خاص البناءمقالات وآراء

«ما بين سايكس بيكو وصفقة القرن».. ندوة للسفير اليمني في مركز أبو رمانة الثقافي ـ دمشق القانص: مع شغور مقعد سورية في الجامعة العربية غاب الصوت المدافع عن فلسطين

ضمن فعاليات «يوم القدس الثقافي»، وبحضور شخصيات سياسية ودبلوماسية واقتصادية واجتماعية وعلمية وثقافية ودينية وممثلي الفصائل الفلسطينية، ألقى السفير اليمني في سورية نايف القانص محاضرة في المركز الثقافي في أبو رمانة ـ دمشق تحت عنوان «ما بين سايكس بيكو وصفقة القرن».

ورأى القانص «أنّ الأحداث تُعيد نفسها بالسيناريو عَينِهِ والتاريخ يكرِّرُ نفسهُ في المكانِ وإن اختلفَ الزمان، بالأيديولوجيةِ الاستعماريةِ نفسِها وإن اختلفت في الأداء».

وقال: «علينا أن ننظرَ إلى كلّ مُجرياتِ التاريخِ وتقلباته، إلى الأدواتِ العربيةِ المُنقسمةِ والضعيفةِ والعميلة نفسَها. ولكنّ تلك الأدواتِ كانت في ذلك التاريخِ عميلةً تقبضُ المالَ من العدوّ مقابل العمالة وتبيت حكمها، بينما هي اليوم تدفعُ المالَ لمن يستخدمُها وتتآمر على الأقطار العربية وتدمِّرُ الوطن العربي بمالٍ عربي. في ذلك التاريخ كانت الإمبراطورية العثمانية تنهار وفي أيامنا هذه نرى أنّ الوجه العثماني الجديد يريد أن يستعيد سلطانه من البوابة العربية التي اندحر منها».

وقال: «كانَ التنافسُ في شبه الجزيرة العربية والتسابق نحو العمالة يجري بين ابن سعود والشريف حسين واولاده فيصل وعبدالله. اليوم الكلُّ في سباق لنيل رضى أمريكا وتقديمِ التنازلاتِ والتطبيع والدعم للكيان الصهيوني. في ذلك الوقت كان كلّ ما يهمّ الشريف حسين وأولاده وابن سعود هو تثبيتُ ملكهما ولم تكن لديهم أي مشكلة أن تكون فلسطين وطناً لليهود. واليوم نقفُ بين مقارنةٍ ومفارقةٍ بين التاريخين، بين وعد بلفور وصفقة القرن».

ورأى «أنّ الأطماعَ التي مضت إليها كُبرى العشائر الفلسطينية والأسرُ الإقطاعية التي تسابقت على بيع الأراضي الفلسطينية الخصبة لليهود هو نفسه الدور الذي تمارسه السلطة الفلسطينية اليوم، ونراها قد قدّمت التنازلات تلو التنازلات والتي كان أبرزها التخلي عن الكفاح المسلّح والمضي في رؤية رئيس «السلطة» محمود عباس التي يؤكد فيها عدم إيمانه بحمل السلاح، بل إنه يُفاخر بأنه لم يحمل سلاحاً في حياته».

ولفت إلى أنّ «عباس يريد أن يحقق دولة فلسطينية بالنظريات والمفاوضات، بينما لا يعتقد الواقعيون (أنّ المؤسسات الدولية بحدّ ذاتها تملك أهمية حاسمة بالنسبة إلى لسلام لأن هذه المؤسسات هي مجرد انعكاس لتوازن القوى بين الدول الأعضاء المنفردة بالنظام الدولي والتي تقوم في نهاية المطاف باتخاذ القرار في القضايا المتعلقة بالسلم والحرب) لكنّ التجارب أثبتت أنّ العدو الصهيوني لا يفهم إلا لغته التي لا يجيد سواها، لغة الحرب، وأنّ ما أخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة. وفي هذا السياق، يقول جون راندولف أوف رولؤك «إنّ القوة وحدها يمكن أن تحدّ من القوة».

 وقال: «واهمٌ من يعتقد أنّ الكيان الصهيوني الذي يمارس إرهاب الدولة يؤمن بالسلام، فكيانه المزعوم قام على الدم ولا يمكن لهذا النهج أن يحقق التعايش بين البشر. فالعقيدة الصهيونية تقوم بشكل أساسي على العداء للعرب وتدعو إلى قتلهم، وهي تزعم أنّ قتل العربي يجعل اليهودي أكثر قرباً من «الرب» لتحقيق مشروع الصهيونية».

وتابع: «نحن أمام حقائق ووثائق علينا أن نُحييها ونستفيد منها. وكما قال المؤرّخ الفرنسي الشهير أرنست رينان قبل أكثر من مئة عام «إنّ الوثائق أداة خرساء في يد من لا يعرف كيف يحييها وينفخ من روحه فيها»».

وأشار إلى أنّ مصالح القوى الاستعمارية بالمنطقة العربية «كانت تتغيّر من وقت لآخر ودارت حول محاور مختلفة اقتضتها التغييرات والصراعات التي طرأت على العلاقات الدولية وتوازن القوى بين الدول الكبرى، بدءاً من الحرب العالمية الأولى والثانية وما بينهما من أحداث ومتغيّرات وصفقات ووعود وتجاذبات وانكسارات دفع ثمنها العرب، خاصة الفلسطينيين، نظراً لما كان لهذه الصراعات من انعكاسات مباشرة بدءاً بـ»سايكس بيكو» الذي الذي وُضِعت فلسطين بموجبه تحت الانتداب البريطاني. لقد هدفت بريطانيا من خلال اختيارها فلسطين تحديداً لانتدابها إلى تحقيق «وعد بلفور» بإقامة ما سمي بـ»وطن قومي لليهود»، وقد قامت عصبة الأمم عام 1922 بإقرار الانتداب على أساس ذلك الوعد المشؤوم، لتستكمل الأمم المتحدة مشروع الاعتراف بالدولة الصهيونية بتاريخ 14 أيار/مايو عام 1948، وما تلى ذلك من صراعات إقليمية ودولية متزامنة مع الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وانفراد الولايات المتحدة بالنظام العالمي «الأحادية القطبية» وتغذية الإرهاب، ثم زعم محاربته بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 مروراً بغزو العراق تحت ذرائع واهية تغلف الأطماع الحقيقية للأميركيين، ثم نشر «الفوضى  الخلّاقة» في إطار ما سُمّي بـ»الربيع العربي» والحرب الإرهابية الكونية على سورية والعدوان السعودي الإماراتي على اليمن، بدعم غربي خصوصاً من أمريكا، وتدشين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عهده بقرار نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة والاعتراف بضم الصهاينة للجولان السوري المحتل كمقدّمة لـ»صفقة القرن» التي سبقتها خطوات تطبيعية عربية تفوق بوقاحتها اتفاقيات الذل والإذعان التي وقعها العرب مع المحتلّ قبل ذلك في «كامب ديفيد» و»وادي عربة»».

الربط التاريخي والسياسي

وذكّر السفير القانص باتفاقية «سايكس ـ بيكو» التي كانت عبارة عن تفاهم سرّي بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية قبل سقوطها لتقاسم منطقة الهلال الخصيب بعد أن انهارت السلطنة العثمانية التي كانت مسيطرة على هذه المنطقة، معتبراً «أنّ صفقة القرن التي أعلنها الأمريكي و»الإسرائيلي» ويحاولان تسويقها عربياً، بتواطؤ بعض العرب للأسف، لا يمكن فصلها عن السعي الأمريكي الدائم منذ عقود طويلة لدعم تأسيس دولة للصهاينة على أرض فلسطين المحتلة، منذ «وعد بلفور»، الذي تزامن مع تقسيم «سايكس بيكو» عام 1917». وتوقف عند اللقاء الشهير الذي جمع في 4 تشرين الأول/ أكتوبر 1917 كلاً من الرئيس الأميركي وودرو ويلسون ورئيس الوزراء البريطاني آنذاك لويد جورج وحاييم وايزمن، ليعلن بلفور بعد اللقاء أنّ ويلسون ينظر «بعين الرضا» إلى الحركة الصهيونية، ليصدر الوعد المشؤوم في 2 تشرين الثاني من العام نفسه.

وقال: «من المهم أن نقف عند مفاصل تاريخية معينة لكي نعرف كيف يفكر العدو وكيف بدأ بالتخطيط للاستيلاء على بلادنا وما هي نقاط قوته وضعفه وما هي نقاط قوتنا وضعفنا لأن التاريخ يتكرّر بالسيناريو نفسه وفي المنطقة الجغرافية نفسها، وإن تغيَّر الزمن والبشر فإنّ السيناريو هو هو بأدوات ووجوه جديدة. إذاً نقطة الصراع لا تزال قائمة ومراكز القوى تتصارع مع بعضها لكي تتمكّن من إحكام سيطرتها على مناطق نفوذها والمحافظة على نقاط تأثيرها ومراكز سيطرتها على النظام الدولي والتحكُّم بالاقتصاد العالمي والأمن الدولي بما يحفظ أطماعها ويحمي مصالحها».

وتابع القانص: «مرّ على وعد بلفور ما يزيد على المئة عام تخلّلتها متغيرات وصراعات عربية صهيونية بدءاً بنكبة عام 1948 وليس انتهاء بالصفقة المزعومة المبنية على وعد من لا يملك لمن لا يستحق. كما أننا نشهد تتمّة لما دُبِّر في ليل أسود وسمّي زوراً بـ»الربيع العربي» رغم أنه لا يحمل في طياته أي شيء من الربيع الذي هو الحياة والتجدُّد والتطور والقوة، لكنّ الربيع المزعوم لم يجلب علينا وعلى بلداننا سوى الويل والثبور، وما خفي أعظم. فقد تفتّتت الأقطار العربية وتصاعدت التوتّرات في ما بينها وباتت مسألة العداوة للكيان الصهيوني وجهة نظر! أليس من طبع العدو انتهاج سياسة «فرّق تسد»؟ نعم للأسف لقد تفرّقنا نحن العرب حول قضايانا التي كان يفترض أنها جامعة، وحتى الكيان المؤسّساتي العربي الذي يسمّى الجامعة العربية بات منقسماً على نفسه، هزيلاً بالكاد تكون وظيفته عقد المؤتمرات وإطلاق البيانات ومواقف الشجب التي لا تدفع ولا تمنع، خاصة بعد أن أقصيت عنه دولة عربية، بل حضن العروبة وحصنها المنيع، سورية. ويبدو أنّ سورية حين غادرت غادرت معها العروبة وإليها، فغاب الصوت الهادر دفاعاً عن فلسطين والقدس، الداعم لحقّ الشعوب في مقارعة المحتلّ بشتّى الوسائل، ومن منّا لا يعرف كم قدّمت من الدعم المادي والمعنوي واللوجستي للمقاومة في فلسطين المحتلة وفي لبنان وغيرهما، ولطالما كانت دمشق مقرّاً لحركات وفصائل المقاومة الفلسطينية، ولا تزال، رغم محنتها والهجمة الكونية عليها منذ ما يقارب التسع سنوات، تحتضن الفعاليات القومية الضخمة وترفع راية القضايا القومية الكبرى وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، غير آبهة بالتهديدات والعقوبات وغيرها من وسائل الضغط التي لم ولن تُفلح في سلخ سورية عن محيطها العروبي وإدخالها في فلك أو محوّر آخر.

أما اليمن، فقد رفض المشروع الصهيوأمريكي من البداية، وقد تحالف بعض العرب ضدّه وللأسف، لكنّه لا يزال حتى يومنا هذا يُقاوم عدوان الجيران عليه ومن وراءهم من قوى الاستعمار العالمي.. ورغم جراحه وأزماته ومعاناته لا يزال الشعب اليمني يخرج في مسيرات مليونيه ضدّ كلّ مؤامرة تستهدف فلسطين من قريب أو بعيد، وتسعى إلى تصفية قضيتها وحرمان أبنائها من العودة إليها، خصوصاً «سرقة القرن» التي افتتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عهده الرئاسي بتمرير بنودها الواحد تلو الآخر بدءاً بإعلانه عن نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة معترفاً بأولى القبلتين وثالث الحرمين عاصمة للكيان الصهيوني الغاشم، ووقف المساهمة المالية الأميركية في وكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» وعقد «ورشة البحرين» التي مهّدت لإعلان الصفقة بدعم من بعض الأعراب الذي يتسابقون في ما بينهم إلى التطبيع السياسي والاجتماعي والثقافي والسياحي مع هذا العدو لكسب ودّه وحفظ عروشهم العائمة على دماء أشقائهم العرب، وخاصة الفلسطينيين».

الصفقة ثمرة التآمر

وخلص القانص إلى أنّ «صفقة القرن المزعومة ليست نتاج يوم وليلة بل هي ثمرة تآمر معظم العرب على فلسطين والسكوت على تجاوزات المحتلّ.. فماذا فعلت وصاية الأردن على مقدّسات فلسطين؟ وماذا حقق المغرب بترؤسه لجنة القدس؟

ماذا حقّقت دول الخليج للقضية الفلسطينية سوى عقد الصفقات وحياكة المؤامرات. لقد كان الأعراب يدّعون في السابق أنّ قلوبهم مع فلسطين، لكنّ ما تبيّن أنهم منافقون وقد كانوا ضدّها بقلوبهم وسيوفهم منذ زمن، وهذا ما يظهر لأبسط المتابعين للشؤون السياسية في المنطقة العربية لكنّ الفرق اليوم هو أنّ الأقنعة قد سقطت وباتت التطبيع «على عينك يا تاجر»!

إنّ المطلوب اليوم ليس فقط البيانات التضامنية والمسيرات الشاجبة فقط لما يجري في حقّ فلسطين وعلى أرضها، بل التضامن والتوحّد بين كلّ العرب ووضع خطة شاملة لمواجهة هذه الصفقة، عسكرياً وسياسياً وثقافياً وإعلامياً، ونعوّل في ذلك ليس على الأنظمة بل على الشعوب التي لم تقبل يوماً بأن يتحول العدو صديقاً حتى وإن لبس ثوب الحمل متغطياً بعباءة اتفاقيات لا تمت إلى السلام بأي صلة، بل كانت اتفاقيات خضوع وإذعان وتسليم بمشيئة الأمريكي والصهيوني. رهاننا على الشعوب في إسقاط هذه المؤامرة في كلّ الأقطار العربية.

نعم.. نراهن على أبناء شعبنا في فلسطين بشيوخها وشبابها وشبانها وشاباتها وأطفالها لاسترجاع الأرض من المحتل، وإعادة الحقّ إلى أصحابه، وسوف تبقى فلسطين جوهرة الوطن العربي بعاصمتها القدس التي ستبقى عربية مهما فعلوا وعقدوا من الصفقات والمؤامرات».

وختم السفير القانص: «لا بدّ لي ونحن نعقد هذه الندوة في العاصمة السورية، خطّ الدفاع الأول عن فلسطين، أن أتوجّه بالتحية إلى القيادة السورية متمثلة بالرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد، وإلى أبطال الجيش السوري الذي يسطّر أروع الملاحم البطولية في مواجهة الأعداء، وإلى أبطال الجيش واللجان الشعبية في اليمن. أُحيّي صمود الفلسطينيين والسوريين واليمنيين، وأحيّي المقاومة اللبنانية بشخص قائدها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وجمهورية ايران الإسلامية الداعم الأقوى لمحور المقاومة على هؤلاء جميعاً نعقد الأمل مطمئنين إلى تحقيق نصر قريب».

وكانت كلمة مقتضبة لسفير إيران في سورية جواد ترك آبادي.

مدير عام مؤسّسة القدس

ثم تحدث مدير عام مؤسسة القدس الدكتور خلف المفتاح الذي رأى «أن القراءة النقدية للمراحل التاريخية الاستعمارية التي مرت على المنطقة تبين نقاط الضعف لدى الأمة العربية التي استطاع الاستعمار الدخول من خلالها لتحقيق أجنداته وضرورة استثمار نقاط القوة لدى الأمة بالطريقة المثلى ومواجهة العدو الصهيوني ومخططاته الذي لا يفهم إلا لغة القوة».

وكانت مداخلات من الحضور ركّزت على ضرورة الوحدة بين الفلسطينيين لمواجهة المشاريع الصهيونية إضافة إلى إقامة الفعاليات والمؤتمرات لكشف وتوعية أبناء الأمة العربية حول أهداف هذه المشاريع.

حضر المحاضرة الدكتور محمد مصطفى ميرو رئيس اللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني، وعدد من السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدة بدمشق ومن قادة وممثلي الفصائل الفلسطينية والأحزاب الوطنية السورية والفلسطينية وفعاليات سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية وثقافية ودينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى