رياضة

عزّت كنج … «مصارع» عالميّ خارج الضوء! أحرز بطولة العالم العسكريّة في القاهرة ـ 1963

} إبراهيم موسى وزنه

متأثراً بأبطال لبنان في لعبة كمال الأجسام، وتحديداً بمليح عليوان، ومتوثباً لتسجيل اسمه بطلاً في رفع «القيمات» بين أقرانه في الحيّ الذي يقطنه في الشيّاح، ومتميزاً في الرياضة المدرسيةمتسلّحاً بهذه الصفات، اندفع عزّت محمد كنج، المولود في الشيّاح في العام 1933، الى الساحات الرياضية والشبابية مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، ليجد نفسه بعد سنوات من الاجتهاد والتدريب بطلاً فوق حلبات المصارعة الحرة، ومتوّجاً مسيرته الرياضية بإحرازه بطولة العالم العسكرية في المصارعة الرومانية في العام 1963 في القاهرة.

عاش عاشقاً للتحدّيات

تكريماً لإنجازه العالمي في المصارعة، وتقديراً لعطائه اللامحدود في دعم الرياضيين، إرتأينا أن نفلفش في صفحاته، سعياً لتعريف المهتمين بسيرته ومسيرته.. فمن هو عزّت كنج؟

رياضي بالفطرة، يعشق التحدي، ممشوق القامة (184 سم)، ومتسلح برغبة جامحة لإثبات ذاته في الميادين الرياضية. على هذا الرصيد اعتمد عزت كنج فانطلق متألّقاً في عدد كبير من الألعاب كألعاب القوى وكرة القدم وكرة السلة والكرة الطائرة وكرة الطاولة، إلى جانب التربية والقوة البدنية والمصارعة، ومن بوّابة الأخيرة دخل الى عالم الإنجازات باسم لبنانكل لبنان كما يحب أن يؤكّد.

في بيته المتواضع في الشياح، حدّثنا عن إنجازاته الرياضية وما أعطته من معنويات، بحكم تجاوزه الثمانين من عمره سقطت بعض الأسماء من ذاكرته، لا بل غابت محطّات كثيرة كان فيها البطل والمجلّي،فجأة، توقّف عن الكلام وقام إلى مكتبة جانبية، سحب من أحد الأدراج ميداليته الذهبية وشهادات التقدير والأوسمةولما سألناه، لماذا لا تعلّقها على الجدار لإبرازها أمام الزوّار مستأنساً بتاريخك الناصع؟ رد بابتسامة هازئة: «مش حرزانة»… ثم أكمل مفجّراً ندمه وغضبه في آن، وقال: «بصراحة لم آخذَ حقي في الرياضة كما أخذه الآخرون ممن انجازاتهم دون إنجازاتي، ولا أخفيكم بأنني طلبت من أولادي بألا يلعبوا رياضة مع أي ناد ونصحتهم بأن يمارسوا الرياضة حرصاً على صحتهم فقط».

البداية من نادي أسامة

سألناه، ماذا تخبرنا عن دوافعك لخوض الألعاب القتالية، وأنت المحاط بنجوم رياضيين في معظم الألعاب الجماعيّة؟ فأجاب: «إعجابنا في صغرنا بجسم البطل مليح عليوان دفعنا، أنا وإبن خالتي أحمد جميل كنج ويوسف درويش الخليل، للانتساب إلى نادي أسامة الذي كان يرأسه الراحل فؤاد رستم، تدرّبنا في المصارعة مع الأبطال ابراهيم عواركه وخليل طه وأحمد نحله، بالإضافة إلى التربية البدنية لشد عضلاتنا وإبرازها، ثم انتقلنا إلى نادي دايفيد في الأشرفية، لكننا تركناه سريعاً عندما علمنا بأن صاحبه يحمل الجنسية اليهودية، ثمّ توجّهنا إلى نادي الشبيبة المسيحية قرب المتحف، وهناك تدرّبنا على يد المصارع الدولي البطل خليل أبي خليلوفي أوّل مشاركة رسمية لي في العام 1954 أحرزت بطولة لبنان للدرجة الثانية ثم بطولة الدرجة الأولى في العام 1955».

محاسباً ومصارعاً وإطفائيّاً

 ويكمل أبو محمد في حديث الذكريات: «لما كانت الرياضة قديماً وحديثاً ما بتطعمي خبزاً، فتّشت عن مستقبلي العملي، فتوظّفت بعد طول عناء كمحاسب في بلدية الغبيري بعد سلخها عن بلدية الشيّاح في العام 1956، لكن طموحي الرياضي ظلّ يلاحقني وخصوصاً في لعبتي المصارعة وكرة القدم، مع الاشارة إلى أنني تقدّمت إلى إمتحانات سلك الإطفاء في العام 1956 وحللت في المركز الثاني بين 1500 شابوللأسف أُلغيت الدورة على غرار ما يحصل في هذه الأيام، فبقيت في البلدية محاسباً، وفي الوقت نفسه مصارعاً باسم نادي أسامة، حيث شاركت في حفلات استعراضية عدة بمواجهة أقوى أبطال تركيا، إلى أن طلبوني للانضمام إلى سلك الإطفاء في العام 1959.. ويحزّ في قلبي أنهم فعلوا ذلك بناء لواسطة الوجيه محسن بيضون، بالرغم من أن علاماتي ونتائجي البدنية أكثر من ممتازة».

وفي «الإطفائية» أمضى عزت كنج أجمل أيّامه الرياضية، فشارك في معظم الفرق الرياضية، وفي العام 1960 صار يحكّم مباريات المصارعة إلى جانب مشاركته في بطولاتها، بالاضافة إلى اختياره ضمن المنتخب اللبناني الأوّل في المصارعتين الحرّة والرومانية، «كانت البداية ضمن وزن المتوسط ثم انتقلت وزن خفيف الثقيل».

حكاية ميداليّة «ذهبيّة»

 عن ميداليته الذهبية التي أحرزها في بطولة العالم العسكرية، يخبرنا:

«في العام 1963 شارك لبنان في بطولة العالم العسكرية في المصارعة (الحرة والرومانية) في مصر، يومها تشكّلت البعثة التي ترأسها الملازم أول محمد نعمان من 14 مصارعاً موزّعين ما بين الجيش ورجال الإطفاءومن رفاقنا في تلك السفرة أذكرهاني ابراهيم، زهير الريس، عبد القادر المصري، عبد زين وحسن خريس. أما عن إنجازات البعثة بعد انتهاء البطولة ، فكانت عبارة عن ثلاث ميداليات (برونزية وفضية وذهبية)»…  ويتذكر بطل الذهبية بأنّه شارك في وزن 97 كلغ (مصارعة رومانية) فيما لم يكن وزنه يزيد على 83 كلغ، ليقول: «لعبت في البداية مع مصارع أميركي وغلبته بالنقاط ثم لعبت مع آخر مصري وغلبته بفارق 15 نقطة، بعدها فزت على مصارع عراقي وآخر سوري (بالانسحاب) ليتم إعلاني بطلاً لوزن خفيف الثقيل للبطولة، وقلّدني ممثل الرئيس جمال عبد الناصر الميدالية الذهبية معانقاً ومهنئاًفيما تعامل رئيس البعثة اللبنانية مع الأمر ببرودة لافتةحتى أنّه لم يكلّف نفسه عناء التهنئة! وهذا ما شكّل أحد الدوافع التي حملتني لاحقاً على إعلان ندمي لممارسة الرياضة».

 ويضيف أبو محمد: «التضييق الوظيفي على حياتي الرياضية جعلني انسحب من الرياضة تدريجياً»، أمّا عن استفادته مادياً ومعنوياً من «الذهبية» التي حققها رافعاً علم لبنان فوق العلمين المصري والأميركي في القاهرة، فيجيب كنج متحسّراً: «لقد ترقيّت في عملي وحصلت على رتبة نقيب (في العام 1990) نتيجة إنجازاتي الوظيفية، وربما وحده الرباع محمد الطرابلسي استفاد من إنجازه الرياضي (وهو الذي أحرز فضية أولمبية في مسابقة رفع الاثقال في العام 1972 في ميونيخ) حيث رقّي إلى رتبة ملازم في العام 1973»، ثم يستطرد: «عندما عدتُ إلى لبنان محققاً إنجازي العسكري الدولي حصلت على تهنئة قائد الإطفاء الذي طلب لي مكافأة من بلدية بيروت، وبالفعل صرفوا لي 400 ليرة بعد شهر، وآلمني غياب المسؤولين عند استقبالنا على أرض المطار، حيث تواجد رئيس نادي أسامة الراحل فؤاد رستم وبعض الأقارب والأصحاب فقط».

وحكاية «كرويّة» أيضاً

كحال معظم أبناء الشياح، سعى عزّت كنج في مطلع شبابه إلى التألق في ملاعب كرة القدم، فاختار مركز المهاجم ولعب إلى جانب قريبه فوزي كنج (أحد أبرز المهاجمين في لبنان) فشاركه في تمارين فريق الراسينغ، لكن استدعاءه للالتحاق بالوظيفة في العام 1959 جعله يبتعد عن اللعبة الشعبية لسنوات، ثم عاد وواظب على ممارستها لاحقاً حيث كان يشارك في تمارين الفرق التي تتمرّن على الملعب البلدي (الملاصق لمبنى الإطفائية). وأشار «أبو محمد» إلى أنه لعب إلى جانب معظم اللاعبين المعروفين في تلك الأيّام كعدنان الشرقي والأخوة منتوفي وجوزيف أبو مراد وأنيس العنان وعباس رحال ومحمود برجاوي (أبو طالب) وسميح شاتيلا وغيرهم.

 موقف لا ينساه

 خلال قيادته لأحد النزالات التي جمعت بين أحد رفاقه في سلك الإطفاء مع مصارع من نادٍ محلي، يتذكر كنج: «فور إعلاني فوز الأخير سارع الضابط الموجود إلى الاعتراض على النتيجة العادلة التي أعلنتها وقد حصلت فوضى ومشاداتومن يومها أحجمت عن التحكيم نهائياً».

شهادة رستم بالبطل عزّت كنج

قبل وفاته، طلبت من رئيس الاتحاد اللبناني للمصارعة فؤاد رستم (مواليد العام 1923) أن يدلي بشهادته بالبطل الذي تخرّج من ناديه، فقال:

«عرفته رياضياً مثالياً، إبن عائلة محترمة خرّجت العديد من الرياضيين، ملتزماً بالتمارين وخلوقاً في تعامله مع المدرّبين والمصارعين، مخلصاً ووفياً لكل عارفيه ومتواضعاً في علاقاته مع الناس، متعدد المواهب الرياضية، خصوصاً عندما انتسب إلى سلك الإطفاء. لم يلتفت إلى العروض التي كانت تأتيه من الأندية من منطلق إخلاصه لنادي أسامة الذي استهل مسيرته الرياضية منه. أحرز ذهبية بطولة العالم العسكرية ولم يأخذ حقه الإعلامي آنذاك»… كبير يتكلم عن كبير.

 بطاقة شخصيّة

الاسم: عزّت محمد كنج.

تاريخ ومحل الولادة: الشيّاح 1933.

الوضع العائلي: متأهّل من نجاة كنج وله 6 أولاد (5 صبيان وبنت).

إنجازه الرياضي: إحرازه بطولة العالم العسكريّة في المصارعة الرومانية ـ وزن خفيف الثقيل (القاهرة 1963).

الوضع الوظيفي: تقاعد من عمله كنقيب في سلك الإطفاء في العام 1998 بعد 39 سنة خدمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى