ثقافة وفنون

الومضة: ضوءٌ عند الشّاعر، وومضة عند المتلقّي

 

} ميساء طربيه*

الضّوء هو وعي الشّاعر باللّحظة (أيّ التقاء زمان/مكان) الإبداعيّة، بمعنى آخر كيمياء الفكرة في تحولاتها في لحظة ما، وبعد هذه التحولات تنضج الومضة وتُرسل من خلال اللّغة الى المتلقي/القارئ، لتدخله  في كيمياء الاحتمالات اللامتناهية داخل الومضة.

كيف يستطيع علم الكيمياء وخاصّة تحوّلات المادة في محاكاة عمليتي الإبداع والتلقي للومضة؟

الكيمياء علم دراسة المادة وخصائصها، وكذلك كيفية وسبب اتحاد المواد أو انفصالها لتشكل موادّ أخرى، وكيف تتفاعل المواد مع الطاقة، ويعتقد الكثير من النّاس أن الكيميائيين هم علماء يرتدون المعاطف البيضاء ويقومون بمزج سوائل غريبة في المختبر، ولكن الحقيقة هي أننا كيميائيون جميعًا.1

ما يعنينا في هذا المقال المادة وحالاتها في علم الكيمياء من أجل مقاربة حركتها أيّ تحولاتها من حال إلى حال، مع حركة الإبداع في الومضة من ومضة /شاعر/ متلقٍّقارئ.

توجد المادة في الطبيعة في أربع حالات وهي: الحالة الصلبة، الحالة السائلة، الحالة الغازية، وحالة البلازما.2

فأين تتقاطع عملية التّحوّل في المادة مع الإبداع في الأدب الوجيز (شاعر/ ومضة/ قارئ)؟

تحتاج المادة في الطبيعة إلى الطاقة من أجل التّحوّل من حال إلى حال، لتأخذ في كلّ مرة شكلاً جديدًا، ووظيفة جديدة، وتكتسب خصائص جديدة.

أما التّحولات في المادة الإبداعيّة عند الشاعر، هي عندما يكون الشاعر في حالة البلازما (البلازما هي مادة موجودة في الكون)، ومادة الوجود الإنساني هي أسئلة وجودية تُطرح من أجل المحاولة في فهم الكون والوجود بطريقة جديدة، عندما يتسلّح الشاعر بالسؤال، فإنه يطرح الأسئلة على كلّ الموجودات في الكون في محاولة منه ليصل إلى ما يُسكن عقله وقلبه، وهي الحقيقة حقيقة الوجود، وللوصول إليها يحتاج إلى الوقت، هنا يتحوّل الشاعر من حالة (البلازما/العقل)، وهي طرح الأسئلة الوجودية إلى مرحلة (الغاز) وهذه الحالة حرة غير مُشكلة في قالب معين، فهي منتشرة في فضائه الداخلي، تحاكي حواسه باعتبار أن الحواس (الخمس) عند الإنسان هي مراكز اتصاله بالمعرفة الخارجيّة الموجودة في الكون والطبيعة. وتنشيط حواسه يساعده في التقاط ضده المنسجم، أيّ يلتقط الجواب عن الأسئلة الموجودة في داخله، ويكون التقاط الجواب في مكان وزمان معينين.

أضف إلى ذلك، تحدث عملية كيميائية آخرى، وتحوّل آخر لحالة الشاعر من مرحلة (الغاز) أو الجواب من خلال محاكاته للطبيعة، وبعد أن كان في مواجهة مع موجة من الاحتمالات، حيث يتحوّل هنا إلى حالة مرنة (يأخذ حالة المرونة من حالة السائل للمادة) وهي مرحلة التقاط الصورة، وتشكيلها ضمن مفردات مكثفة، ويشفّرها الشاعر عند وصوله إلى مرحلة الدهشة. فتتوقف الومضة عن زيادة عدد كلماتها، وتستقر عند هذه الصورة المكتملة عند الشاعر.

تحتاج المادة إلى طاقة في الكيمياء، أما عند الشاعر فتحتاج المادة الإبداعيّة إلى وقتزمن، فزمن التشكيل للومضة هو خط زمني داخليّ ويقابله خط زمني خارجيّ، خط الزّمن الداخليّ (حاضرمستقبل)، والزّمن الخارجيّ (حاضرماضٍ).

إنّ التقاء الزّمن الداخليّ والخارجيّ عند الشاعر يسبق المتلقي من خلال كتابته الإبداعيّة في الحاضر لأن رؤيته إلى المستقبل واضحة. والدهشة بالنسبة إليه في الماضي، وهو الآن في حالة الانزياح عن الإبداع السائد، ليشكل خطًا إبداعيًّا جديدًا يواكب فيه العصر في الشّكل والمضمون.

وهذا يحيلنا إلى مقاربة فيزيائية آخرى، وهي ما عُرف عن الشّمس بأنها تشرق على الكون، ولكن يصلنا الضوء بعد ثماني دقائق من شروقها؛ فرؤيتنا إلى الشمس حاضر بالنسبة إلينا وماضٍ بالنسبة إلى الشّمس، وهنا تصبح الومضة ضوءاً عند الشاعر، وومضة عند المتلقيالقارئ.

أما عند التقاء المتلقي بالومضة، وعند حدوث الدهشة يتحول المتلقي تلقائيًا إلى قارئ من دون أن يشعر لأن التفاعل الكيميائيّ الجديد قد حدث بين القارئ والومضة، هذا التفاعل بين محتويات القارئ الثقافيّة والمعرفيّة والعاطفية، الّتي تندمج مع الومضة، وتاليًا، تأخذ حركة انفصال عكسية، فيخرج القارئ من ذهنية المتلقي لأشكال إبداعية قديمة (القصيد العمودية، التفعيلة، الحرة، النثر..)، ويأخذ منحنى جديدًا في قراءة الومضة، وفي هذه اللّحظة تستقيم الرؤيا بين الشاعر والقارئ بخطين متوازيين.

خلاصة القول، نستنتج أن الحركة الإبداعيّة في الأدب الوجيز نستطيع رصدها من خلال رصد الزّمن الداخليّ والخارجيّ للنتاج الأدبيّ، وطبعًا لا نستطيع فصل الزّمان عن المكان، لذا لدينا زمكان داخليّ وزمكان خارجيّ، يوّجه الإبداع.

*الأدب الوجيز.

1 – موقع ناسا بالعربي، على الرابط التالي: https://nasainarabic.net/education/articles/view/what-in-chemistry

2 – موقع أنا أصدق العلم، تدقيق آية فحماوي، حالات المادة الأساسية: هل هي 4 حقًا؟ وهل هناك حالات أخرى، 15 يناير 2019.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى