مانشيت

قصف «إسرائيلي» من فوق لبنان على جنوب دمشق لمحاولة التأثير على الحسم العسكري في إدلب البطريرك الراعي للتعاون في تسريع تأليف الحكومة… وحردان لأولوية قانون الانتخاب مليونيّة الأحد في الساحات احتجاجاً على تسمية دياب تتحوّل إلى آلاف أتى بهم «المستقبل»

كتب المحرّر السياسيّ

التساؤلات حول المناخ الإقليمي الذي أحاط بتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الدكتور حسان دياب، فتحت الباب لتسلل شائعات مفبركة، ومواقف معلبة، للإيحاء مرة بتسوية دولية إقليمية بين حزب الله وواشنطن لا أساس لها إلا في مخيلة مَن مكتب النص ونسبه إلى مجلة دير شبيغل الألمانية، وتولى الثنائي وليد فارس من واشنطن والوزير أشرف ريفي من طرابلس، وضعه تحت الضوء، قبل أن يكتشف الذين تناقلوه أنه مجرد غبار إعلامي مدسوس، ومرّة أخرى، باستحضار أشخاص لا صفة لهم للإيحاء بموقف خارجي رافض لتسمية دياب، سواء بأزياء خليجية أو بلكنات أميركية، بعدما أربكت صورة تشظي قوى الرابع عشر من آذار أي تحليل للمشهد اللبناني بالتساؤل عن حقيقة الموقف الأميركي والسعودي، الذي بدا غير مكترث برحيل الرئيس سعد الحريري أو بفشل محاولة تسمية السفير نواف سلام، وغير مستفَزّ بتسمية الدكتور حسان دياب، فزيارة معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل مبعوثاً من الوزير مايك بومبيو انتهت بانطباعات إيجابية لجهة عدم وجود قرار تصعيدي أميركي بوجه الرئيس المكلّف ما عكس حالاً من العبوس في وجوه رئيسَيْ حزبي القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي سمير جعجع والنائب السابق وليد جنبلاط وابتسامات في وجه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، ووفقاً للمعلومات بدا هيل وقد تخطّى الفشل وتأقلم مع التسمية فاتحاً الباب للتعاون مع حكومة غير تصادمية منحها تسميات الإصلاحية والفعّالة، وهو ما تبلّغ أن الغالبية النيابية تسعى إليه بالتعاون مع الرئيس المكلف وعبرت عنه من خلال التسمية.

الاهتمام الأميركي الإسرائيلي انتقل من أحلام حول لبنان عبّر عنها مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر قبل أسبوعين بعد اجتماعات باريس، بحكومة توظف الحراك الشعبي لتلتزم ورقة ديفيد ساترفيلد لترسيم حدود النفط والغاز، ورئيس الأركان «الإسرائيلي» السابق غادي إيزنكوت حول الظرف المناسب لترسيم الحدود بما يحقق مصالح كيان الاحتلال، ليعود نحو ما يجري في سورية مع الحسم العسكري المتدحرج لحساب الجيش السوري في إدلب، حيث تتهاوى مواقع جبهة النصرة وتبدو ساعة معرة النعمان قريبة وبعدها سراقب وإدلب، ليصير السؤال الأميركي الإسرائيلي عن ساعة حقول النفط وساعة الجولان داهماً. وهذا الاهتمام ترجمته الرسائل العسكرية الإسرائيلية التي تجسّدت بغارات من الأجواء اللبنانية جنوب دمشق، أكدت مصادر متابعة أنها لن تبدّل في جدول أعمال الجيش السوري الذي اعتاد الرسائل المشابهة وواصل وسيواصل مهامه لتحرير كامل التراب السوري، على قاعدة أن الحساب مع الاعتداءات الإسرائيلية مفتوح لم ولن يُقفَل.

في هذا المناخ المحيط بلبنان ظهر الرئيس المكلف مستقوياً بهوامش حركة تحكم علاقته بالغالبية النيابية، تتيح له ترجمة تطلعات اللبنانيين لحكومة تواجه التحديات الداخلية والخارجية بشخصيات توحي بالثقة وتعبر عن وطنية خالصة تتمسك بمفاهيم السيادة الحقيقيّة وتعبّر فوق المحاصصة الحزبية تحت شعار الميثاقيّة، لتفتح ملفات بحجم مواجهة الأوضاع الاقتصادية التي فجّرت غضب الشعب اللبناني، بمعزل عن السلوك الحاكم لمن نصّبوا أنفسهم قادة على الشعب وغضبه المترجم في الساحات. وهذا الفصل بين الشعب وقادة الساحات عبر عنه اللبنانيون بالإحجام عن تلبية النداءات نحو مليونيّات موهومة كانت الدعوة إلى آخر نسخة منها أمس، مدعومة باحتفالات وهدايا ميلادية، لكنها تكشفت عن آلاف جلبهم تيار المستقبل من منطقة الشمال، ترجمة لدعوة الرئيس سعد الحريري بمواصلة التعبير مع التمسّك به لرئاسة الحكومة في الساحات بدلاً من مواجهة القوى الأمنية والعسكرية.

البطريرك الماروني بشارة الراعي قال إن وجع الناس يجب أن يحفّز الكتل النيابية للتعاون مع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وتسريع هذا التأليف، بينما تميّز موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي من تشكيل الحكومة بما أدلى به رئيس المجلس الأعلى في الحزب أسعد حردان في مشاورات الكتل النيابية مع الرئيس المكلف، حيث قال باسم الكتلة القومية إن الأولوية تبقى لوظيفة الحكومة السياسية وفقاً للدستور. وفي هذا السياق الأولوية هي لقانون انتخاب جديد خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة وفق التمثيل النسبي.

وكانت الكتلة القومية الاجتماعية التقت في المجلس النيابي الرئيس دياب في إطار الاستشارات النيابية التي أجراها لتشكيل الحكومة الجديدة، وأكد رئيس الكتلة النائب أسعد حردان أنّ «الأساس هو الدستور الذي يشكل القاعدة والمعيار لتركيبة الحكومات، وبالتالي فإنّ ما نريده من الحكومة أن تعطي إشارات للمواطنين حول جدّيتها في العمل لاستعادة ثقتهم بدولتهم والتي هي للأسف مفقودة».

ولفت الى أن ما يجمع بين اللبنانيين هو المصير الواحد والمصلحة الواحدة، وما هو مطلوب البدء بالإصلاح السياسي من خلال قانون انتخابي جديد، يعتمد لبنان دائرة واحدة على قاعدة النسبية وخارج القيد الطائفي، وطمأنة الطوائف بقيام مجلس الشيوخ الذي نصّ عليه الدستور. وإذا تمكّنت الحكومة من السير في هذا الإطار تكون الأمور وضعت على السكة الصحيحة لإنقاذ البلد.

ولفت إلى أن «كلّ المصطلحات حول تشكيل الحكومة يجب أن تستند إلى الدستور، وكلّ الحكومات كانت تجمع بين الاختصاصيين والسياسيين، ولكن الحكومة هي حكومة القرار السياسي في لبنان بوصفها السلطة الإجرائية وهي مَن تضع السياسات العامة، ولذلك نحن نؤكد على المعايير الدستورية مع الاستفادة من كلّ الطاقات والإمكانات التي تخدم البلد».

وفي موازاة انطلاق العمل لتأليف الحكومة الجديدة واصل تيار المستقبل التصعيد في الشارع رفضاً لتكليف الرئيس دياب، وعمدوا الى قطع عدد من الطرقات في البقاع والجية والناعمة وحصلت عمليات كرّ وفرّ مع الجيش اللبناني، وبعد فتحها من قبل الجيش أعاد أنصار المستقبل قطعها أمس، وسجلت اشتباكات بالأيدي مع الجيش الذي تعرّض الى اعتداءات بالحجارة والمفرقعات والعبارات النابية، كما توافد أنصار المسقبل من مناطق مختلفة الى ساحتي الشهداء ورياض الصلح وانضموا إلى المعتصمين فيهما وسجلت بعض أعمال الشغب، وتفاوتت آراء المعتصمين في الساحتين، بين مَن يعترض على تكليف دياب بتأليف الحكومة، ومن يرى ضرورة إعطائه فرصة. كما حصل خلاف بين مجموعات وصلت إلى وسط بيروت هاتفة دعماً لسعد الحريري، مطالبة بعودته، وآخرين يرفضون هذه العودة.

إلا أن ما حصل على جسر المدفون فضح ما يُخفيه تيار المستقبل من نيّة لإحداث فوضى وفتنة تدفع دياب للاستقالة، فقد اعترض الجيش اللبناني مجموعة من الباصات محملة بأنصار المستقبل قادمين من طرابلس والشمال وأوقف بعضهم بعدما عثر الجيش بحوزتهم على آلات حادة وعصي وحجارة وكمامات كانوا يريدون استخدامها لافتعال أعمال شغب في ساحة الشهداء، وأفادت مصادر «البناء» أن الأجهزة الأمنية كانت على علم بما يعدّه بعض مناصري المستقبل في الشمال فاتخذت الإجراءات في أكثر من منطقة لإجهاض أي محاولة لافتعال إشكالات.

وقد عممت قيادتا امل وحزب الله على المناصرين عدم الردّ على أي استفزاز يمكن أن يصدر عن المعتصمين او عبر مواقع التواصل.

وأصدرت قيادة الجيش بياناً أشارت فيه الى أن «وحدات الجيش أوقفت في مدينة طرابلس 29 شخصاً بينهم 17 من الجنسيّة السورية، لحيازتهم أسلحة حربية وكمية من حشيشة الكيف، ولتجوّل بعضهم داخل الأراضي اللبنانية من دون إقامات شرعية وقيادة سيارات ودرّاجات نارية من دون أوراق قانونية وقد شملت المضبوطات مسدسين حربيين وكميّة من الذخائر وأعتدة عسكرية وممنوعات، وعدداً من الآليات والدرّاجات النارية وتمّ تسليم الموقوفين مع المضبوطات إلى المراجع المختصة».

وفيما توالى نواب المستقبل على مهاجة الرئيس دياب وإثارة مسألة عدم ميثاقية تكليفه، انعكس ذلك على سلوك مناصري المستقبل في الشوارع، ولوحظ أمس تجول أحد سفراء دول الخليج في أحياء طريق الجديدة بحسب معلومات «البناء»، وكان الرئيس دياب استقبل وفداً من الحراك الشعبي، ما أدّى الى انقسام داخل المجموعات، وقالت مصادر سياسية بيروتية لـ»البناء»، إن «قرار عدم استجابة الحراك الشعبي لإجراء مشاورات مع الرئيس دياب هو قرار الحكم المسبق غير المحسوب خصوصاً بعد التزام دياب تحقيق مطالب الحراك وضمّنه بيان التكليف في بعبدا وبيان الاستشارات النيابية من بهو المجلس النيابي».

واشارت الى ان «رفض تلبية الدعوة للاستشارات أمر مستهجن يجعل من الحراك مدعاة للريبة والشك بأهداف ونيات الحراك الحقيقية، خصوصاً بعدما تحول الحراك الى حال من الفوضى المتنقلة تجوب مختلف مناطق الوطن وتقطع أوصاله بما يشبه الانتحار».وأضافت المصادر أن «إتاحة الفرصة اللازمة للرئيس المستقل المتجاوب واجب وطني للعبور بالوطن الى ضفة الأمان ما يضمن تحقيق الإصلاح المنشود»، معتبرة أنها «الفرصة الإيجابية الوحيدة المتاحة فاقتنصوها».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى