أولى

العيد العشرينيّ لانتصار المقاومة في لبنان

 د. جمال زهران*

 

تمرّ ذكرى الانتصار الحاسم الذي كسر شوكة العدو الصهيوني إلى الأبد، في 25 أيار/ مايو من كلّ عام، فيكاد العبير ينثر روائحه في كلّ مكان في الوطن العربي، فتنتعش النفوس برائحة الانتصار، يشعر بها المواطن العربي بكلّ فخر، واعتزاز، وكأنه هو الذي فعل ذلك، حيث ترفع الرؤوس بعد انكسار، وتنتصب الهامات، ويرنو النظر إلى الأفق طالباً وداعياً الله أن تستمر الانتصارات دوماً.

يوم تلقيت الخبر بأنّ قوات الشعب اللبناني المقاوم، المتمثلة في قوات حزب الله الذي تأسّس في لبنان وتحصّن بشرعية الشعب في لبنان، قد حققت المعجزة، وأجبرت العدو الصهيوني على الرحيل بلا قيد أو شرط، ورؤوس جنوده منكسة، تنظر إلى الأرض تحت أقدامها وتشعر بالذلّ والخزي والعار.

لقد تحقق الانتصار في 25 أيار/ مايو 2000، بعد أن ساد اليأس من احتمال تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 425 الذي يطالب بخروج «إسرائيل» من جنوب لبنان والعاصمة بيروت التي وصلت إليها قوات الكيان الصهيوني عام 1982! فبعد أن فشل مجلس الأمن الدولي الذي وصل إلى مرحلة «التوسّل» لـ «إسرائيل» لتخرج من لبنان، وجد العدو الصهيوني نفسه وهو الذي يطلب «الخروج الآمن»، لتقليل الخسائر بعد أن تمكّنت قوات المقاومة من إجباره على الرحيل، وتحرير لبنان حتى الحدود الدولية مع فلسطين من ذلك الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. مكثت قوات حزب الله المقاومة، تستعدّ وتتدرّب سنوات، وتعدّ نفسها ليوم المعركة الفاصلة التي بدأت، لتنتهي في 25 أيار/ مايو 2000، معلنة الانتصار الحاسم ضدّ قوات الاحتلال الصهيوني الغاشم المدعوم أميركياً بشكل أساسي، وتسقط معه إرادة الشرعية الدولية المزيفة بغطاء قرار مجلس الأمن رقم 425، ويطوي النسيان هذا القرار وكأنه لم يسبق له أن صدر.

والحقيقة أنه ما إنْ تحقق هذا الانتصار وتأكد، كتبت مقالات عدة بعضها نشر، والبعض رفض نشره. ومن المقالات التي نشرت في «الأهرام» وصحف أخرى، مقال بعنوان: «تحرير الجنوب اللبناني بإرادة المقاومة»، وقلت في ختامه: «لقد استطاع «لبنان» – البلد العربي الصغير مساحة وسكاناًأن يجسّد فكر المقاومة بإرغام «إسرائيل» على هذا الانسحاب المخزي الذي لن ينساه التاريخ. كما أضاف لبنان (الكبير في القامة والمكانة) وأبطال المقاومة تجربة جديدة وحية، تعين الأمة على الصمود ومواجهة التحديات في ظلّ عالم لا يرحم الضعفاء ويدعم الأقوياء، وينحني مجبراً أمام المقاومة».

ونشرت مقالاً آخر بعنوان: «الرصيد الاستراتيجي لحرب التحرير والاستقلال»، نشر في «الأهرام» في 1/9/2001، ومقالاً آخر بعنوان: «ثقافة المقاومة هي الخيار الوحيد»، وغيرها من المقالات عن هذا النصر وتلك المقاومة الجديدة، متمثلة في حزب الله. وآخر المطاف وجدت أنني كتبت نحو 50 مقالاً حول ذلك الموضوع، ورأيت أن أجمعها بين دفتي كتاب سمّيته: «ثقافة المقاومة والتحرير.. في إدارة الصراع «العربي الصهيوني»، صدر عن دار نشر مكتبة الشروق الدولية بالقاهرة، عام 2005، أيّ بعد خمس سنوات من انتصار المقاومة وتحرير لبنان كله من الاحتلال الصهيوني. ولم أسعد بصدور كتاب قدر سعادتي بصدور هذا الكتاب تأكيداً لهويتي السياسية الناصرية، التي تعتقد في صواب مقولات الزعيم جمال عبد الناصر: «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»، و: «لا صلحلا تفاوض ولا اعتراف) مع أو بـ (الكيان الصهيوني المتمثل في مسمّى يدعى «إسرائيل» ولد بشرعية دولية مزيفة بالقرار رقم (181) لسنة 1947 من مجلس الأمن صدّقت عليه الجمعية العامة، ورفضته آنذاك جميع الدول العربية الأعضاء آنذاك. وينظر المرء رغم انتصارات المقاومة، إلى دول خليجية عدة وغيرها وهي تسعى للتطبيع مع الكيان الصهيوني بتعليمات أميركية، وتزداد انبطاحاً واستسلاماً وخنوعاً، لا مبرّر له، سوى تخريب البيئة العربية وتسميم الأجواء ضدّ المقاومة العربية الصلبة، وتفكيك المنطقة العربية لصالح المشروع الأميركي الصهيوني.

لقد تحقق انتصار المقاومة اللبنانية العربية في 25 أيار/ مايو 2000، بعد أن حصلت على «الأستاذية» بعامين، وقبلها وبعدها عاهدت الله أن أزرع في نفوس أبنائي الطلاب، أنّ المقاومة هي الحلّ، ولا خيار غيرها من أجل إزالة «إسرائيل» من الوجود، وتحرير كلّ فلسطين من النهر إلى البحر، وتحرير بيت المقدس ليكون رمزاً للحرية والاستقلال، والمقاومة، وذلك في مواجهة مع المشروع الصهيوني الذي يزرعونه في نفوس أبنائهم (من النيل إلى الفرات). ورغم ما أعانيه من جراء هذا الاختيار الفكري بدعم خيار المقاومة فكراً وسلوكاً، إلا أنّ قناعتي تجعلني راضياً بدفع الثمن مهما كان غالياً. فهناك من ضحّى بنفسه من أجل الوطن لتحريره، ومن أجل فلسطين، وليس بأقلّ ما نقدّمه كمفكرين بضرورة الصمود الفكري من أجل نصرة المقاومة لأنها السبيل لتحرير فلسطين، أنها فلسطينقضيتيوقضية كلّ الأحرار في الوطن العربي وفي العالم. وليس صدفة أن يكون شهر أيار/ مايو، هو الشهر ذاته لميلاد «إسرائيل» في 15 أيار/ مايو، «يوم النكبة»، وأيضاً لتحقيق الانتصار للمقاومة اللبنانية في 25 أيار/ مايو.

تحية لكلّ الأبطال ولكلّ المقاومين، وفي طليعتهم حزب الله المقاوم وأمينه العام السيد/ حسن نصر الله، بارك الله فيه داعماً لنصرة فلسطين وبيت المقدس. والله المستعان والشاهد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى