أولى

عهد يتجدّد…

 بشارة مرهج _

في الوقت الذي يتعرّض فيه الشعب الفلسطيني الى أعلى درجات الظلم والعدوان على يد الكيان الصهيوني الغاصب تدعو بعض الأصوات النيابية في لبنان المجتمع الدولي إلى إخراج الفلسطينيين وإعادتهم الى بلادهم، موحية بأنّ الفلسطينيين ومعهم الأخوة السوريون هم السبب الحقيقي وراء أزمة لبنان الاقتصادية وكأنّ أركان الطبقة الحاكمة في لبنان هم مجموعة ملائكة لم تقرب مالاً حراماً ولم تمدّ يدها الى جيوب الناس ولم تسطُ على ودائع المغتربين، أو كأنّ الحصار الأميركي الخانق على لبنان لا يفاقم الأزمة الاقتصادية ولا يزيد من منسوب المجاعة التي تستبدّ بقسم كبير من المواطنين والقاطنين وتنتشر بينهم انتشار النار في الهشيم.

أما الأقسى من هذا الإيحاء الاقتصادي فهو الإيحاء السياسي الذي يزعم أنّ الفلسطيني يقيم سعيداً في لبنان مع أنه يتعرض كاللبناني وأكثر إلى مظالم لا تحتمل على صعيد المعيشة والعمل والتعليم والطبابة والإسكان والاوكسجين المفقود في المخيمات، مما يجعل حياته بائسة لا يضيئها ويشيع في أرجائها الأمل سوى إرادة التمسك بهويته الوطنية والنضال المتواصل من أجل العودة إلى بلاده واستعادة حقوقه الكاملة، رافضاً كلّ العروض والمغريات، صامداً في وجه الإرهاب الصهيوني الذي بلغ ذروته في مجزرة صبرا وشاتيلا على يد العسكريتاريا الإسرائيلية وجماعاتها.

صحيح أننا تقاسمنا الشقاء والعذاب مع أخوتنا الفلسطينيين ولكننا تقاسمنا أيضاً الخبز والملح معهم من دون أن ننسى لحظة أنّ النضال المشترك الذي خضناه معاً في الجنوب والبقاع وبيروت وخلده وعين دارة ضدّ الاحتلال الصهيوني المتمادي هو الذي أسّس لمرحلة جديدة أشرقت فيها أنوار النهضة وسقطت فيها العنجهيّة الصهيونيّة تحت أقدام أطفال الحجارة وأبطال المقاومة ومعهم انتفاضة الشعبين اللبناني والفلسطيني.

وإذا كان البعض يُنكر عن جهل أو عن قصد هذا التحوّل التاريخي الذي تحقق بفعل التضحية والشهادة والدماء اللبنانية الفلسطينية فهذا لا يغيّر شيئاً من الحقيقة التي تتبدّى اليوم واضحة في عجز الكيان الصهيوني عن متابعة دوره المرسوم في كسر إرادة المنطقة وفرض التوطين عليها وإذلال شعوبها كما كان يفعل قبل حرب تشرين وعصر المقاومة. إلى الذي لا زال يعيش في الماضي أسيراً لتشنجاته وانكساراته فإنّ عهداً جديداً يشقّ الآن طريقه من بين الركام والدماء. إنه عهد البطولة الصادقة التي تختزنها صدور الأطفال والشباب في المخيمات والأحياء والحواري على امتداد الأرض العربيّة.

*وزير ونائب سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى