أنطون سعادهمقالات وآراء

أنطون سعاده الظاهرة الفذّة

} مأمون ملاعب*

الأعياد الاجتماعيّة مؤشر لمعنى المفاهيم العامة والقيم في المجتمعات. بالنسبة للمجتمع السوري وهو المجتمع الحضاري الاوّل في تاريخ البشريّة قدّم أعياده فكانت مرتبطة بمناخ الوطن السوري وطبيعته وبيئته. فرأس السنة، عيد القيامة، عيد الانبعاث والتجدّد هو أول الربيع. وعيد الحصاد في تموز وغيرها. وتأثير هذه الحضارة استمرّ حتى اليوم بعيد الفصح والنيروز وغيرهما.

أن يولد أنطون سعاده في آذار ويستشهد في تموز هي صدفة ليست إلا إنما تشكل انسجاماً مدهشاً مع معطيات الأمة الحضارية وتاريخها الثقافي وقيَمها الاجتماعية.

أنطون سعاده ليس شخصاً عادياً ولا يمكن أن يصنّف في خانة العلماء فحسب، او العباقرة او القادة فحسب. إنه ظاهرة فذّة قلّ نظيرها، شكّل بشخصه وحياته صورة مجتمعه بعظمته ورقيّه وحضارته. كان لم يزل فتًى في الحادية عشرة من العمر حين تمرّد في مدرسته على تقليد فيه خضوع للعثمانيّ ورمى علم المحتل التركي في حين كان البكوات والباشوات والأمراء يقدّمون الخشوع لزلم السلطان.

ولما بلغ الثانية والعشرين من عمره كتب محذّراً من الهجرة اليهودية الى فلسطين ورآها خطراً على سورية ودعا السوريين الى مجابهتها قبل أن تدرك النخب السورية ذلك.

وحين بلغ السادسة والعشرين من عمره كتب قصة حبّ تناول من خلالها الموسيقى فكان محترفاً وقدوة وفناناً.

أسّس في سنته الثامنة والعشرين حزباً يرتكز الى عقيدة تضيء على حقيقة الأمة بالوجود والجغرافيا والتاريخ والثقافة ويقدّم مصالحها على كلّ المصالح ويحدّد المشاكل ويضع لها الإصلاحات الكفيلة بعلاجها. حزب غايته نهضة الأمة وينذر نفسه لخدمتها ويبقى على نذره حتى ساعته الأخيرة.

أنطون سعاده الأديب جعل الأدب منصة للصراع الفكري فكان هادياً، ناقداً فذّاً أعطى من خلال ذلك حزب النهضة خيرة أدباء العصر.

سعاده عالم الاجتماع يقدّم الى البشرية تعريفه للأمة والنشوء والتطور. كتب «نشوء الأمم» فحجز لنفسه موقعاً بين علماء الاجتماع وكان أكثرهم منطقيّة. خاض بعد ذلك عشرات الباحثين غمار كشفه.

قارب الدين بحداثة وعمق فكريّ وكتب «الإسلام في رسالتيه» بمحاولة راقية لنبذ التفسّخ الروحيّ في المجتمع الواحد وسفّه المندسّين المشغّلين الدين لمآرب خاصة، بينما الدين عنده لتشريف الحياة. لم يكن سعادة مسيحياً بالمعنى الضيق للكلمة ولم يكن محمدياً بل كان سورياً مؤمناً.

« إنّ النهضة لها مدلول واضح عندنا هو خروجنا من البلبلة والتفسّخ الروحيّ بين مختلف العقائد الى عقيدة جلية واضحة، نشعر أنها تعبّر عن جوهر نفسيتنا وشخصيّتنا».

سعاده الفيلسوف الذي أزاح الغبار عن تاريخ الفكر السوري الثقافي وقدّم للبشرية نظرة جديدة للإنسان والقيم الانسانية.

المجتمع معرفة والمعرفة قوة.

سعاده القائد بحزبه بثلاثة أشخاص تجمعهم العقيدة والإيمان بالمعلم والأمة في غضون سنوات قليلة يصبح الحزب ألوفاً، ويقدم الدماء الغالية على تراب فلسطين في مواجهة أعتى هجمة اغتصاب لأرضنا وحقنا. واجه قضاة الانتداب قائداً ممثلاً الردّ الطبيعي لأمة في وجه الانتداب.

وعاد بعد سنوات الاغتراب القسريّ ليقود الحزب ثائراً في وجه الضعف والمفاسد، محفزاً إرادة الحياة والقوة فينا، مؤكداً «لسنا ضعفاء إلا إذا أردنا ان نكون ضعفاء». ومطلقاً إرادة الثورة ورفض كلّ ما يعيق نهضتنا على أساس واضح «نحن بنظرنا سلبيّون بالحياة ايّ أننا لا نقبل بكلّ أمر مفعول». وفي هذه الثورة والنهضة لا نتنازل عن قضيتنا ولا عن حريتنا التي» قد تكون الحرية حملاً ثقيلاً لكنه حمل لا يضطلع به إلا ذوو النفوس الكبيرة».

حين تآمرت عليه الدول والحكومات والطوائف واجه الموت بعزيمة وعنفوان لا يعرفه إلا العظماء وواجه الرصاص بكلمته الأيقونة: شكراً…

الاوّل من آذار ميلاد شخص حمل بشخصه شخصيّة أمته وعظمتها فكان أمة في شخص. الأوّل من آذار ليس عيد ميلاد لشخص، هو رمز للبعث والتجدد والقيامة لأمة تنجب العظماء ولا تقبل القبر مكاناً لها تحت الشمس.

*مدير مكتب الرئاسة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى