لبنان أن يطلق مثل هذه الأفكار ويسعى لترجمتها مقاومة وكفاحاً على أرض فلسطين. هناك لبنانيون كثر، ومن جبل لبنان، حذروا من الخطر الصهيوني ودعوا الى مواجهته، لكن أحداً منهم لم يقم بأفعال أنطون سعاده حين أسّس حزباً وضع شبابه في مقاومة مسلحة للعدو..».

يبقى هذا الحوار ماثلاً في ذهني في كلّ مناسبة تتصل بالزعيم أنطون سعاده، سواء في ذكرى ميلاده أو في ذكرى استشهاده أو في عيد تأسيس حزبه، ويبقى اسم هذا الزعيم حاضراً في كلّ مرة أتحدث فيها عن علاقة المقاومة بالنهضة القومية، كما كان يكتب سعاده في ثلاثينيات القرن الفائت، أو علاقة المقاومة بالمشروع النهضوي العربي كما نقول اليوم…

هذه العلاقة بين مقاومة الاغتصاب والاستيطان والاقتلاع الصهيوني للشعب الفلسطيني وبين نهضة الأمة هي المساحة التي يجب ان تحتلّ فكرنا العربي المعاصر بكلّ مشاربه ومنابته العقائدية لا سيّما في الظروف الصعبة التي تعيشها بلادنا… حيث يتضافر عاملان، خارجي وداخلي، في دفع بلادنا الى التجزئة والانقسام والفوضى والفساد والتبعية.

فلقد تعلمت أجيالنا من الزعيم والمفكر أنطون سعاده، كما من العديد من المفكرين والقادة العرب الكبار أنّ مواجهة البعد الخارجي في تردّي أوضاعنا لا تنفصل عن معالجة البعد الداخلي، وأنّ معالجة البعد الداخلي تكون أكثر فعالية إذا تمّت في أجواء مقاومة البعد الخارجي..

بهذا المعنى كان فكر سعاده ونضال تلامذته المستمرّ منذ عقود، كما فكر أمثاله من القادة المؤسّسين، مرشداً لنا في مواجهة التحديات المتعددة التي تواجه الأمة، بل حافزاً لنا أن نغلّب في مواجهة نضالنا التناقضات الرئيسية على الخلافات الثانوية، ونغلّب المصالح العليا للأمة على المنافع العابرة للأفراد والجماعات، ونغلّب لغة الحوار وقبول الآخر على لغة الأقصاء والتخوين والتكفير… بل نغلّب الوطنية الجامعة على كلّ النعرات الفئوية المريضة التي تفتت جسد المجتمع.

سعاده مدرسة لم تُقفل مع استشهاده، بل على العكس من ذلك فإنّ استشهاده، كاستشهاد من سبقه ولحقه من الكبار في أمتنا والعالم قد فتحت لهذه المدارس صفوفاً وفروعاً في كلّ مكان وزمان.

رحم الله الزعيم النهضوي الشهيد أنطون سعاده ورفاقه وأبطال أمته.

والخلود لذكراه وذكراهم جميعاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى