أخيرة

حماية مصلحة الناس أوْلى…

 

} السيد علي عبد اللطيف فضل الله*

المشهد المريع للفقراء الذين يُحرَمون من لقمة العيش، ومن كلّ مقومات الحياة الكريمة، يجعلنا نقول للطبقة السياسية الفاسدة: هذا ما جنت أيديكم من سوء الإدارة ومن تراكم المشاكل ومن كلّ هذا النظام الذي جمعكم، نظام تبادل المصالح والمنافع، حيث نرى حيتان المال والسلطة، يجتمعون على مائدة يأكلون فيها ليس فقط أموال الناس وجنى أعمارهم، بل وصلت بهم الأمور إلى حدّ حرمان الناس من قوت يومهم.

نحن نقول إنّ مال الناس قد استبيح، ومال الدولة قد هُدر، ومال الفقراء تمّ التآمر عليه من كلّ هذه المنظومة.

ونسأل: ماذا نستفيد من الكلام السياسي؟ ومن التوصيف والرؤى الإصلاحية والخطط؟ ومن تبادل الاتهامات ومن الخطاب المذهبي والطائفي هنا وهناك؟

ونسأل أيضاً: مسؤولية مَن هذا الواقع المزري؟ حيث لم تعد أبسط مقومات الحياة متوفرة في هذا الوطن؟ هي بالطبع مسؤولية تجار السياسة، وقد قالها الإمام المغيّب السيد موسى الصدر «انّ هذا الوطن لا يحكم من تجار السياسة، لأنّ الوطن بالنسبة إليهم هو كرسي وشهرة ومجد وتجارة وفساد»! هكذا هي الطبقة السياسية التي أمعنت في هدر أموالنا وفي استباحة الدولة بكلّ عناوينها، وهناك إلى اليوم من لا يزال يستخفّ بعقولنا!

هم يسكتون دهراً ثم ينطقون كفراً، وبدلاً من البحث عن المعالجات التي تجعلنا نشعر أنّ هناك إرادة واعية ومسؤولة وقرارات وطنية على مستوى أزماتنا، نرى أنهم ينطلقون من حسابات طائفية وفئوية وسياسية، ويقاربون الأمور من خلال هذا الواقع المزري المتخلّف، وبدلاً من أن يعالجوا يغرقون في الخلافات وتحكمهم اعتباراتهم السياسية والفئوية وتغيب عنهم اعتبارات الناس.

ومن هنا ندعو العقلاء والشرفاء من السياسيين ورجال الدين الى تحمّل مسؤولياتهم لتشكيل حالة وطنية لمواجهة هذا الواقع ولتسمية الأمور بأسمائها ولإسقاط كلّ الحصانات والمحميات الطائفية عن كلّ الفاسدين؟ لا نريد كلاماً وقد سمعنا الكلام الكثير عن الفساد والمفسدين وعن الإصلاح، لكننا لم نر إلا المزيد من الانحدار إلى الهاوية. لم يعد يعنينا الكلام عن الأوراق الإصلاحية والخطط فيما الفقراء لا يستطيعون الحصول على لقمة عيشهم، والمسؤولون متخمون، وكما قال الامام علي «ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني»، و»احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع»، وكما قال أبو ذر الغفاري «عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج للناس شاهراً سيفه»! وأيضاً القول الشهير:

إذا كان الواقع بهذا المستوى من التأزّم فلترتفع أصوات كلّ الشرفاء ولتسقط كلّ المحميات والتوازنات الطائفية والمذهبية والسياسية، لأننا أمام الاعتبار الإنساني لا بدّ لنا ان نسقط كلّ هذه التوازنات، الإنسان أهمّ ولقمة عيش الفقراء أهمّ والذين يغطون ويمنعون إطلاق عملية المحاسبة والذين تحكمهم طوائفهم ومذاهبهم ومشاريعهم السياسية هم يعيشون أسوأ حالات الفساد والإفساد، لأنّ رجل الدين لا بدّ له ان يطلق موقف الحق مهما كانت الاعتبارات، ولأنّ السياسي الحر يجب أن يرفع الصوت بالحق لا أنّ يكون شاهد زور.

أما الساكتون فهم اللاهثون وراء مصالحهم ومناصبهم، لأيّ فئة انتموا، فشريعة محمد تفرض علينا ألا نداهن «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار»، وتعاليم عيسى تفرض علينا ان نكون في خدمة الإنسان وان نطرد اللصوص من الهيكل

نحن نحتاج إلى تحكيم المعنى الإنساني لأننا لا نريد أن نُسحق تحت عجلات توازنات المصالح، لذلك لترتفع الأصوات لمحاسبة الفاسدين ولمواجهة هذا الواقع من خلال البحث عن الحلول، وخصوصاً انّ هناك مَن يتربّص بنا من الخارج، وكأنها مؤامرة حيكت على هذا الوطن ونحن من حيث نريد ومن حيث لا نريد أصبحنا جزءاً من أدوات هذه المؤامرة بعدم اتفاقنا على مشروع وطني يقي هذا الوطن الشرور الداخلية والخارجية.

*رئيس لقاء الفكر العاملي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى