ترجمة التوجه شرقاً بقبول عروض المساعدات وانعكاسه على موقف لبنان التفاوضي
حسن حردان
الحرب الاقتصادية المالية التي تشنها الولايات المتحدة ضد لبنان، بهدف خنقه اقتصاديا وماليا ووضعه بين خيارين: الجوع أو الاستسلام… تطرح مهمة وطنية ملحة وهي التصدي لهذه الحرب وإحباط أهدافها الاستعمارية، وبالتالي التركيز على كيفية تحويل هذه الحرب، التي تستهدف خنق لبنان، إلى فرصةٍ…
- لإعادة النظر جذرياً في المسار الاقتصادي الذي قام على الاقتصاد الريعي غير المنتج مما حول لبنان إلى بلدٍ مستهلكٍ يستورد كل حاجياته من الخارج… ويعيش على الاستدانة والمساعدات الخارجية…
- والعمل على الترجمة العملية للقرار المبدئي بالتوجه شرقاً بقبول عروض المساعدات العراقية والإيرانية والصينية، وتحقيق التكامل مع سورية، باعتباره هو السبيل المتاح أمام لبنان للنهوض باقتصاد الإنتاج، وحل أزماته الخدماتية وإعادة بناء البنية التحتية لتكون قادرة على تمكين لبنان من تنشيط السياحة، وخفض كلف الإنتاج، وتسهيل التواصل بين الغرب والشرق… وبالعكس…
فما هي نتائج النجاح في ترجمة قرار التوجه شرقاً… هل يضعف موقف لبنان إزاء الغرب أم يقويه؟
أولاً، إنّ النجاح في إنجاز هذه المهمة الوطنية يشكل أولوية الأولويات… لأن الفشل بعدم الإقدام، سوف تكون له نتائج سلبية خطيرة على لبنان بجعله أكثر استباحةً وارتهاناً للسياسة والإملاءات الأميركية التي تصب في خدمة الأطماع الصهيونية في ثروات لبنان النفطية والغازية والمائية…
ثانياً، إن النجاح في هذه المهمة يتطلب بداية التخلي عن الرهان الحالي بإمكانية الحصول على مساعدات من الصندوق النقد الدولي والدول المانحة أو من دول الخليج، من دون ضوء أخضر أميركي… ومعروف أن واشنطن ربطت الموافقة على فتح حنفية المساعدات والقروض للبنان بموافقة الأخير على الشروط الأميركية التي تلبي الأهداف الصهيونية إن لناحية التنازل عن جزءٍ من حقوق لبنان النفطية والغازية في مياهه الإقليمية الخالصة، وتعديل مهمة اليونيفيل في جنوب لبنان بما يحولها إلى قوة حماية لأمن الكيان الصهيوني من خلال انتشار القوات الدولية على طول الحدود، ومنع أي تواجد للمقاومة وسلاحها في البلدات والقرى جنوب الليطاني…
وبدا واضحاً انه كلما ظهرت بوادر بتقديم مساعدات للبنان تحركت القوى المحلية التابعة لواشنطن إلى العمل على عرقلة ذلك، وهو ما كشفه بالأمس رئيس الحكومة حسان دياب، بحديثه عن أن بعض الأطراف اللبنانية اتصلت بحكومات عربية خليجية لتحريضها على الامتناع عن مد يد المساعدة للبنان بعد أن أظهرت هذه الحكومات استعداداً لذلك، لا سيما الكويت وقطر…
ثالثاً، إنّ المطلوب أيضاً عدم الاكتفاء بالتلويح فقط باللجوء إلى خيار التوجه شرقاً… وإنما العمل سريعاً على ترجمة عملية لذلك بالذهاب إلى العراق وسورية والصين وإيران وروسيا، وعقد الاتفاقيات التي تخدم مصالح لبنان الاقتصادية وتؤدي سريعا إلى وضع لبنان على سكة الخروج من أزماته، وإخراج اللبنانيين من ضائقتهم المعيشية ومعاناتهم الخدماتية الخ…
إنّ الانتقال العملي لترجمة خيار التوجه شرقاً، لا يضعف موقف لبنان وحكومته تجاه دول الغرب والخليج، بل على العكس فإنه يسهم في:
1 ـ تعزيز وتقوية موقف لبنان تجاه الولايات المتحدة، التي أدركت أن إشهار أهداف حربها الاقتصادية وتدخلها السافر في شؤون لبنان الداخلية كانت له نتائج سلبية بالنسبة لها وللقوى الموالية لها، ولهذا اضطرت إلى العودة إلى سياساتها السابقة بعدم الظهور مباشرة في الصورة ومراعاة حساسية الوضع الداخلي اللبناني والعمل من خلف الكواليس وممارسة الخداع بالظهور بمظهر وكأنها أعادت النظر بموقفها، وقررت مساعدة لبنان والتوقف عن سياسة الحصار والضغط والتدخل لإخضاع لبنان للشروط الأميركية الصهيونية… وهذا بالطبع غير صحيح، وإنما هو محاولة التفاف أميركية لامتصاص النقمة اللبنانية والعودة للانضباط بتوصيات جيفري فيلتمان، بقيادة المعركة من خلف الستار، حتى لا يتم إحراج وإضعاف القوى التابعة لأميركا، والتي تعتمد عليها واشنطن بتنفيذ أجندتها في لبنان…
2 ـ تعزيز موقف الحكومة التفاوضي مع صندوق النقد والدول المانحة من خلال القول أن لبنان ليس عديم الحيلة ولا خيارات أخرى لديه… وإذا كنتم تريدون المنافسة فعليكم أن تقدّموا عروضاً أكثر سخاءً للبنان من العروض العراقية والإيرانية والصينية الخ…
3 ـ تحقيق انفراج اقتصادي ونقدي في الداخل… لأن البدء بشراء النفط ومشتقاته والفيول والغاز من إيران وبالعملة الوطنية، أو عبر المقايضة بالمنتجات اللبنانية مع العراق، سوف تكون له انعكاسات سريعة بخفض الطلب على الدولار لشراء هذه المواد، والحدّ من نزيف العملة الصعبة المتبقية في مصرف لبنان وحماية ودائع اللبنانيين…