مانشيت

مليونيّة العراق لإخراج الأميركيّين ترسم معادلات المرحلة المقبلة إقليميّاً وتفتح خيارات عديدة البيان الوزاريّ للحكومة أمام خمسة أسئلة كبرى… والسفراء العرب ينتظرون «الأميركيّ» وزارة الماليّة بين امتحانات المؤسسات الدوليّة وشحّ الموارد وضغط الحاجات… وسوقَيْ الصرف

كتب المحرّر السياسيّ

خلال الشهور الفاصلة عن مطلع الصيف، حيث يضغط المشهد الانتخابي الرئاسي الأميركي على حسابات الرئيس دونالد ترامب، وحيث يقترب موعد القمة الدولية التي دعا إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة قضايا الأمن والسلم الدوليين، ستكون المواجهة عنوان المشهد الإقليمي، بين الإدارة الأميركية مباشرة وقوى وحكومات محور المقاومة، ورغم استبعاد المعارك العسكرية الكبرى، فإن المواجهة التي ستتخذ أشكالاً أخرى افتتحتها المسيرة المليونيّة في بغداد أمس، ستبقى هي العنوان، والمليونيّة العراقية رسمت مستقبل المرحلة ومعادلاتها وفتحت الأبواب لخيارات عديدة، فقد أصبح السير بمشروع إخراج الأميركيين التزاماً لا رجعة عنه بالنسبة لقوى كبرى في العراق تقف وراءها قوى كبرى في المنطقة. وصار الالتزام بتصعيد العمل الشعبي والسياسي بوجه الأميركيين ونزع الشرعية عن وجودهم في العراق لا يحتمل العودة إلى الوراء. وبالمقابل صارت فرضيّات تعرّض وحدة العراق للخطر واردة، ومثلها فرضيات العناد الأميركي والحاجة للانتقال للعمل العسكري لتثبيت القرار بإخراج الأميركيين. وفي قلب هذه المواجهة يصير من الصعوبة بمكان توقع مناخ من التهدئة يفتح الباب لمراجعة أميركية لسياسة التصعيد تجاه قوى المقاومة، وتعاملها مع الساحات التي تعتبرها ساحات اشتباك، بعدما أخذت القرار بخنقها مالياً أملاً بالضغط على قوى المقاومة، ومنها لبنان.

الموقف الأميركيّ الذي عبر عنه وزير الخارجية مايك بومبيو ترجم بتريّث أميركيّ دبلوماسيّ في التواصل مع حكومة الرئيس حسان دياب، وتعميم أميركي دبلوماسي على السفراء العرب بالتريّث، بانتظار الخطوة الأميركيّة، ولوحظ هذا الغياب العربي عن السراي في ظل هجمة دبلوماسيّة أوروبيّة ملحوظة.

الحكومة منصرفة لإنجاز البيان الوزاريّ، قبل البتّ بكيفية التعاطي مع إشكالية جلستي الثقة والموازنة، بتنسيق بينها وبين رئاسة مجلس النواب. والبيان الوزاري الذي لا يواجه مشكلة في صياغة فقرات السياسة الخارجية بما فيها الفقرة التقليدية التي تثير الخلافات والمتصلة بالمقاومة، أمامه خمسة اسئلة كبرى حقيقية: السؤال الأول حول مدى قناعة الحكومة وترجمتها لهذه القناعة في البيان الوزاري بأنها حكومة سياسية من طراز رفيع وفي لحظة سياسية استثنائية عبر فيها اللبنانيون عن رغبتهم بالانتقال من دولة المحاصصة الحزبية الطائفية إلى دولة المواطنة، والحكومة التي تتبرأ من التمثيل الحزبي الطائفي وتؤكد أنها من الاختصاصيين هي ثمرة هذا التعبير السياسي العالي المنسوب في إرادة التغيير السياسي، ليس للابتعاد عن السياسة بل للذهاب إلى سياسة تأخذ لبنان بعيداً عن النظام الطائفي، وتفتح الباب نحو الدولة المدنية، فهل ستجرؤ الحكومة على قول ذلك في بيانها الوزاري؟ والسؤال الثاني حول الإصلاح السياسي الذي طلبه اللبنانيون ونادوا به في الساحات بالدعوة لقانون انتخابات خارج القيد الطائفي وعلى أساس لبنان دائرة واحدة وفق التمثيل النسبي، فهل سيكون هذا الوضوح في البيان الوزاري؟ والسؤال الثالث فرضته ثورة اللبنانيين على الفساد ودعوتهم لإزالة كل العقبات من أمام قضاء مستقل لا تعوقه الحصانات والحمايات، فهل سيكون النص على السلطة القضائية المستقلة مدخلاً لقانون جذري يضمن استقلال القضاء كسلطة قائمة بذاتها، ويضمن فعلاً لا قولاً تساوي اللبنانيين أمام القضاء، لجهة إلغاء كل الامتيازات السياسية التي تعطل قدرة القضاء على مساءلة الوزراء والنواب والموظفين. أما السؤال الرابع فيطال السياسات المالية ومدخلها تضخم دور مصرف لبنان في رسم السياسات المالية والاقتصادية على حساب وزارة المالية خاصة والحكومة عموماً وما رافقها من تضخم لدور المصارف وتراجع للقطاع المنتج وللاقتصاد عموماً، فهل ستستردّ الحكومة بعدما أوصلت هذه السياسات البلد إلى الانهيار مسؤولياتها وتفصح عن ذلك في البيان الوزاري؟ السؤال الخامس حول العلاقة بسورية، التي ليست طلباً سورياً، ولا شرطاً لحلفاء سورية، بل هي حاجة لبنانية تمنع تلبيتها الشروط المفروضة على لبنان خارج نطاق مصلحته، ففي هذه العلاقة يختزن ملف النازحين، وبعض مهم من ملف الكهرباء، وملف التجارة مع العراق وفيه مليارات تزيد عن الوعود غير المؤكدة من الخارج، وفيها ملف أنبوب نفط كركوك إلى طرابلس ومصفاتها، فهل ستتعامل الحكومة مع هذا الملف بمقتضيات المصلحة اللبنانية أم بما تمليه حسابات السياسات الحكومية التقليدية التي كانت سبباً للأزمة؟

مع هذه الأسئلة تبدو وزارة المال في الواجهة أمام امتحانات متواصلة من المؤسسات الدولية المالية، يتوّجها اليوم صندوق النقد الدولي بوصفاته التدميريّة للبلدان التي تولى معالجة أزماتها، فهل ناقشت الحكومة طلبات الصندوق ومبدأ السير بوصفاته، وتعرف نتائجها، أم أنها تنتمي بين مدارس التكنوقراط إلى أولئك الذين يتمسكون بدولة الرعاية، وليس إلى مدارس التوحش الاجتماعي برفع الضرائب وتخفيض الرواتب وبيع الممتلكات والقطاعات المنتجة، وإطلاق يد المصارف؟ وفي هذا السياق كيف ستوازن الحكومة بين ضغط الحاجات ونقص الموارد، في ظل السلطة القابضة لمصرف لبنان على الأرقام، وبقائه مصدراً غامضاً لمعرفتها، حيث لا أحد يعلم كم يملك لبنان من الدولارات فعلياً، ولا أحد يعلم شيئاً عن مصير الأموال التي تملكها المصارف في الخارج وعلاقتها بالتحويلات التي لم يصل تحقيق مصرف لبنان إلى نتيجة حولها، هذا عدا الاستنسابية في التعامل مع قضايا السحوبات والتحويلات التي يعانيها المودعون مع المصارف منذ شهرين، ويعاني اللبنانيون جميعاً من وجود سوقين لصرف الدولار، وهي أوضاع شاذة وغير قانونية على الحكومة معالجتها سلباً أو إيجاباً بالقانون.

 

 

 

وبعد نهاية الجلسة الأولى أوضحت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد أنالرئيس دياب اشار الى ان الناس ينتظرون منّا عملاً، لذلك يجب ألا يتضمن البيان وعوداً فضفاضة وألا نوحي للبنانيين أن الوضع بألف خير”. وتابع: يجب أن نعتمد الحقائق والوقائع في البيان وأن نلتزم بما نستطيع تنفيذه فقط، حتى لا يكون حبراً على ورق”. ورداً على الأسئلة قالت إننا «نعمل بسرعة كبيرة، ومن دون تسرّع، في دراسة المواضيع وإعداد البيان، وبالتالي لا نعدّ أياماً أو ساعات فنحن نعدّ الدقائق للانتهاء من إعداد البيان في أسرع وقت ممكن، لأن الظروف الخارجية والداخلية ضاغطة والأزمة تتفاقم ونحن نعمل ليلاً نهاراً حتى نستطيع إنجازه».

الى ذلك ولليوم الثاني على التوالي واصلت الوفود الدبلوماسية الدولية التقاطر الى السرايا الحكومية، وقد أعربت أوساط الرئيس المكلف عن ارتياحه لكثافة الدول المرحّبة بتأليف الحكومة وإعلانها مد يد العون للبنان من فرنسا والاتحاد الاوروبي ومؤسسات الأمم المتحدة المالية لا سيما البنك الدولي، ما يعدّ مؤشراً على الاهتمام الدولي بلبنان، وأكد المنسّق الخاص للأمم المتحدة فيلبنان​ ​يان كوبيتش، في تصريح من السراي بعد لقائه دياب، أنه لمس «جدّية وإشارات إيجابية من رئيس الحكومة والمهم أن نرى تنفيذاً للوعود بالإصلاحات واعتماد الشفافية حتى أقصى الحدود»، مبيناً أن «ما ينتظرهالمجتمع الدوليمن الحكومة هو الإصلاحات ومجابهةالفسادفعلياً والاستماع الى مطالب الناس في الشارع». لكن لوحظ غياب سفراء الدول العربية عن جملة الزيارات للرئيس المكلّف ولا بإعلان أي موقف إيجابي ولا سلبي من الحكومة الجديدة وتحديداً دول الخليج! وتلحظ مصادر مطلعة لـ»البناء» من المواقف الدولية حتى الآن «إيجابية حذرة وأن الأفعال تبين مدى صدقية الأقوال والوعود»، داعية الى انتظار مدى استمرارية هذه الإيجابية بعد انطلاقة عمل الحكومة، لكن تركز المصادر على ربط المجتمع الدولي والدول المانحة دعم الحكومة والإفراج عن اموال سيدر وغيرها، بتنفيذ الإصلاحات واتباعها سياسة الحياد والنأي بالنفس تجاه القضايا الإقليمية، متسائلة: ماذا يقصدون بالإصلاحات؟ وماذا تشمل؟ وما القصد من حياد لبنان؟ هل عن ثرواته النفطية وحق تحرير أرضه وتجميد انفتاحه على سورية وإبقاء النازحين السوريين على أرضه وتوطين الفلسطينيين؟». وفيما رأت مصادر نيابية واقتصادية معارضة لحكومة دياب أن المواقف الدولية تجاه الحكومة سلبية، لفتت لـ»البناء» الى أن الحكومة «غير قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يطلبها الخارج في ظل تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية ورفض الشارع أي إجراءات تقشفية او مزيد من فرض الضرائب او اقتطاع نسبة من الرواتب لا سيما أن الحكومة السابقة فشلت في تنفيذ هذه الإصلاحات والحكومة الحالية لا تختلف كثيراً عن السابقة، من حيث تركيبتها والقوى الداعمة لها». في المقابل لفتت مصادر في 8 آذار لـ»البناء» الى أن «تيار المستقبل والقوات اللبنانية تهرّبا من المسؤولية الوطنية عبر رفض المشاركة في الحكومة في رهان على زيادة الأزمة المالية والاقتصادية سوءاً لأهداف سياسية تتماهى مع الشروط الدولية تمهيداً لإسقاط الحكومة». متوقعة أن تعمل هذه الأطراف على عرقلة عمل الحكومة سياسياً ومالياً وعبر دعم التحركات في الشارع».

وسط هذه الأجواء برز السجال على خط بعبدابيت الوسط، ونقل زوار الرئيس سعد الحريري تعليقاً على الكلام المنسوب لرئيس الجمهورية ميشال عون: ان «الحريري لا يوزّع الحصانات على أحد ولا يرضى ان يكون متراساً لأي اعتداء على المال العام. وقد كان حرياً برئيس الجمهورية أن يتذكّر المحميّات التي تخصّه وتخصّ تياره السياسي، محميّات الكهرباء والجمارك والفساد في القضاء وسواها».

على صعيد آخر، أوضح وزير المال غازي وزني ان كلامه عن استحالة عودة سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه سابقاً، يرتبط بالفترة الراهنة وليس بالمستقبل.

وإذ تتحضّر مجموعات من الحراك لتنفيذ تحركات واسعة بدءاً من اليوم وتستمرّ الى جلسات المجلس النيابي الأسبوع المقبل، تظاهر ناشطون أمس امام مجلس الجنوب ومجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجّرين. وقد حصل إشكال أمام مجلس الجنوب مع أهالي منطقة الجناح فتدخل الجيش اللبناني لفض الإشكال.

وأفادت المعلومات أن القوى الأمنية قامت بمداهمات في بئر حسن وأوقفت اثنين. وإذ اتهم الحراك عناصر حركة أمل بالتهجم على المتظاهرين، نفت أوساط قيادية في حركة أمل لـ»البناء» «أي قرار أو تعليمات من الحركة بالهجوم على المتظاهرين ولا من مجلس الجنوب الذي أكد رئيسه بأنه «لم يعطِ تعليمات من هذا القبيل»، مشيرة الى أن «ما حصل تحرك فردي من أهل المنطقة الذين اعتبروا ذلك اعتداءً على المنطقة من أشخاص من خارجها»، وجزمت الأوساط الحركية بأن أمل ضد الانجرار الى حرب الشارعين، داعية الى «التنبه والحذر من نتائج بعض القرارات بالتظاهر في مناطق حساسة والسماح لمندسّين بخلق توترات ومشاكل»، مشددة على أن «أمل أبدت كل التعاون مع الأجهزة الأمنية لاحتواء الإشكال ومنع تكراره والحؤول دون حصول ردات فعل او توتر بين القوى الأمنية وأهالي المنطقة الذين اعترضوا على توقيف بعض الاشخاص».

بدوره أكد وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي ان «الأجهزة الأمنية المختصة لن تتوانى في ملاحقة المعتدين وتحديد هوياتهم، وباشرت على الفور التحقيقات اللازمة لمعرفة خلفية وأهداف الاعتداء على المتظاهرين والمعتصمين وإحالتهم إلى القضاء».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى