الوطن

لبنان: التوجه نحو الشرق ضرورة وطنية

 

 

} إبراهيم ياسين

بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي كشف فيه إمكانيات كبيرة لحلّ ومعالجة الأزمات التي يرزح تحت وطأتها دولة وشعباً لا سيما لناحية عرض المشاريع الصينية والاستعداد لبذل الجهود لتأمين احتياجات لبنان من النفط والغاز والفيول من إيران بالعملة اللبنانية.. بعد ذلك احتدم النقاش في البلاد على كلّ المستويات وبات من الواضح أنّ الاتجاه العام في لبنان، لا سيّما على مستوى المجتمع الذي يعاني من الضائقة الاقتصادية والمعيشية، وعلى مستوى القطاعات الاقتصادية بات مُرحّباً بهذا الطرح، ويميل للضغط على الحكومة للسير في هذه الخيارات الاقتصادية، خصوصاً أنّ الحكومة تواجه تحدياً كبيراً لكيفية وضع لبنان على سكة الإنقاذ، ولا يوجد أمامها حتى الآن بدائل أخرى لمعالجة جذرية للأزمات.

فالتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول منه على قروض مُيَسّرة لا يزال في بداياته، وكلّ المؤشرات تؤكد أنّ هذا التفاوض سيأخذ وقتاً طويلاً عدا عن أنّ القروض ستكون مشروطة في حال الاتفاق والقبول من الطرفين، وأنّ لبنان لا يستطيع الانتظار وقتاً طويلاً، وهو بحاجة ماسّة للحصول على القروض في فترة قصيرة. أما مؤتمر «سيدر» فإنه ربط إعطاء القروض للبنان بتوصّله للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومن المعروف بأنّ مسؤولي صندوق النقد الدولي ومؤتمر «سيدر» ينتظرون الموافقة الأميركية، وهذه الموافقة مرهونة بدورها بخضوع لبنان للشروط الأميركية، وهي شروط صهيونية لا يمكن أن يقبل بها لبنان وفي طليعتها ترسيم الحدود البحرية والبرية بما يُحقق الأطماع الصهيونية، وكذلك نزع سلاح المقاومة وهو هدف أميركي مركزي يقف وراء كل الضغوط والحصار الأميركي المالي على لبنان.

إذن، يصبح من الطبيعي طرح السؤال: ما الذي يدفع الحكومة اللبنانية إلى عدم التقاط فرصة العروض الصينية؟

من المؤكد أنّ المصلحة اللبنانية تقتضي المسارعة إلى قبول العرض الصيني لا سيّما أنه يتميّز بمُميّزات تناسب لبنان غير متوافرة من أيّ بلد في العالم وهذه المميزات هي:

1 ـ تنفيذ المشاريع التي يحتاج إليها لبنان لإعادة تأهيل وبناء البنى التحتية وإنشاء معامل الكهرباء والنفايات وسكك الحديد بنظام  Bot، أيّ أنّ لبنان لا يتحمّل دفع أيّ أكلاف لتنفيذ هذه المشاريع، واستعداد الصين للحصول على الكلفة على مدى طويل.

2 ـ منح لبنان قرضاً طويل المدى بقيمة خمسة عشرة مليار دولار.

3 ـ فتح مصرف صيني للشركات الصينية التي ستنفذ هذه المشاريع، وهي من الشركات العشرة الأولى في الصين، ما يعني تأمين سيولة مهمة يحتاج إليها لبنان في هذا التوقيت.

4 ـ هذه المشاريع سوف تؤدي إلى تشغيل اليد العاملة وتنشيط الحركة الاقتصادية في البلاد وإخراج الاقتصاد من حالة الركود وتحقق معدلات النمو.

قد يسأل البعض لماذا هذه العروض السخيّة من قبل الصين؟! أليس هناك من شروط ومصالح صينية خاصة مقابلة؟!

الجواب، من المؤكد أنّ للصين مصلحة، وهذه المصلحة تقوم على المنفعة المتبادلة وليس على أساس الشروط التي يمليها «سيدر» وصندوق النقد الدولي. هناك منفعة منطلقة من أنّ لبنان له مصلحة بالنهوض من أزماته المزمنة، ويحتاج إلى مساعدة غير مشروطة، والصين تحتاج إلى لبنان في سياق تحقيق مشروعها الاقتصادي الضخم الذي بدأته منذ سنوات، وهو إحياء مشروع طريق الحرير الذي أسمته «الطريق والحزام». ولبنان بالنسبة للصين يحتلّ موقعاً مهماً على هذه الطريق، فهو بسبب موقعه الجغرافي يشكل صلة الوصل بين الصين والدول العربية براً، وبين الصين والغرب بحراً، وهذا الأمر تعتمده الصين ليس فقط مع لبنان بل هي تعتمده مع كلّ الدول التي يمرُّ عبرها مشروع «الطريق والحزام».

إذن المصلحة المتبادلة غير المرتبطة بشروط «سياسية أو اقتصادية» هي التي تحقق أولاً مصلحة لبنان في النهوض الاقتصادي من حالة التأزم وحلّ مشكلة الخدمات وتوفير السيولة المالية التي يحتاج إليها. وهذه القاعدة هي التي يجب أن تعتمدها الحكومة في علاقاتها مع دول العالم كافة، لأنّ العلاقات الاقتصادية يجب أن تُبنى على أساس المصالح، ولا تكون مرتبطةً بالتوجهات السياسية. ويُمكن للبنان في مثل هذه الحالة أن تكون لديه علاقات مع دول الشرق والغرب انطلاقاً من هذه القاعدة التي تؤمن له مصالحه وتحقق له أفضل الشروط وتعود عليه بالمنفعة.

إذاً على الحكومة أن لا تتردّد في السير في هذا الخيار الذي يخدم مصلحة لبنان ويُخرجها من المأزق الاقتصادي والمالي الذي يواجهها ويُؤمّن لها الغطاء السياسي والشعبي. فلبنان اليوم على كافة الُصعُد الشعبية والاقتصادية والسياسية سيقف إلى جانب الحكومة في سلوك هذا الخيار الإنقاذي والقوى والمجموعات التي تعارض هذا الخيار لن تستطيع الدفاع عن موقفها، وإقناع اللبنانيين برفضه ودعم مواقفها لأنه ليس لديها البديل المطلوب، والدول التي لا تريد هذا الخيار لا تُقَدّم للبنان سوى المزيد من الحصار والضغوط لفرض الإستسلام والخضوع لشروطها، وهو ما لا يمكن للبنان أن يحتمله أو أن يقبل به.

وعلى الرغم من تحفظنا على طريقة تشكيل الحكومة وأدائها في إدارة بعض الملفات إلا أننا ندعوها إلى الإسراع في التحرك ومعالجة ملف العلاقة مع الصين بجدية كاملة من منطلق المصلحة الوطنية للخروج من أزماته الاقتصادية والمالية، وكفى دوراناً في الحلقة المفرغة والتلهّي في الجزئيات…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى