مقالات وآراء

الجوع وحّد الساحات…

} عمر عبد القادر غندور*

قدّم «وحش الجوع» مساء الخميس أوراق اعتماده إلى الداخل والخارج، معلناً انّ تحركاته لا تمون عليها الأحزاب ولا المراجع الدينية ولا الطبقة السياسية ولا التقسيمات المناطقية، بل هي ذاتية بامتياز لا طائفية ولا مذهبية، بدليل أنّ الاحتجاجات العفوية التي انطلقت في بيروت وطرابلس والبقاع والجنوب والإقليم لتقول «الجوع كافر» ومن أبرز شمولية هذه الاحتجاجات ما رأيناه على جسر الرينغ في بيروت حين انضمّ أبناء خندق الغميق والباشورة الى المتظاهرين القادمين من الأشرفية وشرق بيروت، فتجلت الوحدة الوطنية بأبهى صورها التوحيديةلا استغلال ولا توظيف سياسي ولا استحضار شعارات من خارج المطالب الحياتية.

صحيح انّ الأزمة الاقتصادية شديدة الوقع على الجميع، وأنّ تراكم المصاعب المعيشية يقصم الظهور، وأنّ الجميع مهدّد بيئياً وصحياً في ضوء ما أذيع في الساعات الماضية عن بيع طنين من أسماك بحيرة القرعون المسرطنة في سوقي صبرا والكرنتينا خلافاً لقرار وزارة الصحة عام 2018، حيث منعت الصيد في البحيرة بعد ثبوت تلوّث مياهها وعدم صلاحية تناول أسماكها، وتراكم الهموم الاستشفائية، والتسويات والمحاصصات والمظلوميات التي لم تعد وقفاً على طائفة معينة، الى «فلتان الملق» في سعر صرف الدولار، فانعدمت فعالية القيمة الشرائية للعملة الوطنية العاجزة عن سدّ رمق الناس فخرجت الجموع الى الشارع لتقول «كفى» بلغة واحدة مسكونة بالجوع.

وفي قول بليغ لأحد الصحابة وهو أبو ذر الغفاري «عجبت ممن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه».

فلا يستطيع أحد أن يضبط تصرفات ربّ أسرة يسمع صرخات أطفاله الجوعى!

ومع كلّ أسف لا نجد مخرجاً لأزمتنا المعيشية ولا نحمّل الحكومة الحالية التي ورثت حكومات فاسدة مسؤولية هذا الانهيار، بل ننظر الى الولايات المتحدة التي صرّحت جهاراً أنها ستمنع وصول أيّ مساعدات مالية الى لبنان بما فيها صندوق النقد الدولي، ووضعتنا بين خيارين: إما الانصياع لعجرفة رئيسها ترامب أو الجوع.

اننا ندرك انّ أزمتنا أقوى وأشدّ وسيصيب الجوع شرائح الناس كافة ولا سبيل الى فكفكتها إلّا بالصبر وحسن التدبير، وأهون مليون مرة أن نهين أبداننا ونصبر عليها ولا نهين كرامتنا وهي أغلى ما نملك.

وقديماً قيل: كلّ الحلول التي تؤدّي الى الكرامة تقتضي الموت، وكلّ الحلول التي تؤدّي الى العيش تقتضي الذلّ.

وهيهات لأبناء الكرامة أن يقبلوا الذلّ.

*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى