مانشيت

قصف صاروخي إيراني لقاعدة عين الأسد الأميركيّة في العراق يخترق الدفاعات ويصيب الأهداف ردّ إيران المدروس وخطاب ترامب المدروس يفتحان طريق الانسحاب الأميركيّ المنظّم حكومة لمّ الشمل التي أشار إليها بري متاحة لدياب… مع إهمال الحريري لتصريف الأعمال

كتب المحرّر السياسيّ

نفذت إيران تهديدها بالردّ على اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني قبل أن يُوارى في الثرى، فتساقطت الصواريخ الإيرانيّة الثقيلة على قاعدة عين الأسد العراقية، حيث يقيم مئات الجنود والضباط الأميركيون، ونجحت الصواريخ في تخطّي كل التشويش الإلكتروني الأميركي ووصلت أهدافها دون أن تتمكّن الرادارات الأميركية من مراقبتها ودون أن تنجح منظومة الصواريخ الدفاعية الأميركية من الانطلاق، وقدّمت إيران نموذجاً للدول التي تدافع عن سيادتها متحدّية التهديدات الأميركية بقصف 52 هدفاً إيرانياً إذا فكرت بالرد على جريمة قتل سليماني، لكن الردّ الإيراني الذي لم ترافقه نعوش وإسالة دماء، وما تلاه من كلام أميركي مدروس على لسان الرئيس دونالد ترامب، أوحى بوجود فرصة لمواجهة على درجة حرارة أقلّ من التي بدت عليه الأمور في يومها الأول، بعدما تكفّل الإصرار الإيراني وعزم قوى المقاومة على قبول التحدي والسير في خيار المواجهة حتى النهاية. ومع هذا الإصرار ما أظهرته الحشود المليونية من حال تعبئة توحي بقدرة محور المقاومة على خوض المواجهة بعكس الحال الأميركية الداخلية المفككة، بوضع الرئيس الأميركي بين خياري المواجهة المفتوحة أو تقديم العروض التي تلاقي طلبات إيران ومحور المقاومة في منتصف الطريق. وهذا ما قالت مصادر متابعة إنه يمكن قراءته بين سطور كلام ترامب عن عدم حاجة أميركا للشرق الأوسط في موارد النفط والغاز، وعن دعوته لحلف الناتو للتمركز في المنطقة، وعن دعواته لكل من روسيا والصين وأوروبا للشراكة في تفاوض على اتفاق نووي جديد مع إيران بداعي اقتراب مهلة نهاية الاتفاق الحالي.

مقدّمات فرصة الانسحاب الأميركي المنظم، فتحت الباب لتكهّنات من نوع تولي روسيا الحلول مكان القوات الأميركية في سورية، وربما قوات روسية فرنسية في العراق، وتكهنات حول دور تركي فرنسي تحت مظلة الناتو، لكن لا يزال دون تبلور هذه الفرصة الكثير. فماذا عن الدور الإسرائيلي الذي كان في أصل التصعيد الأميركي، وماذا عن حكام الخليج وأموالهم، وتأثر ترامب بفعل المال، وماذا عن الانتخابات الرئاسية ومقتضياتها، وهل وصل الوسطاء الذين رأوا الرد المدروس والجواب المدروس إلى مهل واضحة وتحديدات حاسمة لمناطق الانسحاب ومن يتولاها. وهذه الأسئلة وغيرها الكثير تبقى رهن الأيام المقبلة المفتوحة على طريق واحد هو خروج الأميركيين عسكرياً من المنطقة، سواء بصيغة تحفظ بعضاً قليلاً من ماء الوجه أم بصيغة تسيل الكثير من الدماء؟

لبنانياً، مع تطورات المنطقة وتفاقم الانقسام السياسي، وتأخر ولادة الحكومة الجديدة خرج رئيس مجلس النواب نبيه بري بثنائية، مضمونها من جهة الدعوة لحكومة لمّ الشمل، أي حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع، لمواجهة التحديات المقبلة وفقاً لما تقوله مصادر نيابية مطلعة. وهذا لا يعني أبداً حكومة مواجهة كما يتخيّل البعض، كما تقول المصادر، ومن جهة ثانية تفعيل حكومة تصريف الأعمال لمواجهة المشاكل المتفاقمة على الصعيد الاقتصادي والخدمي خصوصاً الكهرباء، وقالت المصادر إن أمام الرئيس المكلف حسان دياب أن يتلقف الدعوة لحكومة لمّ الشمل ويترأسها، خصوصاً أن تخلّي الرئيس سعد الحريري عن مهامه كرئيس حكومة تصريف الأعمال يبقي الفرصة لدياب متاحة، وعما إذا كانت عودة الحريري للمشاركة في مناقشات الموازنة قد تشهد التقاطه لفرصة تفعيل حكومة تصريف الأعمال تمهيداً لاستعادة فرصة الترشيح لرئاسة الحكومة الجدّية، قالت المصادر: اليوم هناك رئيس مكلف وتقف عنده المبادرات حول شكل الحكومة، أما عن فرص الرئيس الحريري، فذلك وقف على جواب عن سؤالين، الأول كيف سيتعامل الرئيس المكلف مع الدعوة لحكومة من هذا النوع؟ وهل صرف الرئيس الحريري أيضاً النظر عن حكومة تكنوقراط صافية يتولى تشكيلها على هواه؟ وهل هو قادر أن يلتقط خطورة المشهد الإقليمي والتحديات الداخلية؟ بينما سلوكه عبر جماعاته في الشارع وعبر تخلّيه عن مسؤولياته كرئيس حكومة تصريف أعمال لا يوحي بذلك

في موازاة الخلاف المستمر على تأليف الحكومة، شهد الشارع سلسلة احتجاجات شعبية في العاصمة بيروت والشمال ومناطق أخرى على خلفية انقطاع في التيار الكهربائي بشكل غير مسبوق. ما دفع مراقبين للتساؤل هل نحن أمام انفجار شعبي جديد «كهربائي» على غرار مشهد الانفجار الشعبي على خلفية فرض الحكومة ضريبة على «الواتسآب» في تشرين الاول الماضي؟ ومن افتعل أزمة الكهرباء وما الهدف؟

ودخل عشرات من المحتجين الى مركز «شركة كهرباء قاديشا» في البحصاص، لا سيما مبنى ورش الشركة والصالات والمكاتب ومركز التحكم بالتقنين وغرفة العمليات، وقد تمكن عناصر الجيش اللبناني من إخراجهم بعد حصول تدافع أدى الى وقوع جرحى. كما اعتصم اهالي المنية والجوار في دير عمار رفضاً للتقنين.

وقطع المحتجّون الطرقات خصوصاً في طرابلس. وأمام هذا الواقع تقف حكومة تصريف الأعمال مكتوفة الأيدي ومتفرّجة على مشهد إذلال المواطنين فيما رئيسها يمدّد إجازته العائلية الى أجل غير مسمى!، فبحسب قول مصادر نيابية لـ»البناء» فإن الحكومة مستقيلة من مسؤولياتها منذ استقالتها وكذلك رئيسها ما يخالف الدستور الذي يلزم أي حكومة مستقيلة بتصريف الأعمال حفاظاً على استمرارية المرافق العامة وتسيير شؤون المواطنين الأساسية، فكيف في الظروف الاستثنائية التي يواجهها لبنان؟ وتضيف المصادر أن «حكومة تصريف الأعمال لم تتخذ أي قرار أو تدبير رغم تعاظم التحديات والمخاطر أكانت الخارجية عبر الحدود مع فلسطين المحتلة وفي المنطقة ككل حيث يعطل رئيسها اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، وإن على الصعيد الاقتصادي والمالي والنقدي والمعيشي للتخفيف من وطأة الأزمات على المواطنين».

وانتقد رئيس مجلس النواب نبيه بري تقصير الحكومة، ولفت إلى أن «المطلوب من حكومة تصريف الأعمال ممارسة صلاحيتها كاملة متكاملة، ولكن للأسف هذا الشيء لم يحصل رغم خطورة الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن».

وأبلغ رئيس المجلس نواب الأربعاء ان «موازنة 2020 قد وصلته، وسوف يحدّد جلسة للموازنة قبل نهاية هذا الشهر». وأضاف: «ان المرحلة تستدعي حكومة لم شمل وطني جامعة وفق رؤية تتصدّى بنجاح لكل تلك الهواجس انطلاقاً من تقديم مصلحة لبنان وكل اللبنانيين». ورداً على سؤال عن الأسماء التي قدمتها حركة «أمل» للمشاركة في الحكومة اجاب النائب علي بزي: «حتى الآن لم يجتمع دولة الرئيس نبيه بري مع قيادة الحركة لاتخاذ القرار بهذا الشأن».

واعتبر بري أن «العدوان الذي طاول سيادة العراق باغتيال اللواء قاسم سليماني وثلة من قيادة الحشد الشعبي يشكل تصعيداً خطيراً، مما سيغير ملامح الصراع الذي سيطر على المنطقة بأسرها، وقطع كل الخطوط الحمراء».

وترى مصادر 8 آذار لــ»البناء» أن «اغتيال سليماني خلق مشهداً جديداً في المنطقة سينعكس على لبنان عاجلاً أم آجلاً من دون أن يكون للأطراف الداخلية إرادة لذلك، لكن الضربة الأميركية أعادت تبويب الصراع في المنطقة ولبنان جزء من هذه المنطقة سيكتشف أنه في قلب الصراع وأن مسألة تحييده والنأي بالنفس ملهاة وشعارات». وعلمت «البناء» أن تقييماً يجري بين قوى 8 آذار وإمكانية الطلب من الرئيس المكلف إجراء بعض التعديلات في الحصص والأسماء. في وقت تنفي مصادر دياب تراجعه عن طرح 18 وزيراً وعودة الحديث الى حكومة مطعّمة بسياسيين، فيما أكدت معلومات «او تي في» أن «إنجاز تأليف الحكومة ينتظر احترام وحدة المعايير ومن ضمنها اختيار وزراء جدد من الاختصاصيين أي استبعاد هؤلاء السابقين».وتشير أوساط نيابية لـ»البناء» الى أن «الحكومة ستشكل في نهاية المطاف وما يجري في المفاوضات هو شدّ حبال بين الرئيس المكلف ورئيس أكبر كتلة مسيحية وسيستقرّ بالتوصل الى حلول وسطية ترضي الطرفين»، وتضيف بأن «نجاح الحكومة الجديدة مرتبط بقدرتها على اتباع سياسات اقتصادية ومالية ونقدية جديدة وتخفيض خدمة الدين ومكافحة الفساد، وأيضاً قدرتها على جذب الخارج لدعم لبنان بالمليارات الموعودة في مؤتمر سيدر».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى