الوطن

«قسد الكرديّة» تُحيي الإرهاب وتدعم الأتراك بأمر أميركي

} د.وفيق إبراهيم

ليس غريباً على الإطلاق أن تعمل «قوات سورية الديموقراطية» الكردية المعروفة باسم «قسد» بأوامر أميركية صرفة، لأن نشأتها ونموّها وسيطرتها على معظم شرقي سورية، هو وليد قرار أميركي وفّر لها التغطية العسكرية والسياسية والاقتصادية، مستغلاً الدور الخليجي لجذب عشائر سورية للتحالف معها، كما حماها من الغضب التركي الذي يخشى من تمدد أي مشروع كردي نحو الأكراد الاتراك الذين يزيد عديدهم عن 15 مليوناً فينتشرون على مساحات كبيرة في شرق تركيا ومدينة اسطنبول.

هي إذاً المرة الاولى منذ المجازر التي أباد فيها الاتراك مئات آلاف الاكراد في تركيا في 1920 ودفعهم الى النزوح الى سورية، هي المرة الاولى التي يظهر تعاون بين أكراد يعملون على الانفصال عن سورية التي استضافتهم قبل قرن تقريباً مع الاتراك الذين طردوهم من اراضيهم. وهذا سببه بالطبع المعلم الأميركي للطرفين بمشروعيهما التركي الاقليمي والكردي المتمركز في شرقي الفرات.

لكل هذه الاطراف الثلاثة الأميركي والتركي والكردي مبرراته لهذا الالتقاء، اولاً وقبل أي كلام تركي وكردي، فإن ما يجري هو استشعار أميركي بتراجع دور الأحادية القطبية الأميركية في العالم بالتوازي مع ضمور نفوذهم في الشرق الاوسط وجمودهم في العراق وتقهقرهم في سورية، وتقدم دور حزب الله في لبنان، ونجاح الدولة اليمنية في صنعاء بإلحاق هزائم بحلفاء أميركا الخليجيين، هذا الى جانب ان الأميركيين باتوا مقتنعين ان تحرير الدولة السورية مع تحالفاتها لمنطقة إدلب التي يسيطر عليها الاتراك ومنظماتهم الارهابية الاخوانية، يؤدي تلقائياً الى انطلاق الجيش العربي السوري لتحرير شرقي الفرات وقاعدة التنف الأميركية، أي إعادة بناء سيادة سورية على كامل أراضيها فابتكرت العدوانية الأميركية فكرة تحشيد التناقضين الكبيرين وهما أكراد قسد ودولة اردوغان التركية، على الرغم من التناقض العمودي، البنيوي بينهما، الذي يعرض بالعادة ضرورة وجود قتال مفتوح حتى هزيمة طرف وفوز آخر.

لكن الأميركيين وبمفردهم هم القادرون على الجمع بين الاعداد، وهذا ما فعلوه عندما افهموا الاتراك ان هزيمتهم في ادلب تعني خسارتهم مشروعهم، وبالتالي شرقي المتوسط، وأقنعوا آليتهم الكردية «قسد» ان تحرير الدولة لإدلب يعني ايضاً سقوط مشروعها الانفصالي في الشرق السوري، مقترحين التعاون الأميركي الكردي التركي المشترك لعرقلة تقدم الدولة السورية نحو ادلب.

بدا هنا أن رأس المهام لتنفيذ هذه الخطة ملقى على عاتق قسد او عبر أدائها أدواراً ترتدي اشكالاً انسانية لكنها تحمل في مضمونها مشروعاً لعرقلة الجيش السوري.

بأي حال، يجب إضفاء تبرير لحركات قسد، فزعمت ان لديها 19 عشر الف إرهابي داعشي في سجونها وتريد اطلاق سراحهم لأن معظمهم كان مغرراً به، والقسم الآخر تخلى عن الفكر الإرهابي وبات مقتنعاً بالتعايش مع الآخر.

ما يفرض اولاً سؤال «قسد» عن مواقع مئات السجون التي تحتوي على هذا القدر الكبير من الأسرى الداعشيين؟ وهل لدى قسد آلاف المدرسين الذين كانوا يلقنون اسرى داعش الهداية والرشد؟ والى أين تريد إرسالهم من طريق تركيا ام العراق وربما الأردن.

هذه اسئلة يمكن ان تتطور بسؤال داعش عن الطريقة التي أمنت فيها مئات ملايين الدولارات لرعاية 19000 الف أسير داعشي بالسجن والطعام والحراسة، مع الملاحظة ان «قسد» تخوض حروباً مع الأتراك تارة والإرهاب تارة اخرى والعشائر السورية مرة ثالثةهذا استناداً لتصريحاتها، فينكشف بذلك ان إعادة إحياء الارهاب الداعشي هو مشروع اكبر من طاقات قسد ويتعلق بالأميركيين والاتراك وقسد. الأمر الذي يظهر ان هذه القوى تعيد دفع الارهاب الى الحيادية وبعض نواحي دير الزور وادلب، مع دفع بؤر منها الى الداخل السوري المحرر، فالمطلوب هو على قدر طموح الثلاثي المخطط وبالتناسب مع امكانات داعش على احداث تخريب وعرقلة، وليس إلحاق هزيمة كما كان المشروع الارهابي في نموذج 2015.

لذلك يعتقد اصحاب التعاون الكردي ـ التركي ان الدولة السورية هي أكثر خطر عليهما، من أي موضع آخر لأنه يستهدف كليهما ولا يتواطأ مع أي طرف ضد الطرف الآخر.

هذا ما يسمح بالجمع بين الكردي ـ التركي لإنقاذ دوريهما التفكيكي في سورية، الى التقاتل بعد وقف تقدم الدولة السورية نحو ادلب، اما الدور التركي في هذا المشروع فهو الاستمرار في مراوغة الروس في ادلب وتنظيم الارهاب في مناطقها، وارسال وحدات عسكرية نوعية اليها، لذلك تشهد ادلب حالياً معارك كبيرة بين الفصائل الارهابية التي تحتلها وذلك للإبقاء على التنظيمات الداعشية الموالية فقط للمشروع الأميركي الجديد وليس لإعادة بناء دولة خلافة مزعومة اصبحت بعد انتصارات الجيش السوري، سراباً له طابع الخرافة والاساطير.

هذه إذا «قسد» المتوجهة لأن تكون ضحية الاستخدام الأميركي في سورية، ولم تتعلم حتى الآن ان الدول الكبرى تستخدم بعض أحلام القوى التقسيمية لتحقيق مصالحها فقط.

كما ان تركيا لم تعرف حتى الآن ان سورية العثمانية انتهت الى الأبد، وليس عليها الا الانسحاب وتسليم المناطق التي تحتلها الى الدولة السورية لأنها لن تتمكن من حمايتها من سورية المصرّة على تحرير آخر حبة تراب من مساحاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى