مقالات وآراء

عيد التأسيس: وقفة العز في حياة الأمة

} إياد موصللي

أسّس أنطون سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي وكانت البلاد ترزح ذلك الحين تحت نير الاحتلال الأجنبي متنقلة من التركي الى الانكليزي والافرنسي..! تهيمن عليها تقاليد وعادات عشائرية غريبة.. تائهة بين تعدّد الانتماءات وتشعّب الولاءات

دفعت هذه المشاهد بأنطون سعاده لأن يسأل نفسه ما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟ وهي الأمة التي ملأت صفحات التاريخ بإنتاج حضارتها وتقدّمها.. من الحرف واللغة الى الشراع والمراكب البحرية والاكتشافات والاحترامات مع كلّ ما سبق من شعوب مرّت عليها ما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟

أسّس سعاده الحزب بشكل سري مع خمسة من رفقائه وكانوا معه طلاباً في الجامعة الأميركية ببيروت.. ثم انتقلت هذه الدعوة وانتشرت في كثير من المناطق اللبنانية حيث لاقت رواجاً وقبولاً وانتظم فيها الكثير من الطلاب الذين تجاوز عددهم المئات خلال السنوات الثلاث الأولى من بدء العمل الحزبي السري الذي ما لبث ان انكشف أمره في عام 1935.

أسّس سعاده الحزب سرياً مع خمسة من رفقائه الطلاب في عام 1932. وبعد ثلاث سنوات انكشف أمر الحزب من قبل السلطات الافرنسية المنتدبة التي اعتقلت سعاده وعدداً من رفقائه والعاملين معه وأصدرت بحقهم احكاماً بالسجن وحكم هو بالسجن ستة لأشهر أنتج خلالها كتاب «نشوء الأمم».

أطلق سراحه وخرج من السجن بعد انتهاء فترة سجنه ثم أعيد اعتقاله مرة ثانية، وبداية عام 1938 أعيد اعتقالهوخلال وجوده في السجن وضع أسس كتاب «نشوء الأمة السورية» ولكنه لم يكمله وصادرته السلطات في السجن ولم تعده إليه.

بعد خروج سعاده من السجن استحصل على جوازات سفر وتوجه الى البرازيل وأقام هناك، وخلال وجوده انشأ تنظيماً للحزب وجريدة أسماها «سورية الجديدة»… انتقل من البرازيل الى الارجنتين وأقام في الاغتراب مدة طويلة أعاد خلالها تنظيم الحزب الذي انتشرت أفكاره بين المغتربين وكثر المنتمون إلى صفوفه وتوسع نشاطه.

وهناك تزوّج وأسّس عائلة ورزق بثلاث بنات، وبعد عودته الى لبنان قام بإعادة تنظيم الحزب وطرد المنحرفين

قال سعاده: «لم آتكم مؤمناً بالخوارق بل أتيتكم مؤمناً بالحقائق الراهنة التي هي أنتم».

منذ أن تأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي وأعلن عقيدته وهوية أمته انتمى الى صفوفه العديد من الشباب المؤمن بأمته.

هذه المدرسة خرّجت قوافل الأبطال والشهداء والمفكرين المؤمنين بأننا أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة وكان الحزب هو المدرسة التي أسّسها سعاده وخرّجت أجيالاً مؤمنة بأنها تنتمي إلى أمة حرّة وهي حرّة. أبناء هذه المدرسة وقفوا بقيادة زعيمهم في وجه عدو يريد إزالة تاريخنا ويريد محو أثرنا من الوجود..

اليوم في عيد تأسيس الحزب نقف إجلالاً لروح العطاء التي زرعها سعاده في نفوس المؤمنين بأمّتهم ووطنهم الذين آمنوا بأنهم لأمتهم حتى الدماء التي تجري في عروقهم هي وديعة الأمة لديهم متى طلبتها وجدتها.

تعلّمنا في حزبنا ان نقف وقفة العز ونعطي الشهداء. لقد أثبت حزبنا أنه حزب التضحية والعطاء حزب العقيدة والفكر والإيمان من أجل تحقيق الغاية التي تأسّس من أجلها وهي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد الى الأمة السورية حيويتها وقوّتها وتنظيم حركة تؤدّي الى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمّن مصالحها ويرفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية وإعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن. أعطينا وضحينا في كلّ الميادين من أجل عزّ أمّتنا.

وقال سعاده: «إننا فخورون بجراحنا لأنها جراح أعزّاء لا جراح أذلاء. واننا فخورون بإنكساراتنا لأنها كانت انكسارات مغلوبين غير مقهورين، واننا فخورون بانتصارتنا لأنها انتصارات غالبين غير شامتين!

اننا فخورون لأنّ مناقبنا كانت أقوى من شؤم الانكسار، ولأنّ إرادتنا كانت أغلب من صروف الزمان!

وإيماننا أشدّ رسوخاً منه قبل ما مرّ علينا من التجارب ويقيننا بالنصر الأخير أعظم منه في أيّ زمان مضى. فنحن نعلم والعالم يعلم انّ السوريين القوميين شعب حيّ مؤمن بحقه وعدل قضيته فلا الشدائد تميته ولا الأهوال تزعزع إيمانه ولا يوجد قوة على وجه البسيطة، روحية او مادية تقدر ان تردّه عن غايته.

اني أخاطبكم اليوم والوقت ليس وقت فرجٍ، والصعوبات لما تُزل من طريقنا. وقد تكون الصعوبات المقبلة أكبر من الصعوبات التي اجتزناها. ولكن كلّ هذا كان منتظراً عندي قبل مجيئه. فإذا تذكرتم كلامي الذي خاطبتكم به في أيام الكورة سنة 1937 لوجدتم اني حسبت كلّ الشدائد التي ستأتي ونبّهتكم إليها.

في أحد خطبي في الكورة قلت لكم: «انّ العراك بيننا وبين القوات الرجعية والإرادات الأجنبية لم ينته ولا بدّ من ان يستمرّ. فكلما ازددنا نمواً وتقدّماً ازداد الضغط واشتدّ العراك. ولن تكون للقوميين راحة حتى يتمّ النصر».

وقد قلت لكم، في خطابي المذكور آنفاً: «إنّ طريقنا طويلة لأنها طريق الحياة، انها الطريق التي لا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة أما الاموات وطالبو الموت فيسقطون على جوانبها

القضية القومية المقدسة تنمو وتتقدّم متغلبة على جميع هذه الصعوبات. فلا استمرار الحرب، ولا توالي المحن، ولا سقوط الفاشلين، يُزعزع مقدار ذرة من إيماننا بالنصر.

نحن القوميون الاجتماعيون نفتخر بأننا حاربنا بشيء أساسي بوعينا لحقيقتنا وإيماننا بها، ولم نحتج الى الميعان للإبقاء على نفوسنا، اننا نعتقد انّ لنا نفوساً لا يمكن ان تذوب وتفنى، قد تسقط أجسادنا اما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود. ولا يمكن ان تزول، وفي حربنا لم نستغث، في جهادنا لم نطلب نجدة ولم نستنجد، في جهادنا حملنا حقنا وسرنا مؤمنين. انّ النهضة القومية الاجتماعية قد وضعت على أكتافنا عبئاً كبيراً عظيماً، لأنها تعرف انها أكتاف جبابرة وسواعد أبطال. انّ كلّ ما فينا هو من الأمة وكلّ ما فينا هو للأمة، الدماء التي تجري في عوقرنا عينها، ليست ملكنا، هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها.

لذلك نحن حركة صراع، لذلك نحن حركة قتال، حركة صراع بالمبادئ التي نحمل، وقتال بالدماء الحارة التي تجري في عروقنا والتي سوف تحوّل أرض هذا الوطن الى وطن الزوبعة الحمراء المنطلقة لتحطيم كلّ نذالة وكلّ قبح، ولتصل بهذا الشعب الى المجد».

تاريخ الحزب هو تاريخ التضحية والجهد والجهاد لأنّ الحزب هو قضية، نهضة، رسالة وهذه الرسالة هي روح أمة أبت أن تدفن في تاريخ مصطنع وتكوين بعيد عن روحها وحقيقتها أرادت قوى متعددة ان تطمسه وتبعثره وتشتته.

فجاءت النهضة السورية القومية الاجتماعية تعمل على بعث التاريخ الحقيقي بكلّ وكامل معطياته من أجل هذا كان عمل وعطاء المؤمنين بهذه النهضة سخياً ومن أجل هذا سقط الكثير من الشهداء ومن أجل هذا امتلأت السجون ومن أجل هذا خاض الحزب الثورات لا سعياً للوصول الى حكم بل سعياً لاستعادة هوية وكيان يعطي هذه الأمة الحيوية والقوة..

وقال سعاده: «شهداؤنا هم طليعة انتصاراتنا الكبرى، انتصارات معنى الحياة على مجرد الوجود، انتصارات انّ الحياة في مبادئها ومثلها وغاياتها، وليست في مجاريها الاعتيادية، انهم يمثلون أول انتصار كبير لإرادتنا وعزيمتنا، انهم سقطوا ليثبتوا وثبتوا حياتنا القومية الاجتماعية ثبتوها بالفعل، واثبتوا للملأ انّ القوميين الاجتماعيين ليسوا بمتراجعين عن عقيدتهم وانهم ماضون ليحققوا آخر غرض من أغراضها وآخر حرف من حروفها، هي عزيمة تطلب الموت متى كان الموت طريقاً الى الحياة، هي عزيمة قد عبّر عنها شهداؤنا الخالدون الذين عملوا لمبادئ النهضة القومية الاجتماعية الراسخة وبذلوا نفسوهم في سبيلها وأعطوا حياتهم كلها لها، من أجل ذلك هم يثبتون بثباتها ثباتاً خالداً، هم خالدون ولا يزولون ولا يضمحلون لأنّ هذه النهضة العظيمة خالدة، انّ لهم تقديرنا واحترامنا وشكرنا».

اليوم أقف متأمّلاً حامداً شاكراً انني على قمة مجد صنعته هذه النهضة، أقرأ في الأفق أسطر قصة كالأسطورة كتبها أبطالنا وشهداؤنا بدماء السخاء في العطاء لتستمر الأمة في البقاء تحارب بتاريخها وأمجادها التي هي مخزنة في أمهات الكتب والرسالات.. كتابات اقرأها أسطراً فوق سماء بلادي وأرى الدماء التي كتبت بها لا تزال طرية ندية ترافقها أصوات الشهداء من أبناء هذه النهضة. واسمعهم ينادون ويقولون: يا رفقاءنا صونوا قضيتنا حافظوا على رسالة الحق والخير والجمال.. لا نريد دموعكم تذرف عندما تذكر مواقفنا يتقدّمنا سعاده زعيمنا.

يا رفقاءناانّ الوقفة التي وقفناها خلف زعيمنا كانت من أجل ان نشقّ لكم طريق العبور نحو الحياة

بين أيديكم قضية تساوي الوجود كله وسوّرناها بأرواحنا وحصّناها بدمائنا لتكون سيفاً وترساً تواجهون به من يريد لأمتنا ولعقيدتنا ولسلوكنا الأذى والعار

انّ ازمنة مليئة بالصعاب تمرّ على الأمم الحية فلا يكون لها خلاص منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدةيا أبناء العقيدة اسمعوا النداء الآتي من بعيد.. صونوا وحدتكم.. صونوا عقيدتكم ولا تخافوا التضحية بل خافوا الفشل..

تذكروا نداء الزعيم: كلّ أمة إذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوّتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الاطلاق.. ويجب ان نعارك، يجب ان نصارع، يجب ان نحارب لنثبت وجودنا وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً.

عوا مهمّتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى