ثقافة وفنون

للكورونا فوائد أيضاً قد تنقذ!

 

} د.زهير فياض

كنت قد سئمت الكتابة في زمن «الكورونا» الملوّن بألوان هذا الفيروس «الغدّار» وقد أسدل على كوكب الأرض ستاراً من حزن قاتل، حيث وزّع الموت على الشعوب والأمم من دون أخذه بالحسبان منزلة أو موقعاً أو تاريخاً أو جغرافيا أو ذاكرة أو حاضراً أو مستقبلاً.

أجل، كنتُ قد اعتدت رتابة الأيام المتناسلة في الحجر المنزليّ المستمرّ، أتابع من خلف شاشات التلفاز حكايات «الفيروس» المتنقل من بلد الى آخر، من مدينة الى أخرى، وفي الوقت نفسه، ألملم أشلاء روحي المشلّعة في زمن سابق للكورونا على وقع ذاك اللهث والركض والسباق المحموم مع الوقت لتدبير شؤون هذه الحياة ومتطلبات العيش المتفرّعة والمتشعّبة في عصر الفضاءات الافتراضية وزمن الإنترنت وعصر التكنولوجيا التي جعلت منّا مخلوقات افتراضيّة تهيم في فضاء من الأوهام غطت على كل الحقائق البديهية الطبيعية وحوّلت أيامنا الى فقاعات من فرح وحزن وسأم وضجر وحب وعشق وكدر وخوف وتخبّط في غابة من مشاعر وأحاسيس متناقضة جيّاشة كادت أو هي قيد أن تذهب بعقولنا لولا بقايا إيمان راسخ في الطبقات العميقة لقلوبنا تكاد تكون الملاذ الوحيد المتبقي لأرواحنا من خزعبلات المدنيّة الحديثة والمحاولات الحثيثة لشيطنة عقولنا وأخلاقنا في هذه الألفية الثالثة المجنونة بشتى أنواع الإغراءات الفتاكة التي تضرب في كوة واحدة على جدران الروح لإحداث خرق يذهب بكل ما حملناه من إرث وصلاة وإيمان ومحبة وفضيلة تترنّح على ناصية الرذيلة وقد كشرت عن أنيابها لالتهامنا في حفلة مجون عابرة ستأكل الأخضر واليابس من حقولنا والأشجار والثمار وكل ما طاب ويطيب من خيرات الأرض والربّ والإنسان.

ما قبل الكورونا لن يكون كما بعده، أو على الأقل هذا ما يجب  أن يكون، أليست المحن والكوارث والمصائب سلسلة اختبارات عميقة تتلاحق في اتجاهات تدفع الإنسان لخيار من اثنين إما أخذ العبرة وتأكيد إنسانية الإنسان وإما الاندفاع أكثر في  الطيش والشر والاضمحلال.

في زمن الحجر، تتبدّى أكثر عبثية من نوع آخر لا تراها بالميكروسكوب ولا بالمعالجات الالكترونية الدقيقة، لا تراها الا من خلال عمق ارتباطك بالطبيعة والتصاقك بالأرض والتراب، فتنظر الى كل شيء كأنه لا شيء، وترى المشهد بوضوح منقطع النظير.

من قال إن لا فائدة من الكورونا؟ فهي إما أن تكون سماً على شكل فيروس قاتل وإما تكون الترياق الذي قد ينقذ البشرية من أمراضها وأوبئتها الضاربة في الأجساد والأرواح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى