الوطن

الحكومة إلى المواجهة مع الحريريّة! عويدات ينقض قرار إبراهيم بعد ضغوط ماليّة سياسيّة…

} محمد حميّة

يوم واحد يفصلنا عن القرار الرسمي الحاسم الذي يعتزم لبنان اتخاذه للتعامل مع ملف الدين العام بدءاً من استحقاق «اليوروبوند» الإثنين المقبل لتفتح مرحلة مالية واقتصادية جديدة في البلد ستنعكس حكماً على الواقع السياسي.

وإذا كانت الحكومة محاطة بإجماع رئاسي ووطني عبر عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري تتجه في اجتماعها الذي يعقب اجتماعاً رئاسياً في بعبدا لإعادة هيكلة الدين. إلا أن الآليات المعتمدة للحل بين الدولة والدائنين لم تتضح حتى الساعة وسط تكتم شديد على نتائج المفاوضات القائمة بين الدولة والدائنين وشكل الحل؛ وإذا كان سيأتي بالتوافق مع الدائنين او من طرف واحد! واستطراداً ما هي تداعيات قرار إعادة الهيكلة على العلاقة بين الدولة والقطاع المصرفي من جهة وبين الدولة والدائنين والمجتمع الدولي من جهة ثانية؟

مصادر نيابية ومالية دعت إلى ترقب قرار الحكومة السبت المقبل، وعدم استباق الاتجاه التي ستسلكه الأمور بعد القرار، مشيرة لـ«البناء» الى أن «المشاورات مستمرة بين الدولة عبر الشركات التي تمثلها وبين الشركات الممثلة للدائنين»، لكنها لفتت الى أن «الوضع المالي يفرض إعادة هيكلة الدين بشكل منظم وهادئ وبالتوافق مع الدائنين لاحتواء أي نتائج سلبية قد تظهر». واضافت «أن لا خوف من ردات فعل المجتمع الدولي مقابل قرار إعادة الهيكلة لأنه الأدرى بوضعنا المالي والاقتصادي ولطالما طالب الحكومات بضرورة إجراء إصلاحات»، بل الخوف بحسب المصادر هو لجوء الدائنين الى القضاء الدولي للضغط على الدولة لتحصيل أموالهم وما سيتبعه من دعاوى ومقاضاة وضغوط دولية وقطع المجتمع الدولي لعلاقاته مع لبنان». إلا أن مصادر «البناء» لفتت الى أن قرار لبنان سيشمل الآلية التقنية والمالية التي ستتبع في عملية إعادة الهيكلة إضافة الى الخطة الإصلاحية والاقتصادية للحكومة التي سيعلنها الرئيس دياب غداً بعد الاجتماع الرئاسي وجلسة مجلس الوزراء.

في المقابل تشير معلومات أخرى لـ«البناء» الى أن «الضغوط الخارجية والداخلية التي مورست على الحكومة من ضمنها وقف التعامل المالي مع لبنان، دفعت الى طرح جديد وسطي تبلور في الساعات القليلة الماضية يرضي الطرفين، اي دفع جزء من الاستحقاقات او الديون بشرط عدم المسّ بودائع اللبنانيين».

ولوحظ أن الدولة تفاوض الدائنين الأجانب والمصارف تحت الضغط السياسي والقضائي، وقد جاءت خطوة المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم بالحجز على أصول 20 مصرفاً وأموال وأملاك أصحابها بعد رفض جمعية المصارف إعادة شراء سنداء اليوروبوند التي باعتها الى أجانب لزيادة حاملي السندات الاجانب الى 75 في المئة ما أضعف الموقع التفاوضي للدولة وأفقدها حق فرض أي حل على الدائنين. وقد سبقت القرار حملة استجوابات قضائية قام بها ابراهيم لعدد من اصحاب المصارف والتي سيستكملها خلال الأيام المقبلة بحسب المعلومات. كما جاء القرار القضائي مظللاً بموقف الرئيس نبيه بري خلال أيام والذي حمّل المصارف مسؤولية بيع السندات.

وتتذرع المصارف بأنها باعت السندات لحاجتها الى السيولة لتلبية حاجات مودعيها، فيما كشف مصدر نيابي أن اموال السندات لم تحوّل الى لبنان بل بقيت في الخارج ما يكشف بأنها كانت عملية احتيالية لتهريب الأموال للخارج ورفع نسبة حاملي السندات الاجانب. وتتذرّع المصارف ايضاً بأن حاملي السندات يرفضون بيع السندات في ظل انخفاض سعر السند الى 40 سنتاً، فيما المنطق يقول إن من مصلحة الحاملين الأجانب التخلص من هذه السندات نظراً للأمل الضعيف بحصولهم على ثمنها وفوائدها في ظل قرار إعادة جدولة الدين، علماً أن خبراء يشككون بأن الذين اشتروا السندات الاخيرة هم أشخاص وهميون يتبعون للمصارف.

وأثار قرار ابراهيم جدلاً قانونياً وسياسياً ومالياً واسعاً، فجمعية المصارف التي عقدت اجتماعًا طارئاً أمس، اعتبرت القرار حرباً على القطاع المصرفي، فيما اعتبرت مصادر قانونية أن قانون أصول المحاكمات الجزائية ينص في المادة 20 من الباب الثاني حول مهام النيابة العامة المالية على أن «الملاحقة في الجرائم المصرفيّة الناجمة عن مخالفة قانون النقد والتسليف لا تجري إلا بناء على طلب خطي من حاكم مصرف لبنان»، أشارت مصادر قانونية لــ«البناء» إلى أن «قرار إبراهيم لا يخضع لقانون النقد والتسليف بل لقانون الإثراء غير المشروع ويخضع لصلاحيات النائب العام المالي، لكن قرار إبراهيم يفتح صراع صلاحيات قضائية بينه وبين مدعي عام التمييز غسان عويدات الذي سارع إلى نقض قرار إبراهيم.

وجاء قرار عويدات عقب موقف الحريري واجتماع جمعية المصارف! فهل ضغط ثلاثي الجمعيةالحاكميّة والحريريّة على المدعي العام التمييزي المحسوب على الحريري لتجميد قرار إبراهيم؟ ولماذا اعتبر عويدات تجميد أصول المصارف تهديداً للقطاع المصرفي ولم يعتبر تجميد ودائع اللبنانيين في البنوك ايضاً تهديداً لأموال المواطنين؟

ويبدو أن القرار الحكومي بإعادة الجدولة وصراع «البيت القضائي» سيفتح مواجهة مالية قضائية بين الدولة والمودعين من جهة والمصارف من جهة ثانية ومواجهة سياسية أخرى بين الحكومة والجبهة السياسية الداعمة للمصارف يتصدرها الحريري والنائب وليد جنبلاط اللذين يدعمان تسديد الديون وتصدّيا أمس لقرار إبراهيم.

ووصف الحريريقرار إبراهيم بالانقلاب على النظام الاقتصادي وخطوة تعيد لبنان إلى زمن الأنظمة الشموليّة، فيما اعتبر جنبلاط أن الخطوة القضائية «خطة لتأميم المصارف وغير المصارف في بلد فيه ازدواجية سلطات، وأن المطلوب دفن لبنان الكبير في مناسبة المئوية». ولوحظ استنفار لوبي المصارف وآلته الإعلامية الذين شنوا حملة تهويل واسعة مستخدمين في المعركة سلاح الدولار الذي بلغ أمس، رقماً قياسياً وسط تحذير بأن يصل الى 3000 وأكثر السبت المقبل.

وأشارت مصادر «البناء» الى أن الحكومة تتجه الى المواجهة السياسية الحتمية مع تحالف الحريرية – جنبلاط ورئيس القوات سمير جعجع، الذين وجدوا أن وجود حكومة على رأسها حسان دياب تضرب مصالحهم السياسية والمالية، فخروج الحريري من السلطة نزع الغطاء السياسي والحكومي عن ممارسات المصارف التسلطية والعنصرية والميليشياوية بحق المواطنين والمغطاة بسياسات حاكم المصرف المركزي رياض سلامة. وقد كان لافتاً هجوم الرئيس دياب للمرة الثالثة على هؤلاء من دون أن يسمّيهم بقوله: «هناك أشخاص يفعلون المستحيل ليخنقوا البلد ويقطعوا شرايينه ويمنعوا الحكومة من إنقاذه».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى