ثقافة وفنون

كتاب «الرسائل الدمشقية»… تحية عربية لقلب دمشق العروبي

} لورا محمود

أرادوا تدميرها وإسقاطها وإعادة رسم خريطة انتداب جديد عليها لتصبح الطريق ممهدة لشرق أوسط جديد بفوضى تديرها الولايات المتحدة ولتضم «إسرائيل» إليها ما ليس لها من أرض تنشئ عليها دولة «إسرائيل» الكبرى بمساعدة الأشقاء الذين أعطوا فأكثروا العطاء والمحبة أيضاً؛ فسكت البعض ورمادياً كان موقف البعض والبعض الآخر انتفض في وجه مؤامرة أدرك أنها تستهدف كل عربيّ عندما تكون سورية في خطر ويصبح السكوت على خرابها جريمة فمن أحبّها وقف معها قدر المستطاع، وبما يملك من كلمة وحرف بعيداً عن المزايدات والمبالغات فقرّر كلٌّ من الباحث والكاتب فيصل جلول ومعه الإعلامي سامي كليب نشر كتاب «الرسائل الدمشقية» الذي تفوح صفحاته بعطر ياسمين دمشق الذي تركته على كل من زارها وعاش فيها فترة من الزمن فأشبعته حباً لا يُنسى وأهدته وطناً آخر يكون الملجأ في سواد الأيام، فكتبوا رسائلهم بأقلام من خشب الورد الدمشقي فكانت بمثابة شهادات ورداً للجميل وشعراً وغزلاً أحياناً ولمَ لا فهي دمشق.

وقد تحدّث كلٌّ من الباحث فيصل جلول والإعلامي سامي كليب وعضو المكتب السياسي في تيار المردة فيرا يمين في ندوة حول الكتاب أقيمت في المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق، بالتعاون مع جمعية سورية المدنية التي تحدّث باسمها رئيس مجلس إدارتها المهندس طارق الأحمد الذي أدار الندوة التي اختتمت يتوقيع كتاب «الرسائل الدمشقية» الذي سيعود ريعه لجمعية دعم الأطفال المصابين بالسرطان «بسمة».

يمّين

في بداية الندوة تحدّثت عضو المكتب السياسي في تيار المردة فيرا يمين قائلة: أنا من الذين لا يملكون جرأة النشر إلى أن وردتني رسالة من الصديق سامي كليب قال فيها «إنني لست أطلب منك نصّاً بل أبلغك أن يكون نصّك جاهزاً خلال أسابيع  عن دمشق». ولمَ لا فدمشق لها علينا كلنا ولها على التاريخ ولولاها لم يكن هناك تاريخ. ولقد ارتحت عندما كتبت عن دمشق، لأنني أعدتُ بعضاً من وفاء إلى الفيض الكبير من الوفاء الذي نثرته وتنثره دمشق إلى كل العالم. فهي العاصمة الوحيدة على مرّ العصور التي احتضنت كلّ الشعوب والأعراق والاثنيات.

وأضافت: دمشق هي المدينة الوحيدة في عالمنا العربي ما زالت تدرّس مختلف موادها باللغة العربية ليس حبّاً باللغة كلغة، وليس رفضاً للغات الأخرى بل هذا القرار يأتي انسجاماً مع هويتها العربية، لأن الهوية لغة ولأن دمشق هي العباءة اللغوية، فمن دونها لا لغة لنا ولاهوية ولا يمكن لأحد أن يحبّ وطنه وينتمي لأرضه، إذا لم يقرأ تاريخ منطقته ليحدّد بعدها منطقه. فمن لا يقرأ تاريخ دمشق كيف له أن يعرف تاريخه إذا كان في القرن الماضي أو الذي سبقه.

وفي لقاء مع «البناء « قالت يمين: يحاولون تفكيك عالمنا العربي مرة باستبدال الخرائط وأخرى باستبدال اللغات وضرب الثقافات وبحجة العولمة. مَن يخرج من لغته كمن يخرج من الكلمة. وفي البدء كان الكلمة ولولا الكلمة لما عبَرنا ولا عبِرنا وعما يجري في لبنان.

كليب

بدوره تحدّث الإعلامي سامي كليب عن القراءة في مجتمعاتنا العربية، وقال: معدل قراءة المواطن العربي في العام هي ست دقائق فقط. فنحن العرب مجتمعين ننتج من علوم العالم 0.2 في المئة بينما «إسرائيل» وحدها تنتج 4.7 في المئة. عملياً ينتجون أكثر من العرب مجتمعين مرات مضاعفة، رغم أن الحروب المقبلة ستكون حروب تكنولوجيا وعلم وثقافة وتطور تكنولوجي، فـ»إسرائيل» تسيطر على 10 في المئة من الأمن السيبيري في العالم ونحن لم ننتج شيئاً.

وتابع كليب: ألّفت كتاباً عن الحرب السورية وعملت عليه ثلاث سنوات وهو «الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج» وفوجئت بحجم توزيع الكتاب الذي تخطّى كل توقعاتي وتُرجم إلى لغات عديدة.

وفي سؤال لـ»البناء» عن فكرة الكتاب وخصوصية دمشق قال: فكرة الكتاب انطلقت من القلب عندما كنتُ أنا وصديقي الأستاذ فيصل جلول نسير في باريس نشاهد قلب العروبة يحترق وننظر إلى امتدادنا الطبيعي القومي العربي الأصيل وأقدم مدن التاريخ تدمَّر، ففكرنا كيف يمكن أن نعيد العرب إليها؟ فقلنا لنأتي بكتّاب عرب وكلٌ منهم يكتب علاقته بدمشق من دون أي فزلكات سياسية.

وأضاف كليب: بما أنني في سورية قلب العروبة النابض أتمنى لأي مشروع سيقوم في لبنان بعد الذي حصل، كما أتمنى لسورية، أن يبقى مشروعاً عروبياً ومشروعاً مدنياً قافزاً فوق الطوائف، لأننا لم نُخترق نحن جميعاً إلا بسبب الطائفية.

جلول

أما الباحث والكاتب فيصل جلول قال بأن كتاب «رسائل دمشقيّة» صدر في عام 2016 وكنّا نعتقد بمجرد صدوره في بيروت سنجد تظاهرة من الهيئات  الثقافية في دمشق لاستقبال الكتاب والاحتفاء به، ولكن كان هناك ما يشغل دمشق

 من معارك ضد الإرهاب؛ لذا يمكن أن نعذر التأخير الذي حصل ونستفيد من هذه المناسبة لنتحدث عن حبنا لدمشق.

وخصّ الباحث والكاتب فيصل جلول «البناء» بلقاء قبل الندوة قال فيه: الكتاب وبأقلام كُتاب عرب عرفوا وزاروا دمشق وكل منهم يروي ما عاشه  في دمشق. وكلّ النصوص التي نشرت هي لكتاب بالفعل لديهم تجربة في دمشق منهم مَن كان لاجئاً اليها من الاضطهاد والآخر كان موجوداً كدبلوماسي وآخر ككاتب إلى ان توصلنا إلى نشر نصّ لأستاذ جامعي مغربي يعيش في باريس لم يزُر دمشق فطلبنا منه ان يتخيّل دمشق وكأنه زارها.

ونوّه جلول لقد أردنا أن يكون التعبير هو السلاح الحقيقي في مواجهة الإرهاب  والدفاع عن سورية والشعب السوري في تلك الفترة، ناهيك أن الكتاب هو كتاب لكل الناس، وقدّمنا دمشق بوصفها مدينة ليست فقط للسوريين، بل هي لكلّ العرب.

فعندما نرى اليوم دمشق تواجه الأتراك والأميركيين والغرب وعلى حدودها«إسرائيل» ونراها صامدة وتلعب هذا الدور فهذا ليس بالشيء البسيط. فنحن اليوم على أرض استراتيجية من الدرجة الأولى لكلّ العرب وللمسلمين ولكل من يريد أن يكون حرّاً ويعيش بعيداً عن تسلّط الولايات المتحدة والقوى التي تريد نهب هذا العالم من دون أن يقول لها أحد ماذا تفعلين؟ فكتاب «الرسائل الدمشقية» يمكن تصنيفه في هذا الاتجاه.

وشدّد جلول قال: إن ما يحصل في الشارع اللبناني هو مطالب محقة ومشروعة.

وهذه المطالب يجب أن لا تتحول الى وسيلة لقهر اللبنانيين وتدمير لبنان. فلدينا منالتجارب المأساوية مع الحروب ما يكفي كي لا نسقط في هوة وجحيم الحرب الأهلية، لأنها لن تكون في خدمة أي طرف فما نفع الديمقراطية والشعارات الإصلاحية اذا دمّر البلد.

الحسن

والتقت «البناء» رئيس مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» العميد تركي الحسن الذي كان من بين الحضور وسألناه عن رأيه باجتماع 21 كاتباً عربياً ليكتبوا عن دمشق فقال: سورية كانت وما زالت مركز إشعاع وكانت مركزاً لانطلاقة الدولة العربية من دمشق وصولاً للأندلس غرباً وإلى الصين شرقاً، لذلك اجتمعت 133 دولة لتدمير سورية، لكن سورية استطاعت أن تتجاوز هذا التحدّي وتحوّله فرصة. وفي السنوات التسع الماضية سورية دافعت عن الأمة بكاملها لذلك ما أطلق عليه سابقاً أنها قلب العروبة النابض فهذا كلام صحيح وأنا زرت

بعض البلدان العربية في الفترة الماضية وكانوا يقولون بانتصاركم ننتصر، فأنتم تدافعون عن كل الأمة وليس فقط عن دمشق.

وأضاف الحسن: سورية قدّمت شهداء وجرحى ورغم الإرهاب المدعوم من الغرب وتقودهم أميركا وبعض الدول الإقليمية، إلا أن سورية انتصرت في معركتها وثبتت الوقائع الجديدة؛ لذا سورية اليوم هي نقطة استقطاب عالمي وبعد تسع سنوات كانت سورية الخبر الأول على وسائل الإعلام، وهي نقطة صراع بين مشروعين: المشروع الغربي الاستعماري الأميركي والمشروع الأوراسي الصيني. وهي أيضاً قلب محور المقاومة. فبدون سورية لا توجد مقاومة وهي رأس الحربة في التمسّك بالقضية الفلسطينية، وبالتالي هي لم توقع ولم تتخلَّ عن الثوابت لذا تستحقّ أن تسمّى قلب العروبة النابض.

لا بدّ من الإشارة إلى أن كتاب»الرسائل الدمشقية» صدر في بيروت عام 2016 عن دار الفارابي. أعدّه وأشرف عليه الكاتبان سامي كليب وفيصل  جلول ويضمّ نصوصاً بأقلام 21 كاتباً عربياً من لبنان والمغرب والبحرين وليبيا والعراق ومصر ودول عربية أخرى.يُذكر أن جمعية سورية المدنية تأسست عام 2015 بهدف مواجهة الفكر التكفيري والنهوض بالوعي وتعزيز الانتماء إلى سورية قبل أي انتماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى