عربيات ودوليات

«سبقنا آرمسترونغ إلى القمر»

} جميل راجح**

من الشوف الأغرّ أحمل لكم يا أهل الجنوب الأوفياء أسمى معاني المحبة والتقدير والاحترام، هذا الجنوب الشامخ رمز البطولة والمقاومة والنضال والتضحية، جنوب الخير والعلم والإيمان.

لن أتطرّق في كلمتي لتأريخ الإغتراب وتفصيل مندرجاته فأهل العلم والاختصاص أجادوا في شرح الموضوع ووفّوه حقه ولا زيادة على مستزيد.

كُتب على اللبناني أن يعاني من مرارة الاغتراب، وهذا يشمل المقيمين والمغتربين، قلما يلتقي إثنان في الكيان إلا ويستتبع سؤاله عن الصحة والعمل بالاستفسار عن الأولاد في دنيا الاغتراب، ليس أشدّ إيلاماً على المغترب من ترك دياره وأهله وأصدقائه مهما صادف من نجاح وشهرة وثروة هناك، فيوم في بلده مع أهله وخلانه وأترابه وتنشق عبق الطبيعة ها هنا يساوي كلّ بلدان الاغتراب. ومع هذا لم تبق قارّة ولا دولة ولا دسكرة في هذا العالم إلا وتواجد فيها لبناني طلباً للرزق، والعيش الكريم والعلم والثقافة، تحضرني هنا ما ذكره رئيس جمهورية ليبيريا الأسبق الدكتور وليم تيمان وكان مدعوّاً لعشاء تكريمي أقامته على شرفه الجالية اللبنانية في منروفيا وصادف حينها وصول الأميركي نيل آرمسترونغ إلى القمر، فقال الرئيس تيمان أتعجّب إذا لم يلتق آرمسترونغ بأحد اللبنانيين وقد سبقه إلى سطح القمر!

يشرّفني ويسعدني أن أتحدّث إليكم باسم المجلس القاري الأفريقي الذي يمثّل عائلة الاغتراب اللبناني في القارة السمراء وهو الهيئة الناظمة والحاضنة للمجالس الوطنية الممثلة للجاليات اللبنانية الموجودة على امتداد القارّة.

ولد هذا المجلس من رحم الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم لتحقيق الغاية النبيلة التي أسّست الجامعة، من أجلها وفي مقدّمتها جمع شمل ورعاية مصالح المغتربين اللبنانيين والسهر على أمن واستقرار مصالحهم في البلدان المضيفة وحثّهم على احترام القوانين والأنظمة في الدول التي يقيمون فيها الى جانب إقامة أفضل العلاقات مع شعوبها، وبالتالي تعزيز وتمتين الروابط والتواصل مع الوطن.

يعتبر المجلس القاري الأفريقي العمود الفقري للجامعة الأمّ حتى أنه اليوم المجلس القاري الوحيد الذي يعمل، وينتخب هيئاته الإدارية بانتظام ويعقد مؤتمراته كلّ سنتين، كلّ هذا بفضل الذين تعاقبوا على رئاسته مع الهيئات الإدارية التي عاونتهم على الاستمرار، نذكر منهم السيد أحمد ناصر، السيد نجيب زهر، السيد علي سعاده والسيد عباس فواز.

لقد عمل المجلس القارّي الحالي ومنذ توليه مهامه برئاسة الحاج عباس فواز على تحقيق ما تقدّم ذكره وقام بزيارات متعددة الى معظم دول القارة الأفريقية، وخصوصاً الغربية منها حيث يوجد أكثر مغتربينا، متفقداً أحوالهم، مقدّماً الحلول لبعض النزاعات التي كانت قائمة في ما بينهم وتجديد وتفعيل المجالس المحلية، كما توّج المجلس الحالي نشاطاته باستضافة مؤتمر الأمن بين لبنان وبعض الدول الأفريقية الذي عُقِد في بيروت بمشاركة المديرية العامة للأمن العام على مدى يومين حيث كان لهذا المؤتمر الأثر البالغ في التواصل في ما بين الأجهزة الأمنية لهذه الدول والأمن العام اللبناني وتحقيق الغاية السامية من إنعقاده، حيث عزز العلاقة في ما بين هذه الأجهزة، كما نتمنّى على الدولة اللبنانية ومن على هذا المنبر أن تعطي الأهمية اللازمة والأكيدة للتقارب والتواصل مع حكومات بلدان الاغتراب وتقوية وتنمية العلاقات معها وعلى أعلى المستويات، وتبادل الزيارات في ما بين المسؤولين اللبنانيين وزملائهم في هذه الدول، وخصوصاً الأفريقية منها، وهنا لا بد من التمنّي على دولتنا الكريمة تفعيل دور البعثات الدبلوماسية أكانوا سفراء أم إداريين، حيث أنّ هذه القارة التي تستضيف عشرات الآلاف من اللبنانيين تستحق الاهتمام والإلتفات إلى مصالح هؤلاء الذين يرفدون الوطن بما يتيسّر من مردود أتعابهم وأعمالهم ينعكس بشكل فعّال ومثمر في دعم الإقتصاد اللبناني وتنميته، كذلك استثماراتهم في شتى المجالات التجارية والصناعية والزراعية وإيجاد فرص عمل للكثيرين من شبابنا له أثره البالغ في دفع عجلة الإنماء والتطوّر في لبنان نحو الأفضل.

انّ باريس ولندن وواشنطن وموسكو وغيرها تحظى بأفضل السفراء فلماذا نبخل على أبيدجان ومنروفيا وأكرا وداكار بأمثالهم. لذا نعود ونكرّر مطالبتنا للسادة المسؤولين في وطننا تبادل الزيارات مع نظرائهم في دول الإغتراب وتنمية العلاقات الإقتصادية والثقافية وإقامة المؤتمرات على شتى الصُّعد.

المغتربون اللبنانيون لم يقصّروا أبداً في أداء دورهم الريادي لجهة تفعيل وتنشيط مهمة الدبلوماسية اللبنانية في أكثرية العواصم الأفريقية، حيث أخذوا على عاتقهم بناء عدة سفارات لبنانية وتأثيثها وتأمين كلّ مستلزماتها تعبيراً عن محبّتهم لوطنهم، ولكي يعزّزوا وجه لبنان الحضاري والمشرق ولم يبخلوا في تقوية أواصر الصداقة مع شعوب البلدان الأفريقية حيث بنوا المدارس ووهبوها للمجتمعات المحلية إلى الكثير من التقديمات العينية والمنح المدرسية وخلافه، فما على دولتنا الكريمة سوى أن نعمل المطلوب منها لاستكمال العمل النبيل الذي تقوم به جالياتنا في دول الإغتراب.

وفي هذا السياق ايضاً ومن على هذا المنبر بالذات نطالب شركة طيران الشرق الأوسط أن تباشر وفي القريب العاجل بتأمين رحلات مباشرة من بيروت إلى عواصم الدول الأفريقية من أجل تسهيل تنقلات الأخوة المغتربين أسوة بدول الخليج وعواصم الدول الأوروبية حيث أنّ اللبنانيين في أفريقيا يستحقون المعاملة بالمثل وبالتالي أعدادهم وفيرة وزياراتهم للبنان كثيرة ومتعددة. إننا إذ نؤكد على طلبنا هذا نأمل من شركة طيران الشرق الأوسط تلبيته وبسرعة.

في العاشر من شهر تشرين الأول الفائت انعقد المؤتمر العالمي الثامن عشر للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وتمّ بالتزكية إختيار الحاج عباس عبد اللطيف فواز لرئاسة الجامعة، كذلك أعضاء الهيئة الإدارية للمجلس العالمي. إننا إذ نهنّئ الجامعة والإغتراب اللبناني في القارات الخمس على حسن الاختيار للسيد فواز لما يتمتع به من ديناميكية وخبرة وذكاء وخصال حميدة وإلمام بشؤون وشجون الإغتراب، نتمنّى له النجاح في هذه المهمة الشاقة وهو أهل لها. كما نأمل التعاون معه من كافة الجهات الإغترابية والمحلية على إنجاح ما يصبو إليه خصوصاً أنه تبنّى برنامجاً طموحاً للإرتقاء بالجامعة إلى المستوى اللائق بلبنان والإغتراب اللبناني، ونشكر وسائل الإعلام التي واكبت الحدث وأعلنت عنه، كما نسجل عتبنا الصارخ وألمنا الممزوج بالخيبة والدهشة والاستنكار للمؤسسات الإعلامية الأخرى بكافة فئاتها على تقصيرها الفادح في تغطية أعمال ونتائج هذا المؤتمر.

إنّ هذه الجامعة التي تمثل الملايين من اللبنانيين في دنيا الإغتراب والذين هم عصب الإقتصاد اللبناني، تحجب أكثرية وسائل الإعلام هذا الحدث العالمي الهام، إنه لمن المخجل لا بل من المعيب أن بعض الإعلام لم يعد يتحرّك أو يتكلم إلا ببدل! ناكرين على المغتربين حقهم المشروع في ذلك، متناسين دور الإغتراب والمؤسسات الإغترابية في رفد هذه المراكز الإعلامية بشتى أنواع الإعلانات والتقديمات والمقابلات والدعم إلخإننا نذكّر لعلّ هناك من يستيقظ ويتعظ.

أشكركم جزيل الشكر على إتاحة هذه الفرصة لي لأتكلم من على هذا المنبر المميّز، كما أشكر زملائي في المجلس القاري على ثقتهم الغالية. ومسك الشكر الراجحي لهيئة تكريم العطاء المميّز بشخص رئيسها الدكتور كاظم نور الدين على حسن الإدارة والتنظيم لهذا المؤتمر.

عشتم وعاشت الجامعة وعاش لبنان.

*كلمة ألقيت في «مؤتمر البحث العلمي حول الاغتراب اللبناني» الذي نظمته في النبطية «هيئة تكريم العطاء المميّز» والمجلس القاري الأفريقي برعاية الرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عباس فواز، وذلك يومي**مسؤول العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وعضو الهيئة الإدارية في المجلس القاري الأفريقي سابقا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى