أولى

عام قاس على أنقرة
في ظلّ الخلافات مع الولايات المتحدة

} د. هدى رزق

ثمة أسئلة تدور في دوائر القرار التركية حول كيفية تأثير مساءلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على العلاقات مع الولايات المتحدة المتوترة، وقدرته على حماية تركيا من العداء المتزايد من قبل الكونغرس الأميركي الذي لن يألو جهداً في سبيل معاقبة تركيا على خروجها على الطاعة الأميركية.

 يخشى كثيرون من أن تؤثر هذه المساءلة سلباً على مصالح تركيا الاقتصادية والأمنية، إذ لا يزال شراء أنقرة لنظام الدفاع الجوي الروسي الصنع من طراز «أس 400» ورغبتها في شراء المزيد يثير حفيظة النواب الأميركيين من بين نقاط خلاف أخرى منها مسألة الهجوم التركي في شمال شرق سورية، تحت مسمّى «نبع السلام» والذي بدأ في تشرين الأول/ أكتوبر ضدّ وحدات حماية الشعب الكردي التي دعمها الديمقراطيون من عهد أوباما إلى اليوم تحت شعار محاربة داعش. بالنسبة الى تركيا هي مصنّفة إرهابية لكنها ليست كذلك بالنسبة للكونغرس الذي يدعم الوحدات بشكل مضطرد كحليف رئيسي ضدّ الدولة الإسلامية ولم يشر إلى أنه سيتخلى عن دعمها.

أنقرة ترى أنّ رفض الولايات المتحدة بيعها أنظمة دفاع جوي متقدّمة أجبرها على اللجوء إلى روسيا.

أما واشنطن بدورها ترى أنّ شراء طائرة «أس 400» لا يتماشى مع التزامات أنقرة كحليف لأنّ هذه الأنظمة تشكل تهديداً للأصول العسكرية للولايات المتحدة وحلف الناتو، وأبرزها طائرات مقاتلة من طراز لوكهيد مارتن المتقدّمة من طراز «أف 35». في هذا الاطار أقرّ مجلس الشيوخ قانون التفويض للدفاع الوطني من الحزبين، والذي من المقرّر أن يوقع عليه ترامب دون تأخير. لا يحظر القانون نقل طائرات «أف 35» إلى تركيا فحسب، بل يدعو أيضاً الإدارة إلى معاقبة أنقرة بموجب قانون «خصوم أميركا من خلال العقوبات» لشراء نظام «أس 400» الروسي. يدعو اذاً هذا المشروع وهو مشروع قانون ريشمينينديز، والمعروف رسمياً باسم قانون تعزيز الأمن القومي الأمريكي ومنع عودة تنظيم داعش لعام 2019، إلى فرض عقوبات CAATSA، ولكن ضمن إطار زمني مدته 30 يوماً من تمريره. ويضيف أيضاً تدابير مثل الحظر الجزئي على الأسلحة المفروض على تركيا، وفرض عقوبات على مسؤولين رفيعي المستوى في أنقرة والمطلوب الإبلاغ عن القيمة الصافية لأردوغان وعائلته. لكن هذا الأمر سيعيد إحياء المناقشات داخل تركيا لإيجاد بديل للطائرة «أف 35»، لا سيما عندما يقترن بالعقوبات الإضافية، فإنّ هذا سيؤدّي إلى مزيد من الضغط على السلطات التركية للتفاوض رسمياً على شراء Su-35 من روسيا، والتي قد تؤدّي بحدّ ذاتها إلى موجة أخرى من عقوبات «كما يرى أحد المراقبون.

تتهم أنقرة الكونغرس بمعاداتها لا سيما بعد اعتماد مشروع قانون الدفاع، رفع مشروط لحظر الأسلحة المفروض على الإدارة القبرصية اليونانية. ودعوتها إلى اتخاذ تدابير ضدّ خط أنابيب الغاز الطبيعي تورك ستريم الذي يمتدّ من روسيا إلى تركيا. وترى انه يوضح عدم احترام الكونغرس لقرارات تركيا السيادية فيما تعتبر انّ قرارتها شراء الصواريخ الروسية لضمان أمنها القومي وهي ترفض تبني مجلس الشيوخ مؤخراً قرارات الإبادة الجماعية للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى. تراهن تركيا على ترامب وترى أنه من غير المرجح إقالته من منصبه مع وجود أغلبية جمهورية في مجلس الشيوخ لكن كلّ المؤشرات تدلّ على انّ ترامب وانْ نجح في تخطي الإقالة إلا انه سوف لن يكون في مقدوره مساعدة تركيا لأنه سيكون أضعف بانتظار الانتخابات التي ستقرّر وحدها مصيره. الإقالة ستجعل ترامب أكثر امتلاكاً للجمهوريين في مجلس الشيوخ. سيكون من الصعب على ترامب التغاضي عن مطالب مجموعة مجلس الشيوخ التي تصرّ على فرض عقوبات على تركيا. لذلك تبدو النظرة قاتمة لمستقبل العلاقات التركية الأميركية.

صحيح انّ تركيا قد تمكّنت من تجنّب قرارات الإبادة الجماعية للأرمن وغيرها من التحركات المعادية لها من قبل الكونغرس بدعم من البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية وأعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين يقفون بجانبها.. لكن مع وقوف مجموعات من الذين كانوا في الماضي الى جانب تركيا الى جانب الديمقراطيين في الكونغرس يصبح التغيير واضحاً.

لذلك ستواجه تركيا عقوبات حقيقية. لا سيما انّ الجماعات اليهودية الأميركية التي كانت تقف الى جانب تركيا لن تفعل في ظلّ العداء بين أردوغان و»إسرائيل» بسبب دعمه لحماس اذا لم تعد الجماعات اليهودية المؤثرة في الولايات المتحدة قادرة على مساعدة تركيا لذلك تدخل تركيا في منطقة الخطر في اعتمادها في علاقاتها فقط على ترامب ووزارة الخارجية وتجاهل السلطات االمؤسسية الأخرى.

لكن على الرغم من ضغوط واشنطن، فإنّ أنقرة ترفض تقديم تنازلات بشأن القضايا التي تسبّبت في توترات بين البلدين، وتهدّد بالردّ حيث حذر أردوغان من أنّ تركيا قد تغلق قاعدة «أنجرليك» الجوية الاستراتيجية في جنوب تركيا، والتي استخدمتها الولايات المتحدة لعقود والتي تخزن فيها أسلحة نووية تكتيكية وإغلاق قاعدة الرادار المتقدّمة في كوريسيك، في شرق تركيا، والتي تعدّ من أصول الناتو رسمياً.

الا انّ واشنطن ستحتفظ بوجودها العسكري في تركيا. لكنها تقوم في نفس الوقت بتوسيع منشآتها العسكرية في قطر، وتحاول زيادة وجودها في دول إقليمية مثل رومانيا وبلغاريا واليونان. الا انّ أنقرة لا يمكنها ان تصل الى هذا الحدّ في علاقتها مع واشنطن لا سيما أنّ إغلاق قاعدة كوريسيك سوف يحرّض الناتو ضدّها.

الخشية في تركيا كبيرة من قدرة واشنطن على الإضرار بالاقتصاد التركي كما فعلت في عام 2018، عندما سمح ترامب بفرض عقوبات على أنقرة لرفضها إطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برونسون، كذلك في يناير/ كانون الثاني 2019، عندما هدّد ترامب عبر تويتر بـ «تدمير اقتصاد تركيا» إذا هاجم الأكراد في سورية. هذه التطورات وضعت الليرة التركية في هبوط مقابل الدولار، وفي ظلّ انشغال ترامب في الانتخابات الرئاسية من المتوقع أن تظلّ العلاقات التركية الأميركية متوترة خلال عام 2020.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى