آخر الأخبار

«القومي» وأهالي الكورة يشيّعون الرفيقة المناضلة مي منصور الدنف بمأتم مهيب في بترومين نادر: رافقت الأبطال وتفوّقت على أبناء جيلها رجالاً ونساء وحققت إنجازات مشهودة في مسيرة الحزب والمقاومة

 

غيّب الموت صباح الثلاثاء في 2 حزيران 2020 الرفيقة مي منصور زوجة الرفيق القائد الشهيد عاطف الدنف (ثائر)، وذلك بعدما قاومت المرض زمناً طويلاً كان قد ألمّ بها منذ العام 1984، وهو من نوع التصلب اللويحي الذي أصابها نتيجة مشاق النضال والصدمات التي تعرّضت لها خاصة عند وقوع رفيقها وزوجها عاطف في الأسر لدى العدو الصهيوني عام 1983 وعند تبلّغها نبأ استشهاده في معركة الكورة في تموز 1984.

الرفيقة مي مواليد بلدة بيترومين الكورة سنة 1955، والدها هو الرفيق المرحوم الياس منصور ووالدتها هي الرفيقة كاترين منصور ولها شقيقة هي أليسار، وقد نشأت مي في الكورة وتعلّمت في مدارسها.

انتمت إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي سنة 1971، والتحقت بدورة تدريبية في مخيم ديك المحدي، وانخرطت في العديد من المخيمات والأعمال النضالية ورافقت المقاتلين في معظم مراحل الأعمال الدفاعية عن الكورة وخاصة الشهيد صقر غسان نعيمه، وفي شتاء العام 1976 جاء الى الكورة من بعلشميه الرفيق عاطف الدنف على رأس مجموعة قومية وقد اصيب برصاصة في صدره وتمّ نقله الى المستشفى فالتزمت مي الاهتمام به فترة طويلة إلى أن تماثل للشفاء.

بعد سقوط الكورة سنة 1976 انتقلت الى منطقة الجبل ومن ثم تزوّجت الشهيد عاطف الدنف، وسكنا في منطقة المتن الأعلى ورزقت بابنتها الوحيدة نسرين.

مع اجتياح العدو «الإسرائيلي» للبنان، قاد الرفيق عاطف مجموعة كبيرة من القوميين نفذوا عمليات ناجحة ضدّ قوات العدو كانت أبرزها وأخطرها عملية الكمين في طلعة عاليه على الطريق الرئيسي حيث تمكّنوا من تدمير دبابة «إسرائيلية» وباصاً محمّلاً بالجنود وسيارتين ترافقان الباص وكانت عملية موجعة جداً للعدو هزّت أركانه واستدعت أن يأتي شارون الى الجبل ليعاين أماكن العمليات، كما ركزت مخابرات العدو كلّ جهدها لكشف منفذي العملية، وللأسف كان هناك عملاء وشوا بعاطف ورفقائه فتمّ اعتقالهم وأسرهم في معتقل أنصار الشهير.

بعد ذلك، تابعت الرفيقة مي العمل السري المقاوم دفاعاً عن وطنها وشعبها، وصمّمت على انتزاع الحرية لزوجها وللأسرى فقادت مجموعة توجهت الى صيدا خلف خطوط العدو، وتمكّنت من أسر ضابط صهيوني، وكانت الخطة تقضي بأن يخرجوا به الى المناطق المحرّرة لاجراء عملية تبادل لإطلاق الأسرى، لكن الجيش الصهيوني وعملاءه أغلقوا منطقة الجنوب بالكامل، ما أدلى الى مصرع الضابط الصهيوني، في حين تمكنت مي والمجموعة مغادرة المنطقة عبر الجبال.

ظلّ ثائر في معتقل أنصار وتحدّى الضباط اليهود بكلّ شهامة وعزة ورفض ايّ وساطة طائفية او مذهبية لإطلاقه، وقال أنا دخلت كمقاوم قومي وأخرج بقوتي كمقاتل. وبالفعل فقد أعدّ مع بعض الأسرى خطة لحفر نفق تحت الأرض وبدأوا بالتنفيذ، لكن الأمر انكشف فعذبوه ورفعوه على سلم خشبي ورأسه يتدلى إلى الأسفل، وهنا قال له عقيد صهيوني: «مبسوط هيك يا مخرّب؟» فأجابه عاطف هازئاً «أكيد مبسوط لأن صباطي أعلى من راسك ومن نجومك». وبعد فترة عاود مع الأسرى حفر نفق آخر معتمدين على أدوات بسيطة وعلى أزرار وملاعق وتمكنوا من الخروج الأسطوري في 8 آب سنة 1983 وعادوا الى النضال فاستشهد الرفيق عاطف في معركة الكورة في 15 تموز 1984، ثم استشهد الرفيق نضال الحسنية في جبل الباروك في السنة نفسها.

كلّ هذه العوامل أثرت على مي فبدأ يظهر عليها نوع من الشلل البطيء، ورغم  ذلك ظلت متمسكة بالحياة ومتفائلة بأنها ستعود الى حالتها الطبيعية، ومن بيتها في طرابلس كانت تتابع العمل الحزبي وتقيم المناسبات وتشارك في كلّ الاحتفالات كما درجت على تقليد سنوي بإقامة عيد ميلاد للشهيد عاطف في 6 كانون الثاني من كلّ عام تدعو إليه رفقاءه من الجبل والشمال.

منحها الحزب عدة أوسمة منها وسام الواجب ووسام الثبات ووسام الجرحى. وجرت لها عدة حفلات تكريم وهي موضع احترام ومحبة القوميين في الوطن والمغتربات.

كان الأطباء يتوقعون لها ألا تعيش اكثر من 15 سنة مع هذا المرض لكنها قاومته وعاشت 36 سنة بفضل عناية والدتها الرفيقة كاترين وسهرها الدائم وثباتها المعنوي معها، الى أن وافتها المنية صباح الثلاثاء 2 حزيران 2020، وقد أقيم لها مأتم حزبي ولفّت بعلم الزوبعة الحمراء وجرى تشييعها ودفنها في مسقط رأسها بيترومين الكورة.

حضر المأتم برغم ظروف الحجر عدد كبير من القوميين والأقارب وقام بخدمة الجناز الأب حنانيا القطريب كاهن بلدة بيترومين والأب لويس حيدر كاهن بلدة فيع، بحضور وكيل عميد الإذاعة شادي بركات ورئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء الرفيقة نهلا رياشي والدكتور كريم منصور ممثلاً النائب الأمين سليم سعاده، كما حضر عدد من مسؤولي الحزب في طرابلس إضافة الى مدير مديرية بترومين أنطون النجار وأعضاء هيئة المديرية.

بعد انتهاء مراسم الصلاة ألقى الأمين كمال نادر كلمة تحدث فيها عن مي وتاريخ حياتها وعمرها، وقال إننا اليوم نودّعها بعد حياة مملوءة بالنضال والأعمال الكبيرة، فهي كانت منذ مطلع شبابها لا ترضى العيش العادي بل أحبّت ان ترافق الرجال والأبطال وسارت في دروب صعبة تفوّقت فيها على أبناء جيلها رجالاً ونساء، وقامت بأعمال يعجز عنها الأبطال أنفسهم، فالتحقت بالمخيمات وبالعمليات المقاومة، وتعرّفت الى رفيق عمرها القائد عاطف الدنف وأحبوا بعضهم بعضاً عندما سهرت عليه زمناً طويلاً اثر إصابته في صدره سنة 76 فاعتنت به الى أن شفي تماماً، ثم تزوجا، ورافقته في كلّ الأعمال الصعبة خاصة زمن المقاومة الوطنية ضدّ العدو.

وذكر نادر العملية التي استهدفت الباص العسكري «الإسرائيلي» في عاليه وكيف تمّ ضرب الموكب كله، ثم كيف اعتقل عاطف وأسر في معتقل أنصار، وكيف عملت مي على تهريب الأسلحة وخططت للقيام بعدة عمليات لإطلاق سراحه مع رفقائه وخاصة عملية خطف ضابط صهيوني في صيدا.

وقال نادر إنّ مي بانتمائها الى حزب النهضة القومية تجاوزت الطائفية وعهد الاستسلام للأمر الواقع، ولو انّ شعبنا استجاب لدعوة الحزب منذ 80 سنة وأكثر لكان اليوم بأحسن أحواله بدلاً من ان تضربه الطائفية ويحكمه الطائفيون ويذلّوه بالإفقار والتجويع بعدما سرقوا الخزينة ومدّخرات الناس وليس هناك من يحاسب، لأنّ الطوائف تحمي ملوكها وترسم حولهم خطوطا حمراء.

وتحدّث عن بترومين والكورة التي احتضنت النهضة القومية من أول تأسيسها وأعطتها مناضلين وقادة وأمناء. ثم تكلم عن الخروج الكبير الى الحرية من معتقل أنصار وعن استشهاد عاطف في معركة الكورة التي فرضت علينا بشكل غير مبرّر، ولولا قوّة الحزب التي أذهلت الدول والمنظمات، لولا ذلك لكانت الكورة رزحت تحت وطأة الطائفيين والانعزاليين.

وأوضح نادر انّ تلك المعركة كلفتنا أربعة شهداء هم عاطف الدنف وزياد حسن خالد وإيهاب كاج من بيروت وعارف الأيوبي من النخلة، كما تعرّضت الرفيقة أمل الحمصي للقتل بشكل بشع في بيتها لأنها كانت توزع مجلات» صباح الخير» في الساعات الأولى من الهجوم على الكورة.

ودعا نادر الى نبذ الطائفية وبناء لبنان الجديد على الأساس المدني والعلمي لكي يسير في طريق التقدّم، وإلا فإنه راجع الى الدرك الأسفل وشعبه يرزح تحت خط الفقر وتهدّده المجاعة إذا لم يحصل الإصلاح خارج المنطق الطائفي ومنطق المحاصصة.

وختم نادر قائلاً: «البقاء للأمة»، ونحن بقولنا هذا لا نتعالى على العزة الإلهية فالله باق وأزلي وأبدي، لكننا ندعو لأمتنا بالبقاء لأنها معرّضة للموت والفناء وهي واقفة بين الموت والحياة، ولذلك كانت تحيّتنا الرسمية «تحيا الأمة» وتعزيتنا «البقاء للأمة»، موضحاً أنّ هذه الأمة السورية مذكورة في كتب التاريخ وفي الكنيسة المشرقية إذ تعرف كنيسة أنطاكيا وسائر المشرق عن نطاق بطركيتها بالقول إنها تشمل «أنطاكيا العظمى وكيليكيا وجميع سورية وفينيقيا الساحلية والعربية وبلاد الكرجيين وما بين النهرين»، وفسّر بأنّ العربية في الزمن الروماني تعني حوران والسويداء بدليل انّ الامبراطور فيليب العربي هو من بلدة قنوات في السويداء وليس من الصحراء وهو سوري وليس من بني قريش او يعرب واسمه سوري ولغته سريانية سورية، وهو واحد من ستة سوريين وسوريات وصلوا الى عرش الامبراطورية الرومانية هو والكسندروس ساويروس من عكار وجوليا دومنا وآنّا دومنا وسيبتيموس سفيروس وكاليغولا من حمص، وهذا فخر لتاريخنا وعظمة أمتنا.

بعد انتهاء مراسم الصلاة حمل القوميون النعش الى المدافن حيث أدّوا التحية الوداعية للرفيقة مي، وبعد ذلك جرى تقبّل التعازي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى