نقاط على الحروف

السبب الحقيقي لاغتيال سليماني والحسابات الخاطئة

 

ناصر قنديل

قدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب تفسيراً لقرار اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ربطه بخطة شرع سليماني بتنفيذها لاستهداف أربع سفارات أميركية في المنطقة، ورغم عجز ترامب ومستشار أمنه القومي ووزير خارجيته عن تقديم أي إثبات استخباريّ يُعتد به إلى الكونغرس في إطار الإحاطة حول العملية، اضطر وزير الدفاع مارك إسبر لنفي المعلومات في تصريح له أمس، وجاء وصف السيد حسن نصرالله لترامب بالكاذب على خلفية الاتهام تأكيداً من موقع ما يعلم، لعدم صحة التبريرات المرتبطة بالاغتيال.

محور المقاومة في إطار القراءة السياسية التي قدّمها للعملية بلسان قائد المقاومة الذي يمثل عملياً الناطق الأبرز بلسان المحور، ربط الاغتيال بالفشل الأميركي في المنطقة على جميع المحاور والجبهات، ولم يتبقَّ له بعد الفشل الميداني والسياسي، أي العجز عن تثبيت المواقع أو فتح قنوات التفاوض، سوى اللعب على حافة الهاوية بضربة يراهن عليها لإضعاف هيبة إيران ومحور المقاومة، وإرباك قوى المقاومة وهيكليتها في مختلف مناطق الصراع، حيث سليماني محور التنسيق والقيادة، والرهان على أن تؤدي الضربة إلى خلق الذعر وفتح الباب للتفاوض المنشود؛ بينما تحدثت مصادر أميركية عديدة عن رهان موجود لدى العديد من المسؤولين الأميركيين على عزلة شعبية يعانيها النظام في إيران وتعيشها قوى المقاومة، خصوصاً في لبنان والعراق في ضوء التحرّكات الشعبية الناتجة عن الضائقة المالية بفعل العقوبات الأميركية، والرهان على الاغتيال بتوفير مناخ يساعد على استثمار هذه العزلة بتصعيد انقسامات سياسيّة تخلق توازنات داخلية جديدة في هذه الساحات.

بالرغم من نسبة عالية للحقيقة في القراءتين، يبقى التوقيت في مطلع العام الرئاسي، وليس في نهايته، مرتبطاً بحسابات أمنيّة لا بدّ من محاولة تفسيرها، ولعل للاغتيال في العراق ما يساعد في التفسير، حيث الساحة التي يشعر الأميركيون أنها تهتز تحت أقدامهم مع التقدّم الهائل في التعاون الاقتصادي العراقي الصيني الذي أنجزته حكومة الرئيس عادل عبد المهدي، التي استقالت بضغط أميركي ولم تنجح محاولة استبدالها بعد، بينما يتوسّع التموضع العسكري للحشد الشعبي على الحدود السورية العراقية في منطقة القائم البوكمال، ليس لضمان الخط البري بين العراق وسورية، بعدما كان هذا المعبر البري خطاً أميركياً أحمر، بل لضمان خلفية الجبهة العسكرية التي ستفتح بوجه الأميركيين في شرق سورية من قبل وحدات مقاومة سورية تتهيّأ للمهمة، وتنتظر نهاية معركة تحرير إدلب، وهي معركة طرد الأميركيين من سورية، التي ستعقبها حكماً معركة طردهم من العراق. والرمز القيادي المعنوي والمادي لترابط هذه المعارك وقيادتها، هو القائد سليماني، والرسالة الرادعة لصرف النظر عنها أو لتأخيرها عملياً كان اغتيال سليماني.

السؤال الحقيقي الذي يواجه الرئيس ترامب، بعد انكشاف كذبته حول السفارات المستهدفة، واتضاح طبيعة عمليته الاستباقية المرتبطة بتمديد بقاء القوات الأميركية في سورية والعراق، وخشيته من فتح معركة طردها قبيل انتخاباته الرئاسية، هو ما إذا كانت عملية الاغتيال جعلته اقرب أم أبعد عن هذه المعركة، وليس خافياً أن الشعار الذي وضعته قيادة محور المقاومة وأعاد السيد حسن نصرالله تأكيده كمسار، هو أن إخراج القوات الأميركية من المنطقة، وخصوصاً من سورية والعراق، يشكّل القصاص العادل على جريمة الاغتيال. وهذا الربط ينطلق من معادلة اعتبار تحقيق الهدف الذي كان يسعى لتحقيقه سليماني وحدَه الرد المناسب على اغتياله، والذي بات من الواضح اليوم، أنه هدف يملك زخماً واندفاعاً وجهوزية ومشروعية، لم تكن كلها متاحة بالنسبة ذاتها قبل عملية الاغتيال، وبات على ترامب التعامل مع النتيجة الحتمية المرتقبة وهي أزوف ساعة الرحيل، والاكتفاء بالبحث عن مخرج مناسب لعودة قواته عمودياً، لأن العودة الأفقية مؤجّلة، لكنها قيد التحضير، كما قال السيد نصرالله، وحكماً قبل ذروة الحماوة الانتخابية الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى