ثقافة وفنون

هويّتها التاريخيّة الكنعانيّة لا جدال فيها ولذلك يسعى الاحتلال لطمسها.. قرية النبيّ صموئيل المقدسيّة

} جومانة محمود الصّالح*

تقع قرية النبي صموئيل الكنعانية على تلة شمال غرب مدينة القدس المحتلة، «وترتفع 859 متراً فوق سطح البحر، تبعد عن القدس قرابة 4 كيلومترات إلى شمال غرب القدس، وتقدر مساحتها 2261 دونم» (1)، وتعدّ أعلى تلال القدس؛ حيث تشرف القرية على مدينة القدس، وقد عُزلت القرية عن مدينة القدس وعن الضفة الغربية بالجدار الفاصل الذي تمّ إنشاؤه مؤخراً من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني فأصبحت مثل السجن الصغير معزولة عن المدن والقرى التي تحيط بها، وتعتبر قرية النبي صموئيل المقدسيّة من أهم القرى الزراعيّة ذات التربة الخصبة التي تنتج الخضار والحبوب ولا سيّما السمسم، وتزرع المحاصيل الزيتية والعلفية وأشجار الزيتون والحمضيات والتفاح واللوز والجوز.

ـ تاريخ القرية

دلّت الحفريات الأثرية في قرية النبي صموئيل إلى أن تاريخ القرية يعود إلى العصور الحجرية من خلال الآثار المكتشفة، ومرّت القرية بأحداث تاريخيّة من خلال تعاقب حضارات عدة في منطقة الشرق من الكنعانيّين والفرس واليونان والرومان والبيزنطيين الذين سيطروا على منطقة شرق البحر المتوسط في تلك الفترة ومنها مدينة القدس، وشهدت المنطقة أيضاً الحملات الصليبيّة المتتالية، وعصر الدولة الإسلاميّة من العهد الأمويّ والعباسيّ ـ حيث تمّ إنشاء مركز صناعيّ لإنتاج الفخار في قرية النبي صموئيل، ومن خلال الحفريات الأثرية عثر على الكثير من الأواني الفخارية التي تعود إلى تلك الفترة ـ إلى العهد الأيوبي الذي نشبت فيه معركة حامية الوطيس بين الصليبيين والمسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي الذي حرّر مدينة القدس واستعادها من أيدي الصليبيين في معركة حطين عام 1187م، ودخل إلى القرية وحول القلعة البيزنطيّة إلى مسجد عام 1720م وقام بتدمير الحصن والأسوار التي أنشأها الصليبيّون في القرية؛ حتى لا يعودوا إلى المكان، إضافةً إلى العهد المملوكي الذي تمركز في منطقة بلاد الشام ومصر، وصولاً إلى العهد العثماني الذي بدأ في الوطن العربي بعد معركة مرج دابق شمال حلب في سورية عام 1516م. حيث وقعت المنطقة العربيّة حينها تحت السيادة العثمانيّة ما يقارب الأربعة قرون اهتمّ العثمانيّون بقرية النبي صموئيل باعتبارها إحدى قرى بيت المقدس لا سيما بالمسجد الموجود فوق المقام الذي عُدّ وقفاً إسلامياً تابعاً للعثمانيين آنذاك.

وفي عام 1916 وُضعت فلسطين تحت الوصاية الدولية حسب اتفاقية سايكس بيكو التي عُقدت بين بريطانيا وفرنسا، وتنفيذاً لمؤتمر سان ريمو عام 1920 وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي سمح بهجرة اليهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين من أجل تحقيق خطة الدولة القومية اليهودية بعد منح بلفور وزير خارجية بريطانيا وعداً للصهاينة في تأسيس دولتهم المنشودة.

وفي نيسان عام 1948 تعرّضت قرية النبي صموئيل إلى محاولة احتلال فاشلة من قبل قوات البلماح الصهيوني، فبعد «الاستيلاء على يافا وضعت القوات الصهيونية خطة جديدة لاحتلال القدس أطلقت عليها اسم عملية (يبوسي) وتقضي العملية بالهجوم على المدينة من ثلاثة محاور: قرية النبي صموئيل من الشمال، وأريحا من الشرق، وبيت لحم من الجنوب، وعُيّن (إسحاق ساديه) قائد البلماح قائداً للعملية. وفي 23 نيسان وقع الهجوم على النبي صموئيل وكان هجوماً فاشلاً تكبّد فيه الغزاة خسائر فادحة (35) قتيلاً، ولم تحقق نتائج ملموسة» (2).

وفي عام 1967م دخلت إلى القرية حامية أردنية للدفاع عن القدس خلال حرب حزيران، ومع بدء المعارك سحب قائد الحامية قواته فسقطت القرية وتمّ احتلالها من قبل قوات الكيان الصهيوني التي عاثت فيها فساداً وتدميراً. فالخنادق التي نشاهدها على جانبي المسار في القرية هي من بقايا حرب الاستقلال أثناء فشل الهجوم الذي شنه البلماح. واستخدمت الخنادق أيضاً أثناء التصدّي لحرب حزيران 1967.

قامت قوات الكيان الصهيوني بعد السيطرة على القرية بهدم المنازل عام 1972م وصادرت القسم الآخر من المنازل بذريعة قدسيّة المقام من أجل بناء مرافق خدمية للسيّاح حول الموقع الأثريّ وبنت فيه كنيساً لليهود. وما لبثت أن بدأت السلطات الصهيونيّة بالحفريات والتنقيب على الآثار في القرية عام 1991م رغم أنها لم تجد شيئاً من الآثار «الإسرائيلية» المزعومة.

بالعودة إلى اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة في الثامن والعشرين من أيلول عام 1995م «تمّ تصنيف أراضي القرية كجزء من مناطق (ج) وهي مناطق تقع تحت السيطرة الصهيونية أمنياً وإدارياً؛ حيث يمنع الفلسطيني من البناء أو الاستفادة من أراضي القرية إلا بتصريح من الإدارة المدنية الإسرائيلية» (3).

ـ مقام النبي صموئيل:

سُميت القرية بهذا الاسم نسبةً إلى مقام النبي صموئيل، والمقام بناء أثري مجهول التأريخ، وقد نُسب إلى النبي صموئيل استناداً إلى روايات شعبية مستمدة من التراث الشفهيّ، رغم أنه لا وجود لشخصية «صموئيل» في التركة الأثرية او الكتابية في فلسطين، وجدير بالذكر أن حجارة المقام ونمط بنائه يختلف في أجزائه المعمارية، لأنها أنشئت في فترات زمنية مختلفة، وتم ترميمها أيضاً في فترتي العهد العثماني والانتداب البريطاني، ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن ظاهرة تشييد المباني فوق القبور هي ظاهرة سادت منطقة البحر المتوسط؛ «لتكون ذكرى خالدة لزيارتها وللدعاء وتقديم النذور، وإقامة الصلوات والمواسم والاحتفالات الدينيّة، وملجأ للمسافرين وعابري السبيل» (4).

فالمقام في اللغة اسم الموضع أو المنزلة، وهو لفظ كنعاني يعني المكان الذي يجسّد قداسةً ما، ويرى باحثون أن الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين رفع بناء البيت هو مقام، وقد ذكر في القرآن الكريم «إنّ أول بيت وضع للناس ببكة مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم» (5)، حيث اصطلح إطلاق اسم المقام على ضريح الأنبياء والأولياء وأهل الصلاح والتقوى. أما بعض العلماء «فقد ردّها إلى أصل يوناني (Mokamo= وتعني القبر)» (6).

ويعتقد اليهود أن بلدة الرامة هي المكان الذي دفن فيه النبي صموئيل المذكور في التوراة على أنه قاضٍويزعمون أن مكان الدفن موجود في كهف تحت الحصن المنتصب على قمة الجبل، وقد أقيم في العصر البيزنطي دير في القرية على أساس الرواية الخاصة بالنبي صموئيل، وأثناء الاحتلال الصليبي شيّد الصليبيون كنيسة فوق الدير في حوالي عام 1157م، وفي أعقاب انتصار المسلمين في معركة حطين عام 1187م وفتح القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي تحوّلت الكنيسة في أجزاء منها إلى مسجد، وفي عام 1523م أصدر السلطان العثماني آنذاك سليمان القانوني مرسوماً كلّف به السلطات المحلية بهدم جناح الكنيسة المتبقي وتحويل الموقع بالكامل إلى مسجد، في عام 1948 احتلّ الصهاينة فلسطين، وتعرّضت القرية إلى محاولة احتلال فاشلة من قبل البلماح الصهيوني، ثم عادت لاحتلالها عام 1967م. حيث بقي المسجد في مكانه في الدور الأرضي، لكن السلطات الإسرائيليّة سيطرت على المقام المتواجد في مغارة أسفل المسجد لتحوّله إلى كنيس.

ـ  مَن هو صموئيل؟

ذكر المؤرخ الطبري رواية تفيد بأن صموئيل «نبي الله جاء بعد يوشع عليه السلام، وقبل داوود عليه السلام، بعثه الله إلى بني «إسرائيل» بعد أن طغوا في الأرض، وهو أول الأنبياء العبرايين بعد موسى وقد أُشير إلى قصته في القرآن الكريم في سورة البقرة حيث ظهر لبني إسرائيل في فلسطين عدو لهم يدعى «جالوت» فأرسل الله لهم النبي صموئيل لكن قومه كذّبوه وقالوا له: إن كنت صادقاً ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، فبعث الله لهم «طالوت  ملكاً حيث اصطفاه الله على غيره وزاده بسطة في العلم والجسد» (7).

وتجدر الإشارة هنا إلى أن النبي صموئيل لم يذكر باسمه الصريح في القرآن الكريم إنما تمت الإشارة إليه في مواضع عدة من سورة البقرة، حيث ورد اسمه الصريح في سفر صموئيل في الكتاب العبري، وذكر اسمه أشمويل بن ألقانة بن يروحام نبي من أنبياء بني «إسرائيل»، وبالتالي فإنه من غير الممكن ضم ما ورد عن «صموئيل» في التوراة إلى ما ورد من إشارات حوله في القرآن الكريم، لتكوين رواية خاصة به أو معلومات مؤكدة حوله، نظراً للغموض الذي يكتنف سيرته، ونظراً لغياب الشواهد الأثرية والكتابية

ـ سياسة التهويد في قرية النبي صموئيل

قامت السلطات «الإسرائيلية» بهدم البيوت المحيطة بالمسجد ونقل سكانها إلى البيوت الفارغة التي هُجّر أهلها منذ عام 1967؛ بحجة البحث عن آثار إسرائيلية مزعومة، وقامت السلطات الإسرائيليّة أيضاً بترميم المنازل التي هدمتها وهجرت أهلها لتضع النقوش التي تمثل نجمة داوود في مقدّمة أبوابها في محاولة لاختلاق تاريخ يهودي في فلسطين العربية، وتسيطر الجماعات اليهودية المتدينة على المقام، حيث يمضي المئات ليلتي الجمعة والسبت وأيام الأعياد اليهوديّة هناك حيث ينامون على سطح المقام وفي مدخله وأمام المسجد كالقطعان.

الجامع في القرية شبه مهجور بسبب الإجراءات الصهيونيّة المتشددة من خلال ضرب المستوطنين للمصلين وإحاطة المسجد بأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة؛ في محاولة لطمس المعالم العربية الإسلامية التي تدل على أحقية الفلسطينيين في المنطقة، والسعي إلى تحويل المسجد إلى مكان أثري وسياحي وحديقة قومية، أما المقام في الطابق السفلي الذي يقع تحت المسجد يتخذه الصهاينة كنيساً لهم بذريعة مزاعم وجود النبي صموئيل. أما الطابق العلوي في المسجد فيفتح عند موعد الصلاة ويغلق مباشرةً خوفاً عليه من اعتداءات المستوطنين. في عام 1995م أصدرت السلطات الإسرائيلية أمراً بتحويل بعض دونمات من أراضي القرية إلى حديقة قومية في محاولة لتهويد القرية وتهجير أهلها واستثمار أراضيها لصالح الكيان الصهيوني. وتستقطب الحديقة في الوقت الحاضر سائحين وزائرين أجانب وتقدم السلطات شروحاً خطية لهم عن الموقع استناداً إلى الرواية الصهيونية المزعومة وتغييب الرواية العربية الفلسطينية. وقد أعلنت السلطات الإسرائيلية مؤخراً عن رغبتها في توسيع الحديقة القومية مما يعني مزيداً من التهجير والتشريد والتهويد من دون أي تحرك عربيّ واضح.

ـ الهوامش

1ـ دليل قرية النبي صموئيل، معهد الأبحاث التطبيقية، القدس، 2012، ص. 4 بتصرف.

2ـ د.اشتية، محمد، موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، دار الجليل للنشر، عمان، 2011، ص. 313.

3ـ دليل قرية النبي صموئيل، القدس، مصدر سبق ذكره، ص. 13.

4ـ الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثالث، ص. 257.

5ـ القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 97.

6ـ الولي، طه، المساجد في الإسلام، ص. 107.

7ـ الطبري، جرير، جامع البيان في تفسير القرآن، ج. 5، ط. 1، 1225هـ، ص. 297.

ـ المصادر والمراجع حسب الترتيب الأبجديّ:

1ـ د. اشتيه، محمد، موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، دار الجليل للنشر، عمان، 2011.

2ـ دليل قرية النبي صموئيل، معهد الأبحاث التطبيقية، 2012.

3ـ الولي، طه، المساجد في الإسلام، ط1، دار العلم، 1988.

4ـ الطبري، جرير، جامع البيان في تفسير القرآن، ج5، ط1، 1225هـ.

5ـ الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثالث، ط1، فلسطين.

6ـ القرآن الكريم.

 

*باحثة في التاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى