عربيات ودوليات

ماكرون أمام تحدٍّ صعب في مواجهة بوتين وإردوغان

يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه أمام تحدّ مزدوج منذ وقف إطلاق النار في ناغورني قره باغ يتمثل بـ«المحافظة على بعض النفوذ في هذا الملف في مواجهة موسكو وأنقرة مع تلبية تطلعات التيار القوي المؤيد للأرمن الذي يطالب فرنسا بموقف قويّ».

فبعدما ندّد بالتدخل التركي إلى جانب باكو وإرسال «جهاديين» سوريين موالين لتركيا إلى منطقة النزاع خلال المعارك التي استمرت ستة أسابيع بين أذربيجان وأرمينيا، انتقل الرئيس الفرنسي للدعوة إلى «إشراف دولي» على وقف إطلاق النار الذي أبرم في التاسع من تشرين الثاني برعاية روسيا.

ويتمسك ماكرون بدور مجموعة مينسك للوساطة في هذا النزاع التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا منذ العام 1994 والتي عليها برأيه «استعادة دورها كاملاً»  في البحث عن تسوية سياسية للنزاع العائد إلى حقبة انهيار الاتحاد السوفياتي. وأعلن إقليم ناغورني قره باغ الواقع في أذربيجان وتسكنه غالبية أرمنية، استقلاله من جانب واحد العام 1991.

وتُعرب فرنسا عن خشيتها من أن تتمكن تركيا بموافقة روسيا من المشاركة في عمليات حفظ السلام، خصوصاً أن إطار هذه المهمة يبقى مبهماً.

إلا أن عدداً من المراقبين يرون أن مجموعة مينسك التي تعتبر انعكاساً لمرحلة ما بعد الحرب البادرة لم تعد تتوافق مع الواقع الجيوسياسي الراهن الذي يشهد انكفاء أميركياً وعودة قوية لروسيا ولقوى إقليمية على الساحة الدولية.

ويرى الخبير في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس ديدييه بيون أن «مجموعة مينسك كما شكلت بالأساس قد انتهت. لقد قام فلاديمير بوتين بضربة معلم فيما سجل الأتراك نقاطاً سواء أعجبنا الأمر أم لا».

ويضيف «تجد فرنسا نفسها خارج اللعبة، لأنها وقفت إلى جانب أرمينيا، مع أن وضعها كوسيط يحتم عليها الحياد».

وفي الواقع، وجدت السلطة التنفيذية الفرنسية نفسها في مواجهة ضغوط كبيرة من الجالية الأرمنية البالغ عدد أفرادها نحو 600 ألف في فرنسا وجزء من الطبقة السياسية المتعاطفة مع قضية جرائم الإبادة التي لحقت بالأرمن والمتخوّفة من «التوسع» التركي في المتوسط والقوقاز.

وأكد إيمانويل ماكرون من جهته أن «ما من أحد محايد تماماً في النزاع»، مشيراً إلى أن «روسيا تنظر قبل كل شيء إلى المنطقة على أنها امتداد مباشر لها، فيما لتركيا مطامع فيها».

وشدّد الرئيس الفرنسي على أن «على الولايات المتحدة أن تشارك إلى جانبنا من جديد»، معولاً على الرئيس المنتخب جو بايدن.

ويرى بعض المراقبين أن على فرنسا «التخلي عن مشاركتها في رئاسة مجموعة مينسك نظراً إلى قربها من أرمينيا وعلاقاتها المضطربة أصلاً مع تركيا».

ورأى الخبير في مركز كارنيغي أوروبا للأبحاث توماس دي فال أن «دولاً مثل ألمانيا والسويد لديها علاقات أكثر توازناً مع أرمينيا وأذربيجان يمكنها على الأرجح القيام بالمزيد».

ودعا البرلمان الأذربيجاني أول أمس، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى استبعاد فرنسا من مجموعة مينسك بعد إقرار مجلس الشيوخ الفرنسي نصاً يطالب بالاعتراف بناغورني قره باغ.

لكن وزير الخارجية الفرنسي جانإيف لودريان يرى أن فرنسا العضو في مجلس الأمن الدولي تحافظ «على ثقلها السياسي في هذه القضية» حتى «لو أن قوتها أقل من قوة روسيا».

إلا أن السلطة التنفيذية الفرنسية تجد نفسها محرجة بعد إقرار مجلس الشيوخ الأربعاء النص المؤيد للاعتراف بناغورني قره باغ، مع أنه غير ملزم.

وحذر ماكرون قائلاً «ما أن تعترف فرنسا بناغورني قره باغ لن تبقى لها علاقات دبلوماسية مع أذربيحان»، وستخسر أي ثقل لها في المفاوضات. واستبعد راهناً أي خطوة في هذا الاتجاه.

وتفضل باريس في الوقت الحالي التركيز على المساعدة الإنسانية لأرمينيا التي يتدفق إليها لاجئون من مناطق استعادت أذربيجان السيطرة عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى