مانشيت

دمشق تترقّب السلوك التركيّ بعد اتفاق موسكو… وتستعدّ لمواصلة العمليّات عند الضرورة إجماع رئاسيّ على عدم السداد يعلنه دياب اليوم… والكرة في ملعب المصارف ترقّب داخليّ وخارجيّ لخطة النهوض… ونصيحة فرنسيّة بحل جذريّ للكهرباء

كتب المحرّر السياسيّ

التباين في قراءة اتفاق موسكو الذي أُعلن كملحق لتفاهمات سوتشي، بين دمشق وأنقرة، يعكس المواقع المتباينة ويؤكد نتيجة واحدة، وهي أن سورية خرجت منتصرة وأن تركيا تلقّت هزيمة واضحة. وهذا ما جعل التعليقات التي تداولها المحللون والسياسيون في أنقرة تعكس حال الإحباط والفشل وتطرح الأسئلة حول كل مبررات التورّط في الحرب في سورية، فيما كانت التعليقات السورية تُجمع على الطابع الإيجابي لتفاهمات موسكو. وهذه ربما تكون المرة الأولى التي يشعر فيها السوريون أنهم يترجمون فوراً انتصاراتهم العسكرية بربح سياسي كامل لا تنتقصه مشاريع الهدنة التي يقترحها الروس تحت عنوان منح المهل للجانب التركيّ، بحيث بدت المهلة الممنوحة للأتراك هذه المرّة من حسابهم، وليس على حساب سورية، فحافظ الجيش السوري على مكتسباته، وفتحت الفرصة أمام الأتراك لاستكمال إنهاء الإرهاب وتأمين الطريق الدولي بين حلب واللاذقية، وإلا فالعملية العسكرية السورية التي تباطأت ولم تتوقف بعد كلياً مع وقف النار في محاور جبل الزاوية وجسر الشغور، سوف تتسارع وتصبح هي المعنية بتنفيذ المهمة بعد تلكؤ تركي جديد، لكن دون أن يملك الأتراك أي فرصة للتدخل لمنعها أو التصادم معها، ليس حرصاً على العلاقات التركية الروسية التي شعر الرئيس التركي رجب أردوغان انها كانت معرضة للانهيار، وحسب، بل لأن ما أظهرته المعارك العسكرية بين الجيشين التركي والسوري، خصوصاً بعد معركة سراقب النوعية التي قام بها الجيش السوري ومقاتلو المقاومة وعلى رأسهم حزب الله، شكلت مدرسة في الحروب، كما وصفها الإسرائيليون، وقدمت نموذجاً لما ينتظر الأتراك إن عاودوا الكرة.

لبنانياً، يطل رئيس الحكومة حسان دياب مساء اليوم لإعلان موقف الحكومة اللبنانية من ملف الدين العام ومن ضمنه استحقاق اليوروبوند الذي تستحق أولى سنداته يوم الإثنين، وسيسبق الظهور الإعلامي لرئيس الحكومة انعقاد اجتماع رئاسي في بعبدا يكرّس الإجماع الرئاسي للخيارات التي ستقرّرها الحكومة، ويعلنها رئيسها.

المصادر المتابعة قالت إن قرار الامتناع عن الدفع بات محسوماً، وإن الجهات الدولية المعنيّة والشركات الممثلة للدانين قد أصبحت في صورة هذا القرار. وقالت المصادر إن القرار سيتضمّن عروضاً مختلفة للدائنين كبدائل عن عدم السداد، منها جدولة الدين أي تأجيل مواعيد الدفع بعد التفاوض على شروط التأجيل، ومنها الهيكلة أي التداول في أشكال من تنويع محافظ الدائنين بين سندات دين جديدة وأسهم في شركات تعود ملكيتها للدولة منها ما هو قائم ومنها ما سيتم إنشاؤه بعد تنظيم ملكيات القطاع العام وتنظيم ماليتها بما يتيح استثمارها. وقالت المصادر إن لدى الحكومة إشارات إيجابية وأخرى سلبية على قرارها، لكن الأساس سيكون وفقاً للمصادر هو نيات المصارف اللبنانية التي تشكل بيضة القبان في معادلة الديون رغم محاولة البعض منها للتذاكي برمي الكرة في ملعب الدائنين الخارجيين، الذين تقول مصادر مالية موثوقة إن أغلبها مجرد أقنعة لحساب حاملي السندات من المصارف اللبنانية، بما في ذلك عمليات البيع الوهميّة التي جرت خلال عامي 2019 و2020، وقالت المصادر إنه على ضوء تصرّف المصارف سترسم الصورة النهائيّة للمشهد، فالحكومة ليست ساعية للمواجهة مع المصارف بل راغبة بالتعاون معها في تجاوز الأزمة، رغم أنها لم تتلقّ أي إشارات إيجابية توحي بالنية لملاقاة الحكومة بخطوات تعبر عن مساهمة بخلفية وطنية في مواجهة الاستحقاقات، والأموال المحوّلة من المصارف للخارج وحدها تكفي لشراء نسبة غير قليلة من سندات اليوروبوند من الأجانب للعامين 2020 و2021، وتوقعت مصادر كانت على صلة بالمداولات التي جرت بعد صدور قرار المدعي العام المالي أول أمس وقبل صدور قرار التجميد عن مدعي عام التمييز، أن تشهد عطلة نهاية الأسبوع تواصلاً إيجابياً بين المصارف ورئيس الحكومة تترجم بمواقف يتم تظهيرها مالياً من مطلع الأسبوع المقبل، وتبدأ من انضباط سوق الصرف بالسعر الذي حدّده مصرف لبنان بـ 2000 ليرة للدولار.

في الإطلالة المرتقبة لرئيس الحكومة ينتظر تضمينها عرضاً للخطوط الرئيسيّة لخطة النهوض والإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتبدو الإجابة عن الأسئلة التي تطال قطاع الكهرباء موضع اهتمام ومتابعة من الأوساط المالية الداخلية والخارجية باعتبارها مصدر الخلل الفاضح في عجز الخزينة من جهة، ومصدر النزيف الرئيسيّ للعملات الصعبة من جهة موازية. ونقلت مصادر حكوميّة نصائح فرنسية بالخروج من الخطاب التقليديّ الحكوميّ حول خطط الكهرباء المعقدة والمعلقة، ودعت لخطة مبسطة وجذرية تقوم على تهيئة القطاع لمشروع إدارة مالية وتجارية مبدية استعداد فرنسا للعب دور محوري فيها، بما في ذلك قيام شركات فرنسية بإعادة التأهيل والتنظيم والإدارة والتمويل على طريقة الـ (BOT).

 

وتتجه الأنظار الى قصر بعبدا اليوم، حيث يشهد جلسة لمجلس الوزراء وصفت بالحاسمة على صعيد ملف استحقاقات اليوروبوند يسبقها لقاء رئاسي يضمّ الى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة حسان دياب ووزراء المالية والدفاع والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف وعدداً من المستشارين الماليين الدوليين.

وفيما حُسم القرار بعدم دفع السندات المستحقة يوم الاثنين وإعادة جدولة الدين العام، بحسب ما علمتالبناءمن مصادر مطلعة. لم تتضح الآلية التقنية والمالية لإعادة الجدولة، أوضحت مصادرالبناءأن الآلية والتفاصيل التقنية لم تحسم بعد ورهن بالتفاوض الدائر بين الشركات الممثلة للدولة والدائنين ومع جمعية المصارف. ومن المتوقع أن يعلن الرئيس دياب عن الخطة الاقتصادية الإصلاحية بعد جلسة الحكومة على أن يوجّه كلمة للبنانيين مساءً يعلن فيها موقف لبنان من استحقاقاليوروبوند، ويشرح فيها خلفيات القرار الرسمي، وما سيعقبه محلياً.

وكانت السرايا الحكومية تحوّلت الى خلية نحل أمس وشهدت لقاءات واجتماعات بين الجهات المعنية بالملف المالي والاقتصادي، وتشير مصادر السرايا الى أن الخيارات كلها لا تزال واردة ولم يتم اتخاذ اي قرار نهائي بعد، وهو متروك الى الغد في مجلس الوزراء الذي سيشارك فيه ايضاً الاستشاريان المالي والقانوني. وقد أخضعت كافة الخيارات الى دراسة تقنية ومالية معمقة وتأثيراتها السلبية ومدى ملاءمتها للمصلحة العامة إن كان لمصلحة الدولة ووضعها المالي أو حماية ودائع المواطنين او حماية القطاع المصرفي والحفاظ على سمعة لبنان الدولية.

ومن الخيارات المطروحة تسديد قسم من الديون او فوائدها على الأقل الى المدينين، كبادرة حسن نية تجاههم، من شأنها ان تسهّل التفاوض معهم والذي يصبح أكثر صعوبة كلما ضاقت المهلة الفاصلة عن 9 آذار، في المقابل تحذّر مصادر من أن عدم الدفع من دون اتفاق مع الدائنين، ستكون تداعياته السلبية على لبنان.

وكان وزير المال غازي وزني اجتمع مع وفد من البنك الدولي ضمّ كلاً من مدير الماكرواقتصاد والتجارة والاستثمار مارسيلو إيستيفاووMarcello Estevao، ومدير دائرة المشرق ساروج كومار جاه. وتمحور الاجتماع حول الدعم التقني الذي يمكن لمجموعة البنك الدولي أن تقدّمه للحكومة اللبنانية في إدارة الأزمة وبرنامج شبكات الأمان الاجتماعي للأسَر الفقيرة.

وتشمل الخطة الاقتصادية الإصلاحية ملف الكهرباء وإعادة جدولة الدين وإعادة هيكلة قطاع المصارف وتنمية القطاعات الإنتاجية وإصلاحات في مؤسسات الدولة وتصحيح النظام الضريبيّ. وإذ أفيد أن الخطة تتضمّن قرارات غير شعبية كفرض ضرائب جديدة تطال ذوي الدخل المحدود، لفتت مصادر أن قرارات الحكومة لن تشمل فرض ضرائب جديدة على اللبنانيين ولا رفع الـTVA”.

وكخطوة استباقية لاحتواء أية مفاعيل سياسية ومالية ودولية سلبية لقرار إعادة الجدولة، تلقى لبنان جرعة دعم من فرنسا، جاءت على لسان السفير الفرنسي فيلبنان​ ​برونو فوشيهالذي اعتبر أنحكومة الرئيسحسان ديابهي حكومة الفرصة الأخيرة في لبنان وباريسقررت العمل معها، لأنها تمر بأزمة خطيرة والمهم معالجة الأزمات بأسرع وقت ممكن، مؤكداً أنصندوق النقد الدوليلن يفرض أي شيء على لبنان لأن لبنان بلد لديه سيادة”. واعتبر خلال حديث تلفزيوني أنالحكومة ليست حكومةحزب اللهوسنتعامل معها آملين أن تتعامل بشكل جماعي”.

وأكد السفير الفرنسيأن سيدر هو مشروع جيد سيساعد لبنان وسيجذب الاستثمارات والحكومة لا تحتاج إلى عدد هائل من المشاريع بل تحتاج إلى البعض منها للنهوض”. وأكد فوشيه أنه «أبلغ دياب بأنه متى شاء أن يزورفرنسافهو مرحّب فيه، مشيراً إلى أن وزير الخارجيةناصيف حتيمعروف وله أصدقاء في فرنسا وأبلغناه أن خطاب الشراكة جيد ويعكس الهدوء في لبنان. وأكد أن الشركات الفرنسية تتطلع للعودة إلى لبنان، مشيراً إلى أن موضوعالنفطهو أمر يدعو للسرور”.

وفي موازاة ذلك، تفاعل قرار المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم بالحجز على أصول 20 مصرفاً وعلى أموال وأملاك أصحابها، والقرار المضاد لمدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بنقض تجميد قرار إبراهيم. وحاولت بعض الجهات السياسية تسييس قرار إبراهيم واتهام رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالوقوف خلفه ومن ورائه حزب اللهلتأديبالمصارف وحماية ودائع المواطنين المحتجزة في المصارف، لفتت مصادرالبناءالى أنالرئيس برّي لم يتدخل في القرار القضائي، مشيرة الى أنبعض الجهات أدخلت القرار في اطار الصراع السياسي لحماية المصارف ما يؤكد السطوة والحظوة التي يتمتع بها قطاع المصارف على مفاصل الدولة ولدى صناع القرار السياسي والمالي، إلا أن مصادر استغربت موقف رئيس الجمهورية الذي أبدى استياءه من قرار إبراهيم، وأكدت أوساط نيابية في التيار الوطني الحر لـالبناءأن الرئيس عون لم يُبلّغ بالقرار وكان يجب التنسيق معه بقرار وطني كهذا، مشيرة الى أنهتجب دراسة أي قرار قضائي لجهة تداعياته على قطاع المصارف وبالتالي على المودعين، مضيفة: “تجب محاسبة الأشخاص الذين خالفوا القانون وليس المصارف كشركات ومؤسسات”.

وبُعيد قرارهز العصالقطاع المصارف ومن خلفه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لوحظت مسارعة سلامة أمس، الى اصدار تعميم لمؤسسات الصرافة بشأن تنظيم المهنة، طلب فيه التقيد استثنائياً بحد أقصى لسعر شراء العملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية لا يتعدى نسبة 30 بالمئة من السعر الذي يحدده مصرف لبنان في تعامله مع المصارف. كما طلب الامتناع عن إجراء أي عملية صرف لا تراعي النسبة المحددة في المادة المعلنة. وسُجل سعر صرف الدولار انخفاضاً ملحوظاً عن معدلاته في الأيام الماضية. ووصل أمس الى 2300 و2200 ليرة في بعض محال الصيرفة بعدما وصل الى 2700.

في غضون ذلك، أصدر مجلس القضاء الأعلى التشكيلات القضائية، وإذ وصفتها مصادر سياسية لـالبناءبأنها جاءت بعيداً من تدخل السياسيين وخطوة أولى على طريق إصلاح القضاء كما يطالب المجتمع الدولي، لفتت الى أن التشكيلات لم تقرّ بعد بانتظار إقرارها في مجلس الوزراء”.

وقالت وزيرة العدل ماري كلود نجم في تغريدة علىتويتر”: “لا لأي تدخل يصب في المحاصصة السياسيةالطائفية، وإصرار على الشمولية في تطبيق المعايير الموضوعية للكفاءة. وهذا من واجبي الوطني وضمن صلاحياتي، اذ ان وزير العدل ليس مجرد ساعي بريد، خاصة في الظروف الحالية التي تستلزم تغييراً وصرامة”.

إلا أن النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون وصفت في تصريح التشكيلات بـالانتقامية، معلنة أنا ستضع استقالتها بتصرف رئيس الجمهورية وستعلن ذلك في مؤتمر صحافي تشرح فيه كل شيء”.

واستغربت القاضية غادة عون في تصريح آخر،تعيين سامر ليشع في منصب مدعي عام جبل لبنان، وقالت: “كيف بحطو سامر ليشع يلي أصغر مني بـ9 سنين وأدنى مني بـ9 درجات؟”. وأشارت إلى أنها في منصبها أقل من سنتين، وأكدت أنها الأقدم ومعاييرها مطابقة لكل المعايير التي وُضعت.

وذكرت أن هناك نائباً اسمه هادي حبيش دخل إلى مكتبها وشتمها وقال علناًلازم هالقاضية تنقبع من مركزها، وقالت: “عملولو متل ما بدو، هنيئاً لرئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ونائبه غسان عويدات بالتشكيلات القضائية الجديدة.

فيما أشارت مصادر التيار الوطني الحر لـ”البناء” الى أن “التشكيلات القضائية من صلاحيات مجلس القضاء الأعلى ولم نتدخل بها واعتمدت وفق معايير الكفاءة واذا كان للقاضية عون او لغيرها من القضاء أي اعتراض فتجب مراجعة وزيرة العدل للتحقق من المعايير”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى