أولى

أبناء الحياة لا يهجرون مدرسة الحياة

} يوسف المسمار ـ البرازيل

قال مؤسّس مدرسة الحياة السورية القومية الاجتماعية سعاده:

«لا مفرّ لنا من التقدّم الى حمل أعباء الحياة إذا كنا نريد البقاء. فإذا رفضنا البقاء عطلنا الفكر والفعل. عطلنا الإرادة. عطلنا التمييز. وأنزلنا قيمة الانسان». فمن دخل هذه المدرسة فعليه أن يلتزم بمبادئ هذه المدرسة ونظامها لتتحق الغاية من دخوله المدرسة. فمن احترم المبادئ واستخفّ بالنظام أخفق. ومن تمسك بالنظام وأهمل المبادئ فشل في دراسته وخاب. ومن استهان بهدف المدرسة ولم يعمل بإخلاص لهدفها قصّر في دراسته وانْ تخرّج زوراً فالتحق بفوضى الخوارج حيث لا وحدة روح ولا تناغم فكر ولا فائدة من فعل ولا صلابة إرادة ولا تمييز بين حق وباطل ولا شيء غير اضطراب فكر وهبوط قيمة الإنسانية في الإنسان.

 أما من تعمّق في استيعاب وفهم مبادئ مدرسة الحياة، وعمل بنظامها وتحمّل المسؤولية وقام بواجبه كما يجب انتعشت مداركه واتسعت آفاق عقله وصار قوياً فاكتسب الحرية في دورة حياة المعرفة المحيية بالوعي والنظام والواجب والوقوة وهي الدعائم الأساسية التي لا تجنى حرية بدون اعتمادها والاجتهاد في احترامها وتفعليها من أجل تحقيق قضية عظمى هي غاية الغايات.

وقواعد مدرسة الحياة هذه التي تأسّست عليها لم تكن مجرد قواعد من حجارة بل قواعد من مناقب وقيم وتطلعات الى الأرقى والأفضل لحياة الفرد والمجتمع.

 فاذا عبّر الأفراد المنتسبون الى هذه المدرسة بتعمّقهم وعملهم واجتهادهم عن مناقبية وأخلاقية بممارستهم سهّلوا مهمة تحقيق الغاية التي هي سبب نشوء هذه المدرسة، والتي تهدف إلى حمل أعباء الحياة والتقدّم لبقاء هذه المدرسة متألقة بقاء الحياة لكي لا تتخلف ويصيبها الشلل والجمود.

أما اذا رفض بعض تلامذة هذه المدرسة البقاء فيها لسبب مبادئها البعيدة المنال، او لسبب نظامها الشديد، أو لسبب أساتذة غير أكفاء، أو لسبب تلامذة جهلة فوضويين، أو لتكاثر الأعداء وتراكم الصعوبات في وجهها فليس من العدل أن يقوم الرافضون بتدمير المدرسة التي علمتهم ألفباء المعرفة، وينكرون جميلها ويحرّضون تلامذتها على تهديمها واللحاق بهم زرافات وجماعات بعد ان دخلوها فرادى ويسعون الى إقفال أبوابها بهياج جماهيري ويرمون العاملين فيها بشتى أنواع الشتائم واللعنات.

أنّ مأساة مدرسة الحزب السوري القومي الاجتماعي ليست مكائد ومؤامرات ومخططات أخصامها وأعدائها ومعاولهم المهدّمة لبنيانها داخل الوطن وخارجه، بل مأساتها الحقيقية هي في الذين انحرفوا عن مبادئها ونظامها وعقليتها الأخلاقية القومية الاجتماعية الذين قال فيهم مؤسّسها سعاده سنة 1948 هذا القول:

 «هؤلاء الذين ينحرفون الى هاوية لا قرار لها، انهم يرتقون في الحزب فيصلون بفضل هذا الحزب الى مرتبات عليا ويصبحون في نظر الشعب شخصيات لها وزنها ثم ينحرفون معتقدين انّ مجهودهم الشخصي هو الذي رقّاهم فينتصرون من خلال هذا المفهوم الخاطئ. وبدلاً من أن يُغذوا حزبهم بخبرتهم المكتسبة من الممارسة الحزبية يضعون هذه الخبرة تحت تصرف غاياتهم الفردية فينحرفون…»

 «… الجيل السوري الحاضر لم يتعوّد مناقشة النفس في الأضرار التي يمكن أن تلحق الأمة او الحزب أو القضية من جراء شذوذ الأفراد عن قواعد المجهود العام. ولذلك يندر أن تجد أفراداً مدركين هذه القواعد ومهتمّين لها وعارفين مقدار ارتباط الشخصية بها في المجتمع او في نظام الاجتماع».

انّ الواعين المؤمنين المخلصين من تلامذة مدرسة النهضة السورية القومية الاجتماعية لا يهجرون مدرستهم حتى ولو دمّرتها العواصف والسيول، ولا ييأسون ولا يتقاعدون ولا يفرّون من حمل الأعباء مهما كانت ثقيلة ومرهقة بل يتكاتفون ولا يأبهون للمخاطر ويتقدّمون لإنقاذ مدرستهم من السقوط بالتحاقهم في صفوفها مهما وجدوا فيها من فوضى التلاميذ المشاكسين، ومهما انزعجوا من بعض الأساتذة فيها لأنّ في إنقاذها إنقاذ الأمة وليس إنقاذ الخرائب التي رمانا بها أعداء أمتنا حين مزّقوا وطننا وفتتوا شعبنا وطمروا حقيقة تاريخنا ودفنوا تراثنا في مدافن مذبحة سايكسبيكو الانكليزية الفرنسية الصهيواميركية.

فإنقاذ مدرسة الحزب هو الأهمّ وليس الانزعاج من فلان وفلان. لأنّ المدرسة السورية القومية الاجتماعية أوْلى وأهمّ دروسها ترسيخ الاخاء القومي الاجتماعي بتحقيق نهضة تخرج أبناء الأمة وبناتها من العدوات في ما بينهم الى الصفاء الأخوي، ومن الشقاق الى الرفق في ما بينهم، ومن تقاليد الكراهية الى مناقب المحبة، ومن ويلات الفتن الى وئام التراحم.

انّ الوباء الكبير ليس فقط في حكامنا بل في شعبنا أيضاً وحين ينتشر الوباء في الحكام والشعب ويستحكم، فإنّ الإنقاذ لا يكون بشتم الحكام أو بلعن الشعب بل يكون الشفاء بفتح أبواب مدرسة الحياة للحاكم والمحكوم للتخلص من الفساد المتغلغل في الحكم والحاكم والمحكوم فتنتصر فضيلة الاخاء القومي الاجتماعي تحابباً وتراحماً وصلاحاً.

لقد كان سعاده واضحأ كلّ الوضوح وحكيماً سديد الحكمة حين قال في احتفال الأول من آذار سنة 1942 في الأرجنتين

«انّ الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يعتمد، في إيمانه بنجاح قضيته المقدسة، على أساس الأفراد ورضاهم، بل على العقيدة وحدها. إنّ الإشخاص يجيئون ويذهبون ويتبدّلون ولكن العقيدة هي الأساس الراسخ، الثابت على الأيام والسنين والعقود والأجيال. وإنّ العقيدة السورية القومية الاجتماعية والنظام السوري القومي الاجتماعي، اللذين قد أصبحا قبلة أنظار الشعب السوري، لا يمكن ولا يجوز أن توضع قيمتهما في محلّ قيمة الأفراد. ولا يمكن ولا يجوز أن يكون الأفراد محكاً لهما، بل يمكن ويجب أن يكون العكس أيّ أن يكونا هما محكاً للأفراد. فحين الاختيار بين العقيدة والنظام من جهة وفرد أو أفراد من جهة أخرى نحن لا نتردّد في التمسك بالعقيدة والنظام وترك الأفراد لمصيرهم».

انّ أبناء الحياة لا يهجرون مدرستهم بل يرمّمونها كلما احتاجت الى ترميم ولا ييأسون، ويعيدون بناءها كلما انهارت ولا يتعبون، ويجعلون من نفوسهم وأكتافهم دعائم لها ولا يبخلون.

 لقد علمتنا مدرسة الحياة القومية الاجتماعية ان نستمدّ روح نهضتنا من مواهب الأمة وتاريخها السياسي الثقافي القومي وننفض الغبار عن مآثرنا وآثارنا التاريخية فكيف نسمح لأنفسنا أن ندمّر مدرسة الحياة الجديدة التي ليس في برنامجها الا تعليم دروس الحق والخير والجمال وتعميق هذه الدروس في نفوس الناشئة الجديدة؟

من المؤسف والمعيب والمخجل جداً ان يكون بين تلامذة هذه المدرسة من يجمع بين الحق والباطل، والنظام والفوضى ويوفّق بين نبش آثار حضارة أمتنا وينفض الغبار عنها والمحافظة عليها ويسعى في الوقت نفسه الى هدم وتخريب معالم أعظم مدرسة أشيدت في التاريخ منذ بداية التاريخ الجلي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى