أخيرة

ليس كلّ ما تريده أميركا يمشي *

} الياس عشي

ثمّة مثل إيرلنديّ يقول «الذئب ما كان ذئباً، لو لم تكن الخراف خرافاً».

لم يعد الوقت ملائماً للحديث عن شرف المواجهة، وعن المواقف النبيلة في الحروب، وعن الأمثال العربية التي أتخمتنا في حديثها المملّ عن العفو عند المقدرة، وعن لا يسلم الشرف الرفيع، وعن الالتزام بالعهود والمواثيق؛ فلنستبدل كلّ الأمثال العربية بهذا المثل الإيرلندي الذي يبدو وكأنه فصّل على قياسنا. وإذا لم نخرج، اليوم قبل الغد، من الحظيرة تلك، فمصيرنا الموت ذبحاً كالخراف.

وربّ متسائلٍ: ولمَ الإغراق في التشاؤم؟

أنا لا أسمّيه تشاؤماً، بل هو مجرّد تحذير من هذا الحصان الطروادي الجديد الذي سمّوه داعشاً. هل باستطاعة عاقل واحد أن يصدّق بأنّ تنظيماً نشأ بهذه السرعة، وبهذه القوة، لم تكن وراءه دول تموّله وتسلّحه وتبرمج له؟ وهل يستحق داعش كلّ هذا الحشد الدولي، وكلّ هذه المؤتمرات، للقضاء عليه؟ أم أن «وراء الأكمة ما وراءها»؟

هل باستطاعة واحد من هؤلاء الملوك والأمراء العرب أن يطالب الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها بتفسير مقنع عن نيتهم في محاربة داعش في العراق؟ وعدم محاربتهم لها في سورية؟

من قبلُ زرعوا حصان طروادة في فلسطين، ونجحوا من خلاله في تأسيس الدولة اليهودية، وفي وضع اليد على ثروات العالم العربي، وفي تحويل البحر المتوسط إلى بحيرة أميركية.

وفي نهايات القرن الماضي وضعوا تصميماً فريداً لحصان لا شبيه له، وضعوا في جوفه مسلحين متطرفين، وأرسلوه إلى أفغانستان ومن ثَمّ إلى العالم.

اليوم تحاول أميركا أن تعود، من خلال داعش، إلى البحر المتوسط، لتكرّس أحاديّتها عليه، وتلزم الروس بمغادرته، لا سيما بعد أن أثبت الجيولجيون وجود كميات هائلة من النفط والغاز على الشاطئ السوري.

كما أنها تريد العودة إلى العراق لتغطي أولاً انسحابها من أفغانستان، ولتكون أيضاً آبار النفط والغاز، ومنابع المياه، تحت سيطرتها.

وهذا الضجيج المفتعل لمحاربة داعش سيجعل الدول العربية أكثر قابلية لتلعب دور الخراف، فتدخل أميركا، ووراءها إسرائيل، إلى كلّ بيت، وإلى كلّ عقل، ويعلن العرب استسلامهم للشروط الإسرائيلية، وترتفع الرايات البيض مرسوماً عليها صورة خروف، وتعود دول الممانعة والمقاومة إلى بيت الطاعة بفتاوى من الخلفاء الجدد.

هذا ما تريده أميركا، وليس كلّ ما تريده أميركا يمشي! إنّ وجود الإرادات الصلبة، والعقائد الحيّة، وإرادة الموت كي تبقى الحياة وقفة عز واحدة فقط، والإيمان بأنّ سورية، قبل أن تكون حرفاً وشراعاً وفكرة، هي صراع من أجل البقاء؛ وعادة لا يبقى إلّا الأقوياء.

*فصل من كتاب «الرقص في عيد البربارة على الطريقة الأمريكية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى