مقالات وآراء

لبنان بين الهوية والهوى

 

 

} د. علي سيد

سؤال مطروح على كافة المستويات في لبنان إلى أين نتجه في اقتصادنا وتجارتنا وعلاقاتنا، ولكلّ طرح أو خيار محاذيره (سلبيات وإيجابيات)، فلبنان يقف على مفترق طرق بين هويته الشرقية (درة الشرق وسويسرا الشرق) وهذه العبارات تتردّد دائماً وهي مرادفة لكلمة لبنان وكما جاء في نشيدنا الوطني (بحره بره درة الشرقين)، وأيضاً هو يعتبر فرنسا أمه الحنون وهو امتداد للفكر والاقتصاد الغربي، منذ نشأته وولادته الهجينة بعد التسوية المعروفة بأنّ لبنان لن يكون ممراً ولا مقراً للاستعمار، حيث تمّ الاتفاق على التخلي عن التبعية للغرب عموماً وفرنسا خصوصاً من جهة، في مقابل التخلّي عن المطالبة بالوحدة مع سورية.

لذلك كانالدور الطبيعيللاقتصاد اللبناني الوساطة بين العمق العربي والغرب، فهو مرتبط بالمنظومة الغربية وذو وجه عربي، وهذه العبارة الأخيرة تمّ شطبها في اتفاقية الطائف من نص الدستور أيّ من النصوص ولكن ماذا عن النفوس.

الواقع يقول إنّ لبنان ذو هوية عربية مشرقية وهو يعتبر سويسرا العرب وبلاد الشرق وواقعاً هو بوابة الغرب وجزيرته في بلاد العرب والشرق وهنا تقع الإشكالية في ما سنكتب.

لبنان والغرب

باختصار، كانت هناك قوى دولية وإقليمية عملت على تكبير لبنان جغرافياً وتوسيع دوره سياسياً، ونتيجة لذلك اتجه بعض السياسيين اللبنانيين بولائهم نحو الغرب وتحديداً فرنسا محاولين ربط السياسة اللبنانية بكافة تداعياتها وتشعّباتها وخاصة الاقتصادية بالسياسة الفرنسية في المنطقة، واعتماد السياسة اللبنانية الخارجية على الغرب، وارتباطه بها بدأت مع ميشيل شيحا المهندس الرئيسي للنظام اللبناني.

بعد الاستقلال تولى شارل مالك مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة محاولة ربط السياسة اللبنانية بكلّ تداعياتها بالسياسة الأميركية وإشراك الولايات المتحدة بالشأن اللبناني الداخلي، وعليه فقد ظلّ الغالب في التفكير السياسي الاتجاه إلى الغرب.

هذه الأجواء دفعت لبنان للانضمام إلى أحلاف ومساندة قوى كبرى في العالم وقضية الحمايات الأجنبية أكبر دليل على ذلك، وعليه فقد قاموا ببناء البيت اللبناني على الطراز الأوروبي السياسي الاجتماعي الاقتصادي.

بعض الأصوات تقول بأنّ لبنان هو نموذج للعيش المشترك، والطروحات التي تدعو لتغيير هذه الميزة والتوجه حصراً نحو الشرق غير مقبولة لأنها مخالفة للفرادة اللبنانية في الانفتاح على العالم، مع العلم بأنه ما من أحد دعا إلى التوجه حصراً إلى الشرق ولا نعرف ما هي العلاقة في التوجه شرقاً بالفرادة والعيش المشترك، وكأنّ هذا التوجه والانفتاح لما فيه مصلحة لبنان الاقتصادية يتعارض مع هذه المفردات.

لبنان والشرق

موقع لبنان الجغرافي في نصف العالم يجعله بوابة الشرق نحو الغرب والعكس بالعكس، وهذا هو الدور المحوري والمميّز الذي عليه القيام به.

هناك نخب سياسية واقتصادية عدة شجعت التوجه نحو الشرق كبديل للارتهان للغرب، رضوخه الدائم للهيمنة الأميركية وقرار ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي تجعل منه تابع لمنظومة الغرب، فمقولة إنّ لبنان هو الرابط حصراً للشرق بالغرب ليس سوى شعار لتبرير ارتباط النخب البورجوازية فيه برأس المال الفرنسي منذ القرن الثامن عشر وبعدها بالرأسمالية الإنغلوساكسونية أيّ البريطاني والأميركي.

العالم يشهد صعود نجم بعض دول الشرق الصين روسيا الهند مقابل تهاوي وانزلاق النموذج الأميركي، فمصلحة لبنان عدم وضع البيض في سلة واحدة والالتفاف شرقاً، والبدء بفصل الليرة عن الدولار كون هذا الخيار أبرز أساليب أميركا للهيمنة على بلادنا.

فالعروض الصينية فقط تصل إلى 20 مليار دولار وهي مشاريع ترغب في تنفيذها وهم بانتظار الإرادة السياسية لقيادات الصف الأول وأركان القرار في لبنان.

لا يوجد في قاموس الدول صداقات أو عداوات دائمة بل مصالح، والعلاقات بين الدول تبنى على المنفعة المتبادلة، وعليه فمصالح دول الشرق مع لبنان واضحة للعيان وأهمّها في رسوّه على شاطئ البحر التموسط، هذا العامل وحده يرفد الكتلة الأوراسية بنوع من الرصيد في حال عززت علاقاتها بنا لأنه يسهل وصولها إلى شرق المتوسط.

أيضاً ما يهمّ الصين في الإنفتاح على لبنان خط التجارة التقليدي المعروف بـخط الحريرالذي يفتح خطوط تجارتها إلى الشرق الأوسط.

كذلك تكشف مؤشرات عديدة عن اتجاه روسيا نحو تعزيز حضورها الاقتصادي في لبنان لما فيه مصلحة البلدين، من توسيع نطاق التعاون في الطاقة وتزويد السوق اللبنانية باحتياجاتها من منتجات الطاقة وهي مكاسب لكلا الطرفين وهي أيّ روسيا رحبت في أكثر من مناسبة باستقبال السلع الزراعية اللبنانية لا سيما الخضروات والفواكه، وعرضها الدائم لتزويد لبنان بالغاز الطبيعي المُسال، وأيضاً فالأراضي اللبنانية لا سيما الحدودية مع سورية تمثل مجالاً حيوياً محتملاً للشركات الروسية للعمل منها في إعادة إعمار سورية.

ختاماً ذكرنا بشكل مختصر جداً علاقة لبنان بالشرق والغرب هذه العلاقة التي يجب عليه المحافظة عليها لما فيه مصلحته وأن لا يدخل في لعبة الأمم التي لا ترى إلا مصالحها وكي لا يصبح ورقة في يد أيّ من تلك الدول (الشرق أو الغرب)، فلا يمكن له الوقوف على قدم واحدة لمدة طويلة لأنه سيسقط ومن الحنكة والمنطق أن يقف على قدمين كي يحافظ على توازنه الداخلي والخارجي، وبالتالي كي لا يسقط عند أيّ منعطف أو مفترق.

يجب على لبنان أن يزاوج ويوازن بين هويته وهواه، فإن كان هوى الغرب سيجلب لنا المشاكل والانهيار والاستحمار والهيمنة لا نريده ونفضل هويتنا المشرقية لأنها الأساس وفيها نشأنا ومنها انطلقنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى