الوطن

كيف تجابه سورية قانون «نيرون» الأميركي؟

} د. وفيق إبراهيم

يتوهّم الأميركيون أنهم «قياصرة» الارض في هذا القرن الحادي والعشرين، مستمدين قوتهم من قدرات هائلة عسكرية واقتصادية. فيطبقون تعاليم ملهمهم القيصر الروماني نيرون الذي أحرق روما مُتلذذاً بمراقبة دمارها وإبادة سكانها من شرفة قصره المطلة على عاصمة أكبر إمبراطورية رومانية في التاريخ.

يتكرر هذا المشهد نفسه اليوم وبعد أكثر من الفي عام، بواسطة جنون أميركي لم يتمكن من اعادة تأسيس كيانات شرق أوسطية جديدة على قياس ما تتطلبه هيمنته على أهم منطقة في ثروات الغاز والنفط والاستهلاك، فانقلب جنوناً غير مسبوق يريد تفجير الدول بتطبيق نظرية الفوضى والفراغ السياسي وصولاً الى الانهيار والتفتيت لعلنية المطالب القيصرية.

حاول هذا الجنون الأميركي تفجير سورية بواسطة إرهاب كوني أسطوري بمئات آلاف الإرهابيين دخلوا الى سورية من تركيا بمعونة مخابراتها وتمويل خليجي ودعم سياسي أميركي.

لكن هذا المشروع أفشلته الدولة السورية وحلفاؤها من حزب الله الى إيران فروسيا بالقوة العسكرية.

وتأييد الشعب السوري المطلق ما أدّى الى إقرار حصار أميركي أوروبي اقتصادي على سورية لم يتمكن من تطويقها على الرغم من تقاطعاته الخليجية.

هناك إذاً عقوبات اقتصادية غربية وشرق أوسطية استطاع التحالف الروسيالإيراني مع سورية من تجاوزها إنما وسط صعوبات اقتصادية لا يزال الشعب السوري يعاني من تداعياتها تصاعدياً.

بيد أن هذا الصمود الشعبي السوري الذي يتعامل مع الارهاب الاقتصادي بعناد قويّ أزعج القيصر الأميركي الذي لم يبتلع بعد عجزه عن التغيير في الشرق الأوسط بقوته العسكرية وعقوباته الاقتصادية، فلا إيران سقطت ولا سورية انهارت ولا العراق استسلم ولا يزال اليمن صامداً.

فذهب نيرون الترامبي نحو التسلل الى التظاهرات المحلية في العراق ولبنان مستعيناً بتنشيط الخلافات الطائفية العرقية مع بعض الخدمات التركية والخليجية المتخصصة في تجارة المذهبيات والطائفيات «الاسلاماوية».

لكن هذه الأساليب لم تعطِ الأميركيين ما يريدونه من استمرار نفوذهم، فذهبوا نحو إقرار قانون «قيصر» في الكونغرس يبيح لهم معاقبة كل دولة أو شركة أو شخص يساعد او يقدّم خدمات لاستهدافاتهم من دول وأحزاب.

والهدف الأميركي لإبداعات قيصر الحالي هو الدولة السورية وذلك لأنهم عجزوا بالتسديد عليها مباشرة بالأسلوبين العسكريالإرهابي والاقتصادي فاختاروا معاقبة كل المتعاونين معها عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً.

وبذلك يصيبون إيران وفنزويلا والصين وروسيا ولبنان عبر اتهام حزب الله وعشرات الشركات من جنسيات غربية وشرق آسيوية لا تزال تتعامل مع سورية، ولأن تركيا تتعامل مع إيران التي تشكل جزءاً من الصمود السوري، فإن تركيا أيضاً مستهدفة انما ضمن العقوبات الأميركية على ايران.

وهكذا ينثر القيصر نيرون الجديد عقوباته التأديبية للبعض والتدميرية للبعض الآخر، على العالم بأسره مستهزئاً من المستخفين بنجاعة هذا السلاح الجديد المهدد لتطور الإنسانية بأسرها.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن سلاح العقوبات والفوضى والفراغ وصولاً الى التدمير، يستعملها الأميركيون منذ العقد الأخير بديلاً من الحروب، فيصبح الدولار سيد الميدان ويتوارى المدفع والصاروخ والنووي في المستودعات لحين الطلب.

فهل ينجح الخنق الأميركي لسورية؟

الدراسة الدقيقة تكشف أن الأميركيين استنزفوا معظم اساليب الخنق الاقتصادي معها، بما فيها عرقلتهم إمدادها بالنفط الإيراني بدليل المصادرة البريطانية لناقلة إيرانية قرب مضيق جبل طارق لأنها تحمل مواد الى سورية، لكن مسارعة ايران الى مصادرة ناقلة نفط بريطانية قرب مضيق هرمز ادى الى تحرير الناقلة الإيرانية التي أفرغت حمولتها من النفط في سورية وبالقوة.

أولاً الجانب السوري متضرّر من العقوبات الترامبية منذ 5 سنوات على الأقل، ويتعامل معها بتأمين بدائل محلية، وصبر الأقوياء والتعامل الاقتصادي مع روسيا وإيران، والصين، مع الاستفادة من السوقين المجاورين في العراق ولبنان.

يبدو هنا أن تداعيات الاضطرابات في لبنان والعراق أصابت جزءاً من تفاعلاتها الاقتصادية ورفعت أسعار السلع فتسببت أيضاً بفقدان الدولار، لكن الدولة السورية تسترجع تدريجياً قواها الاقتصادية عبر استعادة مواردها من النفط والغاز والسهول الزراعية والسدود.

هذا جزء هام، لكن هناك قسماً آخر هو تعاونها مع روسيا التي تعتبر سورية خط الدفاع الأول ليس عن موسكو فقط، بل عن حركة التمرد على دكتاتورية القيصر الأميركي الجديد، من فنزويلا الى موسكو وبكين وصولاً الى دمشق المجاهدة والباحثة عن حريات منطقتها منذ ألف عام ونيف.

إن بإمكان هذا الحلف السوري الروسي الإيراني والصيني حماية سورية من جنون نيرون بسلسلة تدابير اقتصادية تلبي لقلب المنطقة حداً معقولاً من احتياجاتها الاستراتيجية والاقتصادية، أي من الرصاصة الصغيرة وصولاً الى السلاح الأقوى ومن رغيف الخبز وحتى الاستهلاك الاقتصادي الداعم للصمود.

هنا لا بد من التذكير بأن سورية واعدة بإمكاناتها من الغاز والنفط مع أمانتها في الالتزام بتحالفاتها السياسية بركنيها الروسي والإيراني ما يجعلها منيعة ومرهوبة الجانب، وبوسعها بمعونة الحلفاء استقبال النازحين السوريين والبدء بمشروع إعادة الإعمار بمساهمة كبيرة من حلفائها.

لكن دمشق تراهن على عودة الأمان في العراق بما يعيد للتنسيق الحدودي بين البلدين أهمياته السياسية والاقتصادية وبالتالي الاستراتيجية، كما تعتقد أن لبنان لن يتأخر كثيراً في العودة إلى حدوده مع سورية التي تربطه بالعراق والأردن والخليج.فها هي دمشق تنتظر أهلها باستقلالية المقتدر المالك قراره، بقي على هؤلاء أن لا يتأخروا في ركوب القطار السوري الذي يربطهم بحرياتهم واستقلالهم وكراماتهم على جثة «نيرون».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى