ثقافة وفنون

أمين الديب… ستفتقدك الكلمات

} د. عبدالله الشاهر

إليك أوجه شحنة حزني وأنت تغادر محطّات عمرك من دون وداعلكني لا.. لست منحازاً لحزني رغم الفراق.. لأني أعلم أن الذين هم الذين يمرّون بالحياة دون أن يتركوا فيها أي أثر.. هؤلاء هم الأموات.. أما أنت يا صديقي غادرت ولم تمت.. فكان بيننا فراق.. فماذا أقول فيك وطيفك لمّا يزل بيننا يشعرنا بحرارة اللقاء.. الذي غدا حلماً بماذا تراني أخاطبك وأنت الذي اخترت فضاءً أرحب من فضائنا.. وعالماً أنقى من عالمنا.. وفكراً أشمل من فكرنا.. وصمتاً أبلغ من صمتنا..

بماذا تراني أخاطبك.. وأنت تومض إبداعاً وتهطل تكثيفاً وتشرق إيجازاً فتستيقظ فيك معانٍ جديدة..

أتراك تصالحت مع روحك لتغادر جسدك نحو الضياء فأثرت الرحيل بصمتٍ بعيداً عن صخب هذا الوجود..

أم تراك اخترت الانسحاب من وجع هدّ مفارق عمرك المشبع بمحطاتٍ أرّقها برد السنين وأنت العصامي الذي أضنى الحياة كدحاً وأغناها عطاءً.. أحقاً تعبت.. وكنت أراك عبر السنين تضيف للحياة معنى جديداً وتخلق من قسوتها ورداً وعطراً..

فماذا تبدّل وأنت الذي لم يشكُ يوماً ولم يأبه بكل الظروف.. زرعت حياتك حدائق عشق برغم التشظي وكنت الوفي وكنت الصديق الصدوق..

أبا فراس أصدقاً رحلت؟..

فيا أيها الراحل عنّا نبلغك بأنك لم تزل بيننا بمحيّاك الجميل وإطلالتك التي تفيض وداً وروحك التي لا تعرف الحقد.. الروح التي أورقت شوقاً وتوقاً إلى حياة أفضل وإلى مستقبل أجمل للذين سمّرت وجوههم سطوة الشمس الحارقة وهم يعلنون دائماً أن الحياة انتصار.. أتراك انتصرت بذاكرتهم..

أعلم أنك كنت صديقاً للجمال.. كنت صديقاً للحب.. كنت صديقاً للحياة.. كنت صديقاً للغة.. كنت صديقاً للوطن.

فكيف أن الموت تخطّفك وأنت محاط بكل هذه الصداقات.. وكيف اختارك وأنت تعيش شغف العشق وارتقاء سلم الإبداع.. وكيف اختارك وأنت تومض بإنتاج أكثر ألقاً وأصالة وانفتاحاً وحضارة أم أنك أنت الذي اخترت الفراق فتاقت روحك النبيلة إلى بارئها فآثرت الرحيل..

لكن يا صديقي الذي رحل.. أطمئنك بأن أدبك الوجيز لم يثر فينا حماسة الانحياز لكل جديد.. وأن مشروعك «الأدب الوجيز» الذي أعطيته من عمرك وفكرك الكثير سيبقى يسير على خطاك..

ستبقى في ذاكرتنا الشاعر العاشق الذي أيقظ الكلمة من سباتها وموسقها وأرقصها ورقص معها حتى صارت القصيدة على يديك ومضة حب وبريق أمل وجذوة وجد..

ستبقى في ذاكرتنا الأديب الذي جعل العبارة غيمة تهطل خيراً ومحبة وإخاء فكان أدبك أدب الحب والإخاء والإنسانية.. ستبقى في ذاكرتنا الثائر المبدع على كل أشكال التخلف والركود والتقليد.. لأنك حملت لواء الإبداع والتجديد والتجاوز.. وستبقى في ذاكرتنا الوطني المخلص الذي حمل في ذاته هموم وطنه وأمته توقاً لحلم الريادة.

وبعدُ يا صديقي الذي غاب.. ستفتقدك الكلمات الرشيقة والعبارات الموجزة سيفتقدك الأدباء من كل البلاد العربية لأنك حملت مشروعك إليهم ليولد بينهم وعلى يديك بشرعية معلنة..

لك علينا أن تبقى في ذواتنا ومضة فكر نستمدّ منها حرارة الفعل.. وسيبقى لجهدك الذي بذلت منارة معرفة تشع على مدى الأجيال.

وسيبقى لذكرك أثر الياسمين الذي يفوح عطراً ويبرق نوراً..

لروحك الرحمة ولذويك ومحبيك الصبر والسلوان ولأدبك الوجيز الذي سترافقه روحك المعطاءة الانتشار والخلود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى