الوطن

لبنان… «حارة كلّ من إيدو إلو» و«اللعب ع المكشوف»

} علي بدر الدين

بات واضحاً أنّ الطبقة السياسية الحاكمة، ربحت معركة البقاء في مواقعها السلطوية، وفي استمرار إمساكها بالسيطرة ووضع اليد، على ما تبقى من مقدرات وثروات وأموال عامة وخاصة، ومواصلة نهج الفساد والمحاصصة في الاقتصاد الذي انهار، والمال الذي تمّ نهبه وتهريبه، ومؤسسات الدولة التي صادرتها وشلت عملها، والإدارات الرسمية المفككة التي ترزح تحت التسلط والهدر والفوضى وقد نخرها سوس الفساد. لا نغفل قطاع الكهرباء الذي هو أشبه ما يكون بمغارة «علي بابا» الذائعة الصيت والشهرة التي تعجّ «بالحرامية «منذ عقود طويلة، والتي استنزفت خزينة الدولة وساهمت في تراكم ديون لبنان، من دون أن ينعم اللبنانيون بالتغذية بالتيار الكهربائي ولو بالحدّ الأدنى المقبول. على العكس تماماً فإنّ البلد يغرق في العتمة باستثناء ساعات ضئيلة من التغذية، التي توفرها المافيات من أصحاب المولدات المحمية بمعظمها من قوى سلطوية.

حبل الفساد والنهب والسمسرات والمتاجرة بحقوق الناس لم يتوقف عند هذا الحدّ. كأنّ الطبقة السياسية والمالية وكبار التجار، أقسموا على ألا يتركوا قطاعاً أو مؤسّسة أو سلعة خارج نطاق سيطرتهم، وتحويل لبنان وناسه واقتصاده وماليته ومؤسساته على أنواعها إلى ملكياتهم والتحكم فيها متى وكيف يشاؤون. هذه الطبقة تريد أن تنتقم من هذا الشعب الذي انتخبها وتبنّى خياراتها وأعاد إنتاجها رغم إهانته وإفقاره وتجويعه وقهره وإذلاله. وفق مثل «القط الذي يعشق خناقه».

المريب في الأمر، هذا السكوت الشعبي غير المبرّر على سلوك الطبقة السياسية والمالية المشين، ومعظم حكوماتها المتعاقبة ما شجعها على استكمال مخططها في السطو حتى على الدواء الذي يخفف من وجع المرضى من كلّ شرائح المجتمع اللبناني.

لم تكتف بما كدّسته من أموال، وراكمته من عقارات في لبنان والخارج، على حساب الفقراء من الشعب الذي هو الأكثر تضرّراً وحاجة، فقد تجرّأت بالشراكة او التواطؤ مع مافيات وشركات ومستوردي الأدوية الذين أخفوا الأدوية، وحرموا المرضى من حقهم في الحصول عليها، بذريعة رفع الدعم المالي الملغوم أساساً، عن بعض السلع الضرورية جداً ومنها الدواء، بحجة تراجع الاحتياط المالي بالدولار في مصرف لبنان. هذا يعني بكلّ بساطة قتل اللبنانيين إما بالانفجارات أو بالرصاص الطائش، وإما جوعاً أو مرضاً وبحرمانهم من حقهم في الحصول على الدواء الذي يدفعون ثمنه، وهو الأعلى سعراً بين الدول القريبة والبعيدة.

كان الرهان على الشعب لرفع صوته وقبضاته احتجاجاً على مشروع قتله، وقد وصلت «الموسى» الى صحته وسلامة عائلاته، وهو غارق في الفقر و«التعتير» والمجاعة التي تطرق الأبواب، والبطالة التي تتمدّد مع تمدّد جائحة كورونا التي تقتل البشر والحياة وتقفل الشركات والمؤسسات والمهن، وتشرّد الموظفين والعاملين من دون بصيص أمل بالخلاص، أو التخفيف من الخسائر والمعاناة والموت الذي يتربّص بالجميع، مرضاً وجوعاً وقهراً وذلاً بفعل فاعلين سياسيين وماليين وتجار الاحتكار ومستثمري الفرص من دون رحمة او ضمير أو مسؤولية تجاه البلاد والعباد.

نعترف أنّ الرهان على الشعب سقط. وانّ شعلة الغضب الشعبي لن تشتعل، وصوت الشعب المسكين لا يزال خافتاً، وقد ارتضى لنفسه ان يبقى مقهوراً ومذلولاً ومغلولاً ومغلوباً على أمره، لأنه بالغ كثيراً بتبعيته وارتهانه وخنوعه، لخناقيه وناهبي قوته وقوت عياله، وحرمانه من حقوق له كفلها الدستور والقانون والشرائع الإنسانية.

يبدو أنّ عطله عصيّ على التصليح وعن الحراك، لأنه ما زال يعتقد أنّ مكونات هذه الطبقة هم أولياء نعمته، مع أنهم هم الذين كرسحوه وشلّوه وخدّروه، ونالوا من إرادته وعزيمته، وخنقوا صوته وشلّوا قدراته، حتى وصل به الحال إلى الاستسلام لواقعه المزري القديم منه والمستجدّ.

نعم، الطبقة السياسية والمالية الحاكمة هي من يتسيّد المشهد العام، وكان لها الفوز المؤزّر على الشعب الذي قضى بالضربة القاضية المميتة. وقد تحوّل لبنان بفعل «الانتصار» الساحق إلى «حارة كلّ من إيدو إلو»، وكلّ طائفة أو مذهب أو مسؤول يغنّي على مصالحه وحصصه، يقرّر ويفصّل ويلبس الآخرين من دون حسيب أو رقيب. على العكس ينجح في استجرار الآخرين إليه لتقليده أو معاكسته و«ما حدا أفضل من حدا»، فالبعض يكلف نفسه لتشكيل الحكومة، قبل أن تحصل الاستشارات النيابية الملزمة للتكليف، ويصول ويجول ويرسل وفوداً وهو أساساً لم يكلف بعد. والبعض الآخر يهادن ويعارض ويقبل ويرفض، وفجأة يطلق صرخته بوضوح وعلى الملأ، بأنه لن يستقبل وفوداً ولن يساير أحداً وعلى «راس السطح» مطالباً بحصة وازنة في أيّ حكومة بعد ظلم وحرمان لحقا بطائفته. ثم يحتدم السجال حول المادة ٥٢ من الدستور بين مديريتي القصر الجمهوري والسراي الحكومية من دون طائل او تغيير، ربما والله أعلم لتسجيل موقف يحفظ ماء الوجه، منعاً لأيّ التباس أو اتهام عندما تفتح دفاتر الحساب، بينما هناك من يتباهى بأنّ لديه ١٥ ألف مقاتل تحت أمره ورهن إشارته، ويبدو أنه يسوّق لبيع شباب بيئته في السوق السوداء. في حين انّ السجال على أشدّه بين وزارتي الداخلية والتربية، حول فتح المدارس أو إقفالها خاصة وفي ما يقارب ١٧٠ مدينة محجورة ويفيض عنها.

وفي الضفة الأخرى وطن يهوي ودولة تنهار وشعب يموت أو يحتضر، في حين أنّ الطبقة السياسية لا تزال تتساجل على جنس الملائكة، وعلى الحصص في الحقائب لحكومة لم تولد بعد وقد لا ترى النور قبل هدوء الرياح الإقليمية والدولية الشديدة الخطورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى