ثقافة وفنون

إصداران ‏

 صدرت حديثاً عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر روايتان، الأولى بعنوان «امرأة من ماريو بول» لناتاشا فودين الحائزة على جائزة معرض لايبزيغ للكتاب وهي من أرفع الجوائز الأدبية في ألمانيا، والثانية رواية «صباح الخامس والعشرين من شهر ديسمبر» ليسرى مقدّم.

}  «امرأة من ماريو بول»

روايةٌ استثنائية تروي، بالتفاصيل، بحثاً جدلياً عن الحقيقة، ويُلقي الضوء على إحدى أفظع المآسي الأوروبية. سيرة ذاتية ذات لغة أدبية عالية تجمع بين السيرة والرواية.

«أحسستُ أن هذا الذي ظهر أمامي شبيه بأعجوبة. انفتح صندوق حياتي الأسود في خريف عمري. ولكنني لم أجد في داخله حتى هذه اللحظة سوى صندوق أسود آخر، وربما كان هذا يحتوي بدوره على صندوق آخر أصغر منه وهلمّ جرًّا، تمامًا مثل عرائس الماتريوشكا الروسية التي تحتوي كل منها على عروس أصغر في داخلها».

في بداية بحثها عن أمّها، لم تكن في حوزة ناتاشا فودين أي معلومات تُذكَر. كانت تعرف اسم أمّها، وتاريخ مولدها ومكانه (في ماريوبول الأوكرانية)، وتاريخ زواجها وتاريخ وصولها إلى ألمانيا. إلى ذلك، كانت تمتلك 3 صور فوتوغرافية، وبعض الذكريات المشكوك في صدقيّتها. من هنا انطلقت، لتتمكّن في النهاية من إعادة سرد قصّتها الكاملة. قصّة شخص واحد تحمل في طيّاتها مصير الملايين.

«لم يأتِ بحثي عن اسم أمي على الموقع الروسي في هذا التوقيت بالذات بمحض المصادفة. فلطالما شغلتني فكرة الكتابة عن حياة أمي، ولا سيّما عما كانت عليه تلك المرأة قبل ولادتي، سواء في أوكرانيا أو في معسكر العمالة في ألمانيا. ولكنني لا أعرف أي شيء تقريبًا عن تلك المرأة، فهي لم تتحدّث قطّ عن فترة عملها بالسخرة، لا هي ولا حتّى أبي. لا أتذكَّر شيئًا من هذا القبيل في أي حال. وكل ما تبقّى في ذاكرتي من حكاياتها عن حياتها في أوكرانيا لا يتعدّى كونه أطياف سراب خدّاعة. لم يكن أمامي إلا أن أحاول كتابة سيرة ذاتية خيالية عن أمي، مستندةً فيها إلى السرد التاريخي وإلى الحقائق المعروفة عن الفترة والأماكن التي عاشت فيها. ظللت أبحث لسنوات عديدة عن أي كتاب لعامل من عمَّال السخرة السابقين، أو عن صوت أدبي واحد يمكنني الاسترشاد به، ولكن بلا جدوى. ففي الوقت الذي قدَّم الناجون من معسكرات الإبادة النازية أدبًا عالميًّا امتلأت على أثره المكتبات بكتب عن الهولوكوست، لزم عمَّال السخرة من غير اليهود الصمت، أولئك الذين نجوا من الإبادة القائمة على السخرة. هؤلاء جرى ترحيلهم بالملايين إلى الرايخ الألماني».

} صباح الخامس والعشرين من شهر ديسمبر

ملخص

«خبرتُ وجهَي الغيبةِ يا أمي، خضتُهما في أمومتين متناقضتين، تباعدتا، زمنياً، وتَرادف فيهما الحضورُ والغيابُ. وفي الحالين، لم أبلغ في الغيبة شبهاً بكِ، يا سكنة، دُمْتِ في الضّدين أمّاً كليَّةً اعتصمتْ بأمومتها، وصَيَّرَتْها اسمها وسرَّها وحتمها من أمرها، اقتبستْ منها ما تَقْتَبِسُهُ النارُ من النار، وما ينفقُه الحبُّ من الحبّ.. أما أنا، فلم أعرفْ من الأمومة، في المرَّتين، غيرَ تنافر أضدادٍ ينفي بعضها بعضاً، ويلعن واحدُها الآخر. فبيني وبين أمومتي الأولى، رميتُ حُجباً عمياء؛ وبيني وبين أمومتي الثانية أزلتْ كلَّ الحُجب، كما لو أنني لا أطيق تحالفَ الأضداد. هكذا، هربتُ من التقصير إلى قصاص الذَّات هربَ الخائف من ذنبٍ إلى ذنبٍ!

الذنبُ، يا سكنة، قصاصٌ عسير يصعب الفكاك منه حين نَرِثُهُ بمشيئةٍ قدريَّةٍ تحتّمُ ما يُرسّخه، ويضاعف، بالتواتر الزمني، دوائرَه وانسحاباتِهِ ومستلحقاتِه

يُسرى مُقدِّم، كاتبة وباحثة لها العديد من المقالات والدراسات المنشورة في أهم الصحف والمجلات اللبنانية والعربية. لها ترجمـات عديدة لغابرييل غـارسيـا ماركيز وسـواه. هذا كتابها الثالث بعد «مؤنث الرواية» و«الحريم اللغوي» الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى