عربيات ودوليات

الحريريّة السياسيّة 
نحو نموذج جديد؟

} د. وفيق إبراهيم

رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في حركة سياسية جديدة، وضاغطة يستأنف فيها نشاطه السياسيّ الأوليّ بعد سبات له أسبابه الخارجية، يريد العودة إلى رئاسة الحكومة على متن سياسات فرنسية خارجية تمهد له تأييد التغطيات الخارجية للبنان المتجسدة في الأميركيين والإيرانيين وآل سعود.

هذا يضع مستقبل المعادلة التي بناها والده رفيق الحريري في إطار معادلة جديدة تتأسس على نمط جديد من العمل في المعادلة السياسية اللبنانية.

فرفيق الحريري استثمر منذ بداية مشروعه في معادلة ثلاثية سعودية أميركية وسورية أصبحت إيرانية بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في 2005 وكان يريد الإمساك بكامل لبنان السياسي من خلال تطويع القادة السياسيين للطوائف ومرجعياتهم الدينية.

هذا يؤكد انه كان يعمل على إلحاق كامل لبنان في إطار حريرية سياسية مدعومة دولياً وإقليمياً.

هذا لا ينفي نجاح رفيق الحريري في كسب الجمهور الأكبر في الطائفة السنية بل معظمها، لكنه لم يذهب ناحية التحريض المذهبي او الطائفي بل للتأكيد على مرجعيته الداخلية انطلاقاً من طرابلس وبيروت، وذلك لمنع أي اختراقات سنيّة قد تعرقل أدواره اللبنانية.

لذلك حاول المرحوم رفيق الحريري الاستفادة من المشروع الأميركي الذي بدأ بالحركة منذ 1990 بعد عام فقط على انهيار الاتحاد السوفياتي، معتبراً أن المنطقة ذاهبة نحو سلام مع «اسرائيل»، فراهن عليها معتقداً بإمكانية أداء دور سياسي كبير في الداخل السوري.

يتضح أن مشروع الرئيس السابق رفيق الحريري ذهب نحو الإمساك بكامل الطوائف مراهناً على ولاءاتها الغربية من جهة وانتهاء أدوار حزب الله من جهة ثانية، وارتباط زعاماتها بتمويل أحزابهم من الوظائف في الادارات والمال العام من جهة ثالثة.

هذه مداميك مرحلة الحريري الأب فماذا عن معادلة نجله سعد؟

الاختلاف كبير لسببين مركزيين: التبدل الذي حدث في المشهد الإقليمي شاملاً موازنات القوى فيه وصعود أدوار حزب الله وتحالفاته في الداخل اللبناني، وما كان ممكناً في زمن «الرفيق» أصبح متعذراً في مرحلة ابنه او المنتمين اليه سياسياً مثل السنيورة وسلام والميقاتي.

إقليمياً تعرض المشروع الاقليمي الاميركي لإخفاقات بنيوية في اليمن وسورية والعراق، ومنيت «اسرائيل» بهزيمتين بين الألفين وألفين وستة وسقط المشروع الإرهابي بالقضاء على دولة خلافة كادت أن تتحقق على اراضٍ سورية وعراقية.

ما استتبع صعوداً اضافياً لحزب الله باعتباره جزءاً اساسياً من المنتصرين عسكرياً.

هذا هو الفارق بين الشيخ رفيق الذي أتى الى لبنان بمشروع اميركي مقبل على المنطقة وبين الشيخ سعد الذي يحاول إعادة «قولبة» مشروع ابيه و»دوزنته» ليتلاءم مع الموازنات الجديدة، وعصر الانسحاب الاميركي القريب من الشرق الاوسط.

لذلك فهو مضطر لهذه الهندسة الجديدة على أساس أن الدور السعودي الكبير يتراجع بسرعة.

الأمر الذي اضطره لاستعمال الدور الفرنسي الطموح وقدرته على إعادة كسب السياسة السعوديّة الى جانبه.

داخلياً يعرف الشيخ سعد أن مشروع أبيه بالسيطرة على كامل طوائف لبنان من خلال الإمساك بالكاردينال صفير ووليد جنبلاط والعلاقات العميقة مع الرئيس بري. هذه مرحلة انتهت لمصلحة تأسيس دفاعات خاصة بكل مذهب، وله رئيسه ومعادلته الحزبية او السياسية بما يؤكد أن على الشيخ سعد العودة بقوة الى الملاذ السنيّ والسيطرة عليه. فبذلك يستطيع الإمساك الدائم برئاسة الحكومة عبر وسيلتين: سيطرته على المركز الأوسع والأكبر في السنية السياسية في لبنان وإقرار مبدأ عرفي يقضي بتسلم القوى السياسية الأكبر في كل مذهب للمواقع الدستورية الخاصة بها في رئاسات الجمهورية والنواب والحكومة.

لإنجاح هذه الطريقة، المطلوب من الشيخ سعد العودة الى اسلوب التحشيد المذهبي بالتحريض السياسي على قيادات من مذاهب وطوائف اخرى، والعودة الى أسلوب توزيع المكرمات والنجدات عند الأزمات. وهذا ما يجري تطبيقه حالياً من قبل الشيخ سعد ومعظم قيادات الطوائف والمذاهب اللبنانية الأخرى ومن دون استثناء.

يتضح أن الحريرية السياسية انتقلت نهائياً من معادلة كانت تعمل على الإمساك بكامل لبنان السياسي الطوائفي الى مستوى التموضع في إطار مذهبها السنيّ واستخدامه لتحقيق مكانة تقليديّة على غرار صائب سلام وتقي الدين الصلح وأمين الحافظ وآخرين.

هذا هو سعد الحريري الجديد بجولته على رؤساء البلاد وقادة الأحزاب بمواكبة العودة الى تجميع قادة الأحياء والعائلات في صيدا وبيروت وطرابلس وعكار والبقاع الغربي وإقليم الخروب.

لذلك فإن زمن سعد الحريري هو مثابة مدد لنظام طائفيّ كان منهكاً وعلى وشك الانهيار، فتأتي المرحلة الجديدة لإعادة نصب الحواجز المذهبيّة بما يوفر دعماً كبيراً لنظام 1948 و1990 – 2020 وتمديد عمر سياسيّ لطائفية يعمل كامل الوسط السياسي الحالي على تعميقها في المجتمع اللبناني لتحقيق مصالحهم وسياساتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى