رياضة

تنافس غير منطقي على لقب «الشعبية» بين واقعية كرة القدم وفقاعة كرة السلة

ابراهيم وزنه

أيّهما اللعبة الأكثر شعبية في لبنان، كرة القدم أو كرة السلّة؟ قضية تُثار بين الفينة والأخرى لغايات ليست رياضية، ولذلك، غالباً ما تأتي الاجابات متناقضة، فاذا كان مثير القضية يميل بفكره وعواطفه إلى لعبة كرة القدم، تراه ينير طريق «شعبيتها» عبر إبراز المعطيات الداعمة لتصوّره مع ذكر الأرقام والأسماء، أما في حال كان طارح الموضوع ميّالاً إلى «السلّة» فتراه يسخّر جهوده ويستحضر حججه في سياق ملء «سلّته» أرقاماً وانجازاتوهكذا يستمر الجدل البيزنطي الرياضي من حين إلى آخر في ظل مناخات مجافية للحقيقة والواقع، تستند علناً إلى العواطف الكاذبة والمصالح الواهية والمعلومات المغلوطة، فيضيع القارىء أو المتابع، في المتاهة التي رسمها أصحاب الرأيين المختلفين، ووفق قاعدة «كل حزب بما لديهم فرحون».

ومن منطلق درايتي باللعبتين، ومتابعتي عن كثب للخط البياني لمسيرتيهما صعوداً أو نزولاً، سأطرح القضية مصحوبة بجملة من التساؤلات، مع تبيان الأرقام والوقائع والحيثياتوبعدها، على القارىء أن يستنتج من هو الفائز بلقب «الشعبية»؟

وقائع وحيثيات وأرقام

في تشريح لكلمة شعبية في قاموس الحياة، سأبيّن الآتي:

ـ نسمع بأكلة شعبية، غير مكلفة وبمقدور الغلابة على تناولها يومياً، كالفلافل مثلاً ، ويقولون في وصف فنان ما، مطرب شعبي، وهو الذي يغنّي وجع الناس فيكون الصدى الحقيقي لأصوات الفقراء والمحتاجين، وهناك أحياء ومساكن شعبية، تلك التي يسكنها الكادحون من الطبقة المتوسطة والفقراء، وبناء على ما تقدّم ـ وله تتمة في أكثر من مجال ـ ستذهب نقطة «الشعبية» إلى لعبة كرة القدم وملاعبها والدائرين في فلكها، لكونها لعبة الفقراء، وسهولة ممارستها من الجميع، وهذا ما أعلنه عملاقها البرازيلي بيليه في أكثر من لقاء.

ـ الأكاديمياتنلاحظ أن أكاديميات كرة القدم تتكاثر كالفطر، وهي موزّعة على جميع المحافظات اللبنانية، وصولاً إلى الشريط الحدودي بمواجهة العدو الاسرائيلي حيث يوجد ملاعب في قرى العديسة وحولا وميس الجبل ومارون الراس وغيرها، أما الأكاديميات السلّوية فهي موزّعة بشكل محدود ومدروس في المدن والقرى المتمدّنة، كما أن البلديات غالباً ما تهتم بانشاء ملعب كرة قدم مكشوف أكثر من اهتماماتها ببناء قاعة مغلقة، وما يدفعه المندفعون إلى ملاعب الكرة أقل بكثير مما يدفعه المنخرطون في أكاديميات كرة السلّة، وهناك مدارس كروية تتقاضى أسعاراً رمزية، ولا نبالغ إذا قلنا بأن أعداد طلاب كرة القدم أكثر بعشرة أضعاف من طلاّب مدارس كرة السلّة، وهذه نقطة ثانية تصبّ لمصلحة شعبية الساحرة المستديرة.

ـ على صعيد المواكبة الجماهيريةوهنا لا داعي لتسليط الضوء، الشمس طالعة والناس قاشعة، فجماهير أقل مباراة مشهودة في الملاعب الخضراء سيملأون براحة تامة ثلاثة ملاعب كرة سلّة. ونصف جمهور نادي النجمة لا تستوعبه جميع ملاعب كرة السلة في الجمهورية اللبنانية، وهنا تتوضح «الشعبية» الواقعية لكرة القدم بمواجهة الشعبية المحدودة والمصطنعة لكرة السلة، فهناك فارق كبير بين الجماهير العفوية والجماهير «المنتقاة» على الطبلية!

ـ الانجازاتتميل الدفّة إلى الكرة البرتقالية لجهة المشاركة «الثلاثية» في مونديال السلة العالمية، مع الاشارة إلى أن المشاركة الثالثة في العام 2006 في تركيا كانت مدفوعة الثمن، أي بواسطة شراء بطاقة عبور، وهنا لابدّ من لفت عناية المهتمين بأن فريق كرة السلّة يتألف من خمسة لاعبين على أرض الملعب، ولطالما لجأ اتحاد السلة إلى تجنيس لاعب (جو فوغل) واسترداد جنسية (بول خوري) أو الاستعانة بلاعبين ولدوا وترعرعوا بعيداً عن بلاد الأرز (صباح خوري وعلي محمود وعلي حيدر)، ليتناوب خمسة لاعبين من البطولة المحلية على المشاركة في الاستحقاقات الدولية، ما يعني بأن الطريق إلى المونديال السلوي ـ في ظل هكذا معطيات ـ أكثر سلاسة من طريق منتخب كرة القدم إلى جنّة المونديال.

وهناك أسئلة لا بدّ من طرحها في سياق الحديث عن الانجازات، أين انجازات لاعبي السلة في مجال الاحتراف الخارجي؟ ربما وحده فادي الخطيب كان الأكثر طلباً فلعب في الصين وسورية .. أما بالانتقال إلى الميدان الكروي، فهناك رضا عنتر ويوسف محمد ومحمد غدار وحسن معتوق ومحمد حيدر وعلي حمام ومهدي خليل ومحمد قصاص وعباس حسن، واللائحة تطول، مضافاً اليها انجازات شخصية لعلي حمام كأفضل ظهير أيسر في آسيا (2016)، وعدنان الشرقي كأفضل مدرب في آسيا (1996)، والحكم حيدر قليط (شارك في قيادة بعض المباريات في مونديال 2002) ومؤخراً، وفي ظل جائحة كورونا والاحتجاجات المطلبية أحرز نادي العهد كأس الاتحاد الآسيوي. دون إنكار انجازات فريقي الحكمة والرياضي الآسيوية والعربية، وجهودهما في دفع سلتنا نحو الامام، فترتيب لبنان على اللائحة الدولية في كرة السلة أفضل من ترتيبه في كرة القدم.

ـ الاعلانات والنقل التلفزيوني والواقع المريروهنا يسجّل للراحل انطوان الشويري، باني أمجاد نادي الحكمة، بأنه أعطى السلّة اللبنانية وهجاً ساطعاً، من منطلق ردّة فعله على ما عاناه فريقه من تضييق وتحيّز في ميادين كرة القدم، فسخّر الرجل قدراته وامكانياته وعلاقاته في سياق تلميع وتطوير كرة السلة، فأمّن النقل التلفزيوني وسعى إلى تنظيم دوري النخبة لكنه وجد معارضة من البعض فغضّ النظروفي الوقت عينه، يسجّل على الرجل بأنه كان وراء ارتفاع رواتب اللاعبين، في أيامه أصبح راتب لاعب كرة السلة يساوي عشرة أضعاف لاعب كرة القدمتأملوا أن لاعب كرة السلة يقود سيارة فخمة ويمتلك وظيفة محترمة، فيما لاعب كرة القدم يتنقل على الدراجة الناريةذاك متفرّغ لسلته بنسبة عالية مع راحة نفسية ومادية، وهذا يداعب كرته بعد يوم عمل شاق، والخلاصة في سباق «الشعبية» الواقعيةيحط اللقب في خزائن كرة القدم.

ـ الأندية والملاعب واللاعبيناللافت أن عدد الأندية المسجّلة في اتحادي كرة القدم وكرة السلة متقارب، علماً بأن ارتقاء المستوى الفني وزيادة حدّة التنافس يحتّم إنقاصها في اللعبتين لتصل إلى 50 نادياً في كل لعبة وليس إلى 150 كما هو الحال من منطلقات طائفية ومناطقية!. وحول عدد اللاعبين المسجلين على لوائح الأندية، تميل الكفة بوضوح لمصلحة كرة القدم، وهذا ما يزيدها شعبية على شعبية.

وعن أسباب التراجع الفني اللاحق باللعبتين في آخر خمس سنوات، تبرز المعضلة الأكبر، المتمثّلة بالشح المادي في صناديق الأندية والاتحادات مع تواضع موازنة وزارة الشباب والرياضة التي صارت تركّز على تحقيق انجازات في الألعاب الفردية، لكون الأمر أسهل من تحقيقه عبر الألعاب الجماعية، ولا شك أن كلّ انجاز سُجّل خلال الفترة الأخيرة ـ العهد في كرة القدم والرياضي في كرة السلة ـ فيحسب للقيّمين على النادي فقط. وفي الحديث عن الملاعب، فجميع أندية كرة القدم باتت تملك ملاعبها الخاصة فيما أندية كرة السلة، لا زال أكثر من نصفها يستأجر الملاعب لخوض التمارين، وهذا ما يؤكّد أن كرة القدم اللبنانية أكثر واقعية من كرة السلة، وهناك أندية كبيرة في اللعبتين تواجه دعاوى من قبل بعض اللاعبين بشأن رواتبهم وعقودهم مع بروز المعضلة بشكل أوضح عند «السلّويين»، ما يعني بأن السباق على مضمار الشعبية أصبح بمثابة تحصيل حاصل، والفائز به لن يزيده قوّة ولن يمنحه افتخاراً.

فالشعبية ليست لقباً يطلق على لعبة، بل هي واقعاً تعيشه اللعبة بكل تفاصيلها، لذا، كفى تصريحات لا تقدّم خيراً ولا تؤخّر هلاكاً، وكل الكلام الذي كنا نسمعه من المسؤولين عن اللعبتين بأن اللعبة بخير والأمور تسير على ما يرام، يذكّرنا بتصريحات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي صرّح مراراً بأن «الليرة بخير والودائع بخير» … وعندما وقعت الواقعة تلعثم الرجل وبلع لسانه وغاب عن السمعليخسر الناس ودائعهم، وبذلك زادت الطبقة «الشعبية» آلافاً مؤلّفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى