عربيات ودوليات

«سدّ النهضة» يدخل منعطفاً جديداً.. وسط تحرّك أميركيّ وخيارات مصريّة

تقرير إخباريّ

 

دخلت أزمة سد النهضة منعطفاً جديداً بعد أن كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تناول في اتصاله الهاتفي مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، السبت، فرص عودة إثيوبيا إلى مسار مفاوضات سد النهضة حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة على الأسس التي توصلت إليها المناقشات التي دارت لنحو 3 أشهر في واشنطن بين الفرق الدبلوماسية والفنية في مصر وإثيوبيا والسودان، برعاية وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، وقاطعت أديس أبابا جولتها الأخيرة التي كانت مقررة نهاية فبراير الماضي، فيما وقعت القاهرة منفردة على الاتفاق الذي صاغته وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي.

وقالت المصادر المصرية إن «وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كان قد أخبر نظيره المصري سامح شكري، يوم الخميس الماضي، في اتصال هاتفي بينهما، أن ترامب سيعيد طرح خيار المفاوضات على آبي أحمد لاستكشاف احتمالات عودته. وأن الإدارة الأميركية لديها الاستعداد لتغيير بعض الأمور الإجرائية لتسهيل استئناف المفاوضات انطلاقاً من قاعدة ما توصلت إليه حتى الآن من اتفاقات مبدئية على معظم النقاط العالقة، والتي يقدرها الجانب المصري بنحو 75 في المئة، بينما يقدرها الجانب السوداني بنحو 90 في المئة من البنود».

وأوضحت المصادر أنه «من الاحتمالات المطروحة حالياً نقل ملف المفاوضات إلى وزارة الخارجية الأميركية، بدلاً من وزارة الخزانة المتهمة من قبل إثيوبيا بمحاباة مصر».

وكانت الخارجية المصرية قد أعلنت في بيان الخميس الماضي أن وزير الخارجية المصري بحث في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي، آخر التطورات الخاصة بملف سد النهضة، إلا أن بيان الخارجية المصرية، لم يوضح تفاصيل أكثر عن الاتصال.

النقاط الخلافيّة بشأن السدّ

ويبدو أن القاهرة ليست لديها مشكلة في نقل ملف سد النهضة الى الخارجية الاميركية، لكنها تتمسّك باستمرار البنك الدولي كطرف ميسّر ثان مع الإدارة الأميركية، فيما تطرح أديس أبابا على الدوائر المعنية مقترحات بشأن الاستعانة بطرف آخر معهما أو بدلاً من البنك الدولي، مثل الاتحاد الأفريقي، وهو ما ترفضه مصر، إذ تعتبر أن دخول المنظمة القارية التي ساهمت الدولتان في إنشائها عام 1963، قد يؤدي إلى حساسية مضاعفة بينها وبين أي طرف.

وتسبب بناء سد النهضة في إثيوبيا بنشوب أزمة بين أديس آبابا والقاهرة منذ عام 2011، لكن الأزمة دخلت مرحلة جديدة بعد انطلاق معركة تصريحات رسمية بين مصر وإثيوبيا عقب مقاطعة إثيوبيا الجولة الأخيرة من المفاوضات في واشنطن في نهاية شباط الماضي وإعلانها التخطيط للبدء في عمليات ملء سد النهضة، الذي تجاوزت أعمال البناء فيه نسبة 73%، اعتباراً من تموز 2020.

وتتمثل النقطة الخلافية الرئيسية حالياً بين إثيوبيا والصياغة الأميركية للاتفاق في اقتراح ضمان تمرير 37 مليار متر مكعب من المياه لمصر في أوقات الملء والجفاف، كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا، وهو 32 ملياراً، وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. إلا أن إثيوبيا ترى أن تمرير 37 مليار متر مكعب في أوقات الجفاف يتطلب الصرف المباشر من بحيرة سد النهضة، وعدم تمكّنها من الحفاظ على منسوبها عند 595 متراً لتضمن بذلك التوليد المستدام وغير المنقطع من الكهرباء لمدة 7 سنوات على الأقل.

من جهته أوضح العضو في وفد التفاوض الإثيوبي زيريهون أبيبي أن «مسألة استكمال مشروع سد النهضة أمر حاسم لتحقيق التنمية في بلاده، والأهداف الإنمائية الدولية التي حددتها الأمم المتحدة».

وقال زيريهون في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الإثيوبية «إن إتمام مشروع سد النهضة ليس فقط مسألة تطوير، بل هو بقاؤنا على قيد الحياة»، مضيفاً «أن نهر النيل الأزرق هو المصدر الرئيسي للمياه السطحية في إثيوبيا، حيث ينتج 112 مليون متر مكعب من المياه سنوياً».

وأشار إلى أن «حوض النيل الأزرق الذي يضم روافد أنهار النيل وتكيزي وبارو وأكوبو، يمثل 72% من حجم المياه السنوي للبلاد»، مؤكداً «أن 45 إلى 50 مليون شخص يعتمدون على مياه نهر النيل الأزرق، لذلك فإن الحوض مسألة وجود للإثيوبيين».

من جهة أخرى، مازالت الحكومة المصرية تعمل من أجل عرقلة أعمال البناء في سد النهضة من أجل التوصل الى اتفاق نهائي مع اثيوبيا والسودان قبل تدشين السدّ، حيث طلبت السلطات من دول تتبع لها شركات عاملة في سد النهضة، بالتدخل لدى تلك الشركات والضغط عليها لإبطاء معدلات التنفيذ والإنجاز بالسد. وكانت مصر قد احتجت عبر وزارة الخارجية في أكتوبر الماضي بشكل رسمي على مواصلة بعض الشركات الدولية عمليات إنشاء سد النهضة، رغم الاختلاف الذي أعلنت عنه القاهرة في ما يتعلق بالمشروع.

وتأتي الضغوط المصرية بغية كسب المزيد من الوقت بما يسمح بالتوصل لاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا، من دون أن تبدأ أديس أبابا عملية ملء خزان السد في يوليو المقبل قبل التوصل لاتفاق نهائي.

بدوره أكد خبير التفاوض الدولي أحمد المفتي ممثل السودان السابق في مفاوضات سد النهضة، أن «مصر والسودان أمامهما 4 خيارات للعمل، عقب تأكيد إثيوبيا عزمها على بدء ملء سد النهضة في يوليو 2020».

وأوضح المفتي، أن «إثيوبيا قلصت الخيارات المتاحة أمام السودان ومصر، في قبول توسيع نطاق المفاوضات الذي طالبت به إثيوبيا بأن يكون التفاوض مع كل دول حوض النيل، والاتحاد الإفريقي بما يعني الانسحاب من إعلان مبادئ سد النهضة لسنة 2015، وإشهاد أميركا والبنك الدولي، والأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والاتحاد الإفريقي، وباقي دول حوض النيل على ذلك القبول، بالإضافة إلى المطالبة بوقف التشييد وملء السد، إلى حين الانتهاء من تلك المفاوضات لضمان جديتها».

وتابع: «الأمر الثاني هو توسيع نطاق الوساطة الدولية الودية في حال رفض إثيوبيا الخيار الأول، وهو أمر سيؤلب عليها كل دول العالم، فإن ذلك سيكون فرصة للسودان ومصر لتصعيد الأمر بالطلب رسمياً من أميركا والبنك الدولي والاتحاد الأفريقي وغيرهم بالتدخل لإقناع إثيوبيا، بوقف التشييد والملء، وتوسيع نطاق المفاوضات على النحو الذي طالبت به إثيوبيا».

وقال: «ثالثاً إصدار قرار من مجلس الأمن في حالة رفض إثيوبيا التدخل الدولي الودي. في الخيار الثاني، سيجد السودان ومصر، أن الخيار المنطقي الوحيد والمتاح أمامهما هو الطلب رسمياً من مجلس الأمن الدولي، إصدار قرار بوقف التشييد والملء وعودة الأطراف الثلاثة للمفاوضات الموسّعة، التي طالبت بها إثيوبيا ذاتها بإشراف مباشر من مجلس الأمن».

وأكد أن «الأمر الرابع هو حق الدفاع الشرعي، ويتمثل في أن تمارس مصر والسودان حق الدفاع عن النفس لمواجهة الرفض الإثيوبي لكل الخيارات الودية الثلاثة، واستجابة لضغط جماهير كل منهما، لأن الجماهير لن ترضى بالموت غرقاً، أو عطشاً، أو التعرض لغير ذلك من المخاطر، وهو خيار تكفله المادة 50 من ميثاق الأمم المتحدة وينبغي أن يمارس قبل ملء السد».

وأشار إلى أن «الخيار الأفضل للدول الثلاث، هو الخيار الأول، لأنه مقترح من قبل إثيوبيا ذاتها، ثم الذي يليه بما يحفظ للدول الشقيقة وكل دول حوض النيل، حقوقها المائية كاملة، إضافة إلى تنمية إقليمية مستدامة».

يذكر أن إثيوبيا تخطط للانتهاء من سد النهضة بشكل كلي عام 2023، فيما يساور كلاً من مصر والسودان قلق كبير بخصوص تأثيره في تدفق مياه النيل على البلدين والحصة المتفق عليها. حيث تعتزم إثيوبيا البدء في ملء سد النهضة في موسم الأمطار القادم، وبمجرد الانتهاء منه سيكون أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

ومع بداية نيسان 2021، سيبدأ التخزين ومنع خروج أي ماء من سد النهضة لحين الوصول إلى منسوب يبدأ عنده توليد الكهرباء من أول التوربينات بالمستوى المنخفض. ويلي ذلك ملء بحيرة التخزين بالاستحواذ على فيضان عام 2021 و2022 و2023 بالكامل، وتخزين قرابة 30 مليار متر مكعب من المياه سنويا، مع صرف قرابة 18 مليار متر مكعب يتوقع أن يستهلكها السودان على مدار أيام السنة، لتصبح النتيجة العملية هي عدم تبقي مياه تتجه إلى بحيرة ناصر أمام السد العالي في جنوب مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى