أخيرة

ألم قانا…

 

} محمود أبو خليل*

غصّت المجالس بأصوات النشاز، وكثر دعاء الصائمين عن الكلام المباح: يا ليتنا بقينا كما نحن نيام.

عذراً قانا، فأمام مذبحك المرخّم بأشلاء أطفالك قد مررنا مرور الكرام،

فلم نرمقك بنظرة حالم ولا لاكت ألسنتنا عسل الكلام، فقد خفت وهجك وشحّ زيت قناديلك.

نراكِ تئنّين تحت وطأة الذهول، فلم يشفع لكِ «عند بعض قارعي الأجراس» نبيذ مغارتكِ، ولا عند بعض المؤذنين الدم الذي سال على جنباتكِ.

سُرق منكِ الحلم الذي دفعتِ أثمانه غالياً من عصارة فؤادكِ، فلم نخجل منكِ، وانهزم الجمع في شوارع التفرقة، فلا نصركِ آلف بين قلوبنا ولا رحيق عطركِ فاح من دور عبادتنا. شلعاً شلعاً مشينا ولم نلتفت وراءنا وكأننا من العدم خُلقنا، ولا تاريخ يجمعنا، ولم نكن يوماً من أمة هادية.

نعم إنه عصر الـ «أنا» أو سمّوه ما شئتم. لقد رفعنا السواتر وطفنا على أعقابنا ومذهبنا المطيّف،

وما المظاهر التي نراها في شوارعنا إلا خير دليل على سوء أدائنا.

أقصينا همزات الوصل من كلّ دوائرنا وأماكننا بفرمانات مذيّلة بختم المراجع الطائفية والمناطقية، ومبنية على أُسس لا تقوم بها لمجتمع قائمة، وبلغة التعصّب كتبنا كلّ قصائدنا.

يا أصحاب الربط والحلّ، يا مَن يمثلكم كهنة معابدكم: فرضتم علينا أجندتكم ومزقتم كتبنا، ولم تتصفحوا حتى دفاترنا. عضضنا على الجرح ورضينا بأنكم إسهام نور بحاضرنا وماضينا.

وبقينا نكحّل رفضكم لوجودنا بأشفار عيوننا، لكننا خرجنا من قبائلنا جماعة إلى رحاب وحدة المجتمع بملء إرادتنا، لا لكي نعود إلى قبائلكم فرادى غصباً عنا أو لهدف وغاية، فنحن أبناء الحياة التي لا نرضاها إلا وقفات عز، وقد اعتدنا أن يُحاكم أبطالنا وأن تُحجب سمات الإنسانية عن أشلاء شُهدائنا وأن تُرفع الأسماء عن شواهد قبورنا.

نحن جماعة لا تُفرّط بقيَمها، جماعة تُحبّ الحياة لأنها تحب الحرية ولا تهاب الموت متى كان الموتُ طريقاً للحياة، فالفظوا أنانيتكم واعلموا أنكم «مع كلّ عتوّكم» لن تتحصّنوا من لومة لائم ومن بطون خاوية ومن كرامة مُداسة بأناشيد القداسة.

 

*عضو المكتب السياسيّ في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى