الاجتماع الإسلاميّ يرفض صفقة القرن… ومواجهة روسيّة تركيّة شمال سورية الحكومة تختصر وتشدشد نص البيان الوزاريّ… نحو مبادئ والتزامات القوات تحسم حضور الثقة… وتزيل ابتزاز النصاب… هل هناك ترتيب خارجيّ؟
كتب المحرّر السياسيّ
أنهت منظمة التعاون الإسلامي اجتماعاتها في جدة بإعلان موقف رافض لصفقة القرن، واصفة إياها بالمشاريع المدمّرة للاستقرار، وبالموقف الانحيازي الأعمى لـ”إسرائيل”، ويأتي موقف المنظمة التي تضمّ 57 دولة بعد موقف الجامعة العربية لينعى مصير المشروع الأميركي لإنعاش الصفقة ووضعها على طاولة التفاوض، وسيلي ذلك توجّه فلسطيني نحو الأمم المتحدة انطلاقاً من مجلس الأمن الدولي، حيث يتوقع أن تمارس واشنطن حق النقض لمنع مناقشتها، فيفتح باب الذهاب للجمعية العامة للأمم المتحدة حيث يُتوقع تصويت أغلبية كاسحة لصالح اعتبار الصفققة انقلاباً على القرارات الأمميّة ومشروعاً غير قابل للحياة، وتكون النهاية في عرض المشروع على الرباعية الدولية، قبل سحب الصغقة من التداول كمشروع تفاوضيّ، حيث تتمسك الأطراف الثلاثة المشاركة بالإضافة لواشنطن وهي روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أنها ستحكم على خطة ترامب بناء على مواقف الأطراف المعنية. وهذا يعني أنه بعد مواقف فلسطينية وعربية وإسلامية ومن ثم دولية رافضة سيكون من الصعب اعتبار المشروع واحدة من مرجعيات التفاوض.
مع المزيد من ردود الأفعال السلبيّة على مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واستعداد الشارع العربي للتحرك بعدما بدأت عواصم وتنتظر أخرى، يتحرّك العراق نحو تشكيل حكومة جديدة ستكون مهمتها وضع جدولة الانسحاب الأميركي من العراق، يتصدّر المشهد الإقليمي التطوّر الخطير في المواجهات الدائرة شمال سورية، حيث يخوض الجيش السوري بدعم ناريّ روسيّ معارك قاسية في مواجهة التشكيلات المسلحة المدعومة مباشرة من تركيا، إضافة للمواجهة مع جبهة النصرة، حيث غضن الزيتون ودرع الفرات، وهي التسميات التي أطلقها الأتراك على جماعاتهم من السوريين، يقاتلان على جبهات حلب، وانضمّت إليهما وحدات تركية خاصة، طالها القصف الروسي والسوري في سياق التصدي لمحاولات تشتيت الهجوم السوري على محور سراقب بإيجاد محور قتال على جبهة جمعية الزهراء غرب حلب، وصدر كلام للرئيس التركي رجب أردغوان تضمّن تهديداً بالمواجهة المباشرة مع الجيش السوري ومع الدور الروسي، لكن الميدان ووقائعه يقولان إن المحاولات التركية يتمّ كسرها وإلحاق إصابات فادحة بالقوى التي تزجّها في المواجهة.
لبنانياً، كان يوم أمس مالياً بامتياز، حيث وضع حاكم مصرف لبنان بتصرّف رئيس الحكومة بناء على طلبه جداول تفصيليّة بالمعلومات عن الوضع المالي للدولة والمصرف المركزي والمصارف، وقدّم مقترحاته العملية مكتوبة، وقالت مصادر مالية إن نقاشاً مستفيضاً سيتواصل قبل إنهاء صيغة البيان الوزاري تمهيداً لإقراره في جلسة للحكومة تعقد في بعبدا ويحضرها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وعن البيان الوزاري قالت مصادر متابعة إن المسودة المسرّبة ليست إلا واحدة من نسخ خضعت مراراً وفي جوانب عديدة للتعديل، رغم أن في المسودة الكثير من البيان، لكنها أضافت أن عملية اختزال لحجم البيان بدأت وربما ينخفض عدد صفحاته إلى النصف، فلا يزيد عن ألفي كلمة وسبع صفحات فولسكاب، ويقتصر على قسمين، واحد للمبادئ والمسلمات التي تحكم عمل الحكومة، وثانٍ للتعهدات المرفقة بجدول زمني للأيام المئة الأولى من عمر الحكومة بعد نيلها الثقة.
في التحضير لجلسة الثقة، كانت مصادر نيابية أبدت خشيتها من مواقف كتلتي المستقبل واللقاء الديمقراطي، بعد تسريب معلومات عن نيات الغياب أملاً بتعطيل النصاب، جاء موقف كتلة القوات اللبنانية بإعلان المشاركة في جلسة الثقة، رغم قرار عدم منحها، والمشاركة هنا تزيل ابتزاز النصاب الذي بدت كتلتا المستقبل والديمقراطي تريدانه تفاوضاً غير مباشر حول بعض الضمانات الحزبية، فعطلته القوات بإعلان حضورها، وصار حضور المستقبل واللقاء الديمقراطي شبه مؤكد بلا الحصول على أثمان لهذا الحضور.
وأشارت مصادر “البناء” الى أن “اللجنة في جلستها أمس، أجرت جولة أخيرة على البيان وأدخلت تعديلات على صياغة بعض البنود وليس تغييرات جوهرية على مضمون البيان”، وفي حين لفتت مصادر الى أن تسريب مسودة البيان الوزاري تم بشكل متعمّد كي تعرف الحكومة مسبقاً ردود الفعل عليها، أوضحت أوساط السرايا الحكومية لـ”البناء” أن “البيان المسرّب ليس بالضرورة أن يكون هو البيان الرسمي”، مشيرة الى أن “لا يمكن الحكم مسبقاً على الحكومة قبيل إقرار البيان الوزاريّ رسمياً ونيل الثقة والبدء بتطبيق البيان وتعيين لجان وزارية متخصصة لوضع خطط بملفات عدّة لعرضها على مجلس الوزراء وإقرارها”، داعية جميع الاطراف السياسية والحراك في الشارع الى “منح الحكومة فرصة للعمل للخروج من الأزمة”.
وأعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد اجتماع اللجنة تحديد يوم الخميس موعداً لانعقاد مجلس الوزراء لإقرار البيان الوزاري بصيغته النهائية وإحالته على مجلس النواب لطلب الثقة. وقالت عبد الصمد: “نحن نضع خططاً قصيرة ومتوسطة الأمد وواضحة ومحددة الأهداف وواقعية”، مضيفة “الخطط التي أُلحقت بالبيان الوزاري هي خطط مرتبطة بمهل زمنية ونحن لا نتبنّى أي مسوّدة تمّ تسريبها”. واشارت الى ان “التركيز في البيان الوزاريّ هو على القضايا المالية والاقتصادية الضاغطة، الأمر الذي شكّل الفحوى الأساسية لمضمون نقاشاتنا”. وأكدت انه “لا يوجد أي تعديل ضريبي، ولكن هناك إصلاحات ضريبية ونقدية”، مستطردة “التركيز في البيان الوزاري هو على القضايا المالية والاقتصادية الضاغطة، الأمر الذي شكّل الفحوى الأساسي لمضمون نقاشاتنا ولا يوجد أي تعديل ضريبي، لكن هناك إصلاحات ضريبية ونقدية”.
وفور انتهاء الجلسة حصل اتّصال بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس دياب وتناقشا في موضوع جلسة مجلس الوزراء حول البيان الوزاري وتم الاتفاق على عقدها الخميس المقبل.
وقال وزير الصناعة عماد حب الله أثناء خروجه من اجتماع اللجنة انتهى الاجتماع وما سرّب من مسودّة للبيان الوزاري يختلف عما تمّ الاتفاق عليه، وأشار في تصريح آخر الى “أنني لا انتمي الى حزب الله ولا حركة امل ولا الوطني الحر ولم أستشر أياً منهم في صيغة البيان الوزاري”، وعلمت “البناء” أن “الشق السياسي في البيان الوزاري هو المضمون نفسه لنسخة البيان للحكومة السابقة، ولم يلحظ اي تعديل”.
وقبيل اجتماع لجنة البيان الوزاري، ترأس الرئيس دياب اجتماعاً مالياً بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولدى مغادرته الاجتماع، قال سلامة رداً على سؤال عما إذا كانت هناك نية لقوننة الإجراءات المصرفية التي تقوم بها المصارف بناء على ما تسرّب من محضر الاجتماع بين حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف: ما رح قول شي اسألوا وزير المالية. عندها أجاب الصحافيّون: سألنا وزير المالية وقال لنا اسألوا الحاكم، فقال سلامة: “حتى هيدي عم يكبّها عليي”.
وأشارت مصادر مالية واقتصادية لـ”البناء” أنه “لأمر مهم أن نعزز صمود القطاع المصرفي عبر إجراءات مصرفية تحميها من الافلاس او الانهيار لكن ليس على حساب المودعين او على حساب إعدام قطاعات اخرى كقطاع الصناعة والتجارة”، مشيرين الى أن تقشف البنوك لجهة القروض سينهي قطاع الصناعة كلياً ويهدد بإقفال ما تبقى من المصانع وتشريد مئات العائلات”.
ولفت وزير السياحة الأسبق فادي عبود لـ”البناء” الى أن “الازمة الاقتصادية والمالية كبيرة، لكن الخروج منها ليس بالأمر المستحيل، وتبدأ بوضع خطة عاجلة لتشجيع الاستثمار وخلق فرص عمل لتخفيض نسبة البطالة لما لها من تداعيات كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي”، ويرى عبود أن “اهم ما يجب على الحكومة القيام به للنهوض بالاقتصاد وتنشيط الاسواق وتعديل الميزان التجاري وميزان المدفوعات، هو الانفتاح الاقتصادي على سورية لتخفيض رسوم الترانزيت على غرار ما حصل بين سورية والاردن إضافة الى فتح السوق السوري على الانتاج اللبناني؛ وبالتالي فتح سوق العراق ما يوفر للخزينة اللبنانية مليار دولار سنوياً لا سيما أن أهم سوق للإنتاج اللبناني هو العراق كما أن سوق العراق يفتح سوق الخليج ايضاً”.
وفي ضوء الحديث عن إجراءات مصرفية قاسية طمأن رئيس جمعية المصارف سليم صفير المودعين الى ان ودائعهم محفوظة قائلاً “هدفنا الأول أن ندافع عن مصالح المودِع”، وأعلن صفير أن “السيولة موجودة، ولم يتغيّر شيء بالنسبة إلينا، إلا أننا نمرّ منذ ثلاثة أو أربعة أشهر في فترة صعبة تشهد تراجعاً في الثقة، ونحن قادرون حالياً على تحمّل صعوبة المرحلة لكن نتمنى أن تنتهي في أسرع وقت ممكن”. واعتبر أن “دمج المصارف صعب، وهو يتطلّب جواً معيّناً، كما أنه مكلف للمصرف الدامِج والمُدمَج على السواء، وكذلك بالنسبة إلى الموظفين العاملين فيهما”.
وفي المقابل لوحظ الحسم الأمني والعسكري مع مثيري الشغب وقطع الطرقات، في مقابل ضغوط تمارس على القضاء للتساهل معهم والإفراج عنهم، وأمس تم الادّعاء على الناشطين شربل قاعي وعماد المصري ليرتفع عدد الموقوفين إلى 9. وأشارت المعلومات إلى رفض طلب إخلاء سبيل ربيع الزين الذي أوقف الأسبوع الماضي. إلا أن وكيله كشف من امام قصر العدل في بعبدا أنه سيتم الافراج عن الزين غداً لقاء كفالة مالية بـ500 ألف ليرة لبنانية. ما يدعو للتساؤل عن توقيت الإفراج عن الزين قبيل أيام من إقرار البيان الوزاري وجلسة الثقة في المجلس النيابي وتزامناً مع تجدد الدعوات للتظاهر أمام السرايا والمجلس النيابي الخميس المقبل! وعلمت “البناء” من مصادر بعض مجموعات الحراك أن “ائتلافاً يضمّ 28 مجموعة تعقد اجتماعات مكثفة لتقييم الوضع وصياغة مقاربة وخطط جديدة تمهيداً لتحركات واسعة ونوعية رفضاً للحكومة الجديدة وبيانها الوزاري الذي لم يتغير عن البيانات السابقة ولم يقدم جديداً للمواطن الذي ناضل في الشارع منذ 17 تشرين حتى الآن”، مؤكدين أن “الشارع لم يهدأ والحراك لم يمنح الحكومة فرصة كما يُشاع بل يستعد الى جولة جديدة من التحركات ستبدأ خلال أيام بالتجمع امام السرايا الحكومية لرفض الحكومة وبيانها ثم امام المجلس النيابي لمنع انعقاد جلسة لمجلس النواب لمنح الحكومة الثقة”.
على صعيد آخر، وقّع رئيس مجلس النواب نبيه بري قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020 وأحالها الى رئاسة الحكومة لإجراء المقتضى، بدوره وقع رئيس الحكومة قانون الموازنة وأحالها إلى رئاسة الجمهورية. لكن نشر الموازنة في الجريدة الرسمية بلا قطع الحساب مخالف للمادة 87 من الدستور، بحسب مصادر دستورية التي تشير إلى أن “حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية التي تلي تلك السنة”. وسط ترجيحات أن تنشر الموازنة على أن ترسل الحكومة لاحقاً مشاريع القطوعات ضمن مهالة محدّدة إلى المجلس النيابي.