مقالات وآراء

أهمّ تهديد للسلم والأمن العالميين

 

}  د. علي فهيم دانش*

 في اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير لتمديد حظر التسلح، كرّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مزاعمه الكاذبة ضد بلدنا، متسائلاً: «إنْ لم تكن إيران تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، فأيّ شيء يمكن أن نعدّه تهديداً؟

الردّ على وزير الخارجية الأميركي المحترم، في ضوء الأدلة المتوفرة، يمكن أن يكون كلمة واحدة، إنها «الولايات المتحدة الأميركية». ولأسباب واضحة، قد نوقشت في ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، إنّ أهمّ تهديد للسلم والأمن العالميين هو النظام الأميركي. لقد أحصى مجلس الأمن تسعة مؤشرات تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين هي: «انتهاكات حقوق الإنسان، الإرهاب، أسلحة الدمار الشامل، الجريمة المنظمة، التلوث وتدمير البيئة، الدول الهشة، تفشي الأمراض المعدية والجائحة، والشعبوية (الافتقار إلى الديمقراطية) التهجير القسري والهجرة.

يمكن العثور وبكلّ وضوح على الكثير من الأمثلة على النقاط التسعة المذكورة أعلاه في الوضع الداخلي والدولي لأميركا. عدم الكفاءة في إدارة أزمة كورونا والوصول إلى نقطة لا يمكن السيطرة عليها في الولايات المتحدة، حيث يُظهر الرسم البياني أنّ حوالي 30.000 شخص يموتون شهرياً في أميركا، وباعتراف وزير الصحة أنهم بدأوا يغلقون نوافذ الأمل في إدارة أزمة الكورونا. الانتهاكات الواسعة والممنهجة لحقوق الإنسان داخل البلاد، موجة المهاجرين غير الشرعيين الذين يقدّر عددهم بعشرة ملايين من أصول إسبانية في الولايات المتحدة، وقد دعا ترامب إلى ترحيلهم في أقرب وقت دون محاكمة، قائلاً إنه لا يمكننا أن نسمح لهؤلاء الأشخاص بغزو بلادنا. المعاملة اللاإنسانية للمهاجرين من قبل حكومة الولايات المتحدة، وخاصة لأطفالهم، عرّض البلاد لموجة واسعة من الانتقادات من داخل البلاد وخارجها. لقد جعلت الولايات المتحدة، حياة شعوب أميركا اللاتينية صعبة للغاية من خلال تدخلها في الشؤون الداخلية لتلك الدول، وأجبرتهم على الهجرة إلى الولايات المتحدة. وقد دفع مثلث الفساد والعنف والحصانة المسيطر على البلاد، أميركا إلى شفير الإفلاس. هذا وتحاول النخب الحاكمة الوصول إلى السلطة عبر استغلال المواطنين، وأصبحت المؤسّسات الديمقراطية آلية للقمع. يُرتكب الاحتيال المالي وجرائم الشركات في ظلّ غطاء الإفلات من العقاب. الفساد آخذ في الارتفاع بسبب الاستخدام غير المشروط للعنف في داخل وخارج الولايات المتحدة، وتقوم الأجهزة التنفيذية للقوانيين، بمضايقة واحتجاز المواطنين، وإذا كانوا من السود فهي تُقدم على قتلهم دون أيّ مسوغ، الأمر الذي أدّى إلى عدم رضى حوالي 90٪ من الأميركيين عن الوضع في بلادهم.

 تراجعت الولايات المتحدة إلى أضعف موقف مرّت به قبل عدّة عقود، في حين أنّ العقيدة الأميركية الرسمية، التي تمّ توضيحها أيضاً في وثيقة استراتيجية الأمن القومي لعام 2018، تركز على أنه «لا يمكن تحقيق السلام إلا من خلال القوة» و»السلام من خلال القوة العسكرية». وقد أسّست لذلك. خطاب ترامب القسري وأحادية واشنطن، البعد عن مشاركة وإعطاء دور للمنظمات والمؤسسات الدولية، عدم الاعتناء بالقانون الدولي والتزامات الحكومات وانتهاكها المتعمّد لها، دعم الوجود غير الشرعي للكيان الغاصب للقدس، الانسحاب الأميركي من اتفاقية التجارة عبر الأطلسي، الانسحاب من اتفاقية تغيّر المناخ في باريس، الانسحاب من الاونسكو، معارضة إعلان نيويورك للمهاجرين واللاجئين (2016) بحجة عدم تأمين المصالح الأميركية، الانسحاب الرسمي من الاتفاق النووي وإعلان النية في إعادة النظر بشروط اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مع روسيا، نقد معاهدة تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، هي من بين أهمّ التهديدات للسلم والأمن الدوليين. دولة تعتزم إبقاء مجلس الأمن رهينة لسياستها الداخلية واستبدال الحقوق الدولية بحقوقها الداخلية وتعريض السلم والأمن العالميين للخطر؛ ولا شك أنه ومن خلال تطبيق قواعد القانون الدولي وسيادة القانون، يمكن للعالم مواجهة نزوات أهمّ تهديد للسلم والأمن العالميين ومنع الاستخدام المفرط للقوة الذي ادّعته القوى المهيمنة في يوم من الايام، من المنظمات الدولية.

*خبير في الإعلام والقانون الدولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى