مقالات وآراء

«فورين بوليسي»: لم يتصالح أحد… على أي برٍّ سيرسو حصار قطر؟

بالتزامن مع اقتراب ولاية إدارة ترامب من نهايتها، تحاول الرياضوتفشلتقليص خسائرها بسبب سياستها الإقليمية الفاشلة.

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية تقريراً أعدّته أنشال فوهرا، مراسلة المجلة في العاصمة اللبنانية بيروت، سلَّطت فيه الضوء على مآلات المصالحة القطرية السعودية، وهل ستسفر المحادثات عن وضع حدّ للأزمة الخليجية التي دامت أكثر من ثلاث سنوات حتى الآن.

أيّ تقدُّم أحرزته المحادثات حتى الآن؟

في مستهلّ تقريرها، وصفت الكاتبة الزيارة التي قام بها كلٌّ من مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي المنتهية ولايته، وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومستشاره في منطقة الشرق الأوسط، إلى المنطقة في الأيام التي تشهد احتضار إدارة ترامب بأنها محاولة أخيرة لتوحيد الخليج العربي ضدّ إيران. لكن في الوقت الذي عادت فيه المملكة العربية السعودية وقطر إلى طاولة المفاوضات، بوساطة كويتية، لم نشهد إحراز أيّ تقدُّمٍ يُذكَر يضع حداً للنزاع المستمر منذ ثلاث سنوات؛ إذ لم يُرفع الحظر عن التجارة والسفر، الذي تفرضه مجموعة الدول الأربعةالسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصرعلى قطر. صحيحٌ أنّ محادثاتٍ أجريت بين السعوديين والقطريين، تحت ظلالٍ من الودِّ، بل بعث وزير الخارجية السعودي رسالة افتراضية مفادها أنّ الاتفاق صار «وشيكاً»، لكن ما زال المحللونرغم ذلكيُشكِّكون في إحراز تقدم.

وأوضحت الكاتبة أنّ نتيجة المحادثات التي طال انتظارها لإنهاء الحصار على قطر جاءت أقلّ كثيراً من التوقعات. وكان هذا الأمر مخيّباً لآمال الولايات المتحدة، التي عانت كثيراً من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة بسبب الخلافات بين حلفائها المتشاكسين. وهذا ما ظهر، على سبيل المثال، عندما كان ترامب يشنّ حملته «الضغط الأقصى» على إيران لخنقها اقتصادياً؛ إذ اضطرت الخطوط الجوية القطرية بسبب الحصار إلى استخدام المجال الجوي الإيراني، وهو ما أسهم بدوره في مساعدة الاقتصاد الإيراني بفضل المدفوعات المترتبة على هذا الإجراء. بالإضافة إلى ذلك، انعكس هذا التنافس على المنطقة بأسرها؛ إذ أُثقل كاهلها بأعبائه مع دعم قطر والإمارات فصائل متعارضة في صراعات عديدة داخل المنطقة.

تخفيف وتيرة التلاسن الإعلامي

وفي هذا الصدد، قال أندرياس كريغ، أستاذ مساعد في قسم دراسات الدفاع في كلية كينغز كوليدج لندن، ومحلل الشؤون الخليجية: إنّ الجانبين قد اتفقا حتى الآن على تخفيف حدة حملتهما الإعلامية بعضهما ضدّ بعض لبناء جسور الثقة. وأضاف كريغ قائلاً: «وقد تكون الخطوة التالية هي فتح السعودية حدودها الجوية أو البرية بادرة حسن نية». وربما يُعلَن بعض إجراءات بناء الثقة بين البلدين في قمة مجلس التعاون الخليجي المقرّر انعقادها في وقت لاحق من الشهر الحالي، لكن تظلّ الخلافات حول جوهر النزاع مستعصيةً على الحلّ على ما يبدو.

واستطردت الكاتبة قائلة: يكمن جوهر الأزمة والنزاع بين دول الخليج في علاقات قطر مع إيران ودعمها للجماعات الإسلامية، وعلى وجه التحديد، دعمها للإسلاميين السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب ما يُزعم من استخدام قطر لشبكة «الجزيرة» الإخبارية المملوكة للدولة لنشر رسالة جماعة الإخوان، والتحريض على اندلاع الانتفاضات الشعبية. وقد كان شرط قطع العلاقات مع إيران ووقف دعم الإسلاميين بالإضافة إلى إغلاق قناة «الجزيرة» من بين مطالب السعودية الثلاثة عشر لوقف الحصار على قطر، والذي يبدو وكأنه تقريع من أحد الآباء الغاضبين لابنه المراهق المنفلت. وربما تكون هذه بالضبط حقيقة الصورة التي ينظر بها الأمراء في السعودية والإمارات إلى ابن عمّهم القطري، الذي يرفض الانصياع.

وسيط مناسب

تشير الكاتبة إلى احتمالية أن تتخلص الدوحة من بعض قيادات الإخوان المسلمين، مثلما فعلت سابقاً في عام 2014؛ عندما قطع السعوديون والإماراتيون العلاقات الدبلوماسية معها بسبب الشكاوى نفسها، لكن قطر ليست مستعدة للانقلاب على سياستها المتمثلة في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف المنقسمة في منطقة الشرق الأوسط. وبدلاً من ذلك، تسعى قطر لتقديم نفسها بوصفها وسيطاً مفيداً للغرب في منطقة تُمزقها أطياف مختلفة من المنتمين للإسلام والصراعات العنيفة.

ويرى المحللون المؤيدون لقطر أنّ علاقة الدوحة القوية مع كلٍّ من طهران وواشنطن تجعلها وسيطاً مناسباً محتملاً عندما يرغب الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، في إعادة صياغة الاتفاق النووي الإيراني، والانضمام إليه من جديد. كما يتوقع المحللون إمكانية استخدام علاقة قطر بتركيا ونفوذها على المتمرّدين في سورية والقوات الموالية للحكومة في ليبيا لإنهاء هذه الصراعات التي طال أمدها.

مركز للأنشطة الدبلوماسية

يرصد التقرير دلائل متزايدة تشير إلى أنّ قطر تتصوّر نفسها بديلاً لسلطنة عُمان بصفتها المفاوض الرئيس للمنطقة، لا سيما بعدما لعبت الدوحة دور الوسيط بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في أفغانستان.

واستشهدت الكاتبة بما قالته نهى أبو الدهب؛ وهي زميلة في مركز بروكنغز الدوحة وبرنامج السياسية الخارجية بمعهد بروكنغز: «يتمثل حجر الزاوية في السياسة الخارجية القطرية في أن تكون بمثابة مركز للدبلوماسية. ويشمل ذلك باستضافة محادثات رسمية وغير رسمية بين جماعات مثل حزب الله والحكومة اللبنانية في عام 2008، وطالبان والحكومة الأفغانية، والتي أُجريت مؤخراً في عام 2020، بالإضافة إلى المحادثات بين حماس وفتح، والمحادثات بين جماعات دارفور المتمرّدة والحكومة السودانية في عام 2009. ولم يكن قطع العلاقات بالكامل مع دولة أخرى إحدى سمات السياسة الخارجية القطرية النموذجية على الإطلاق، ولا أرى أنّ هذا الأمر سيتغيّر حتى في ظل الظروف الراهنة».

صحيحٌ أن قطر نجحت في تجاوز الحصار الخليجي المفروض عليها نظراً لامتلاكها ثالث أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم. لكنها، مع ذلك، ترغب في رفع الحظر حتى يُمكنها توجيه الأموال التي تنفقها على ممرات التجارة الجوية والبرية والبحرية البديلة لصالح استعداداتها لتنظيم كأس العالم لكرة القدم في عام 2022. لكنها ترى عدم إمكانية إنهاء علاقتها مع إيران، وليس هذا بسبب اشتراكهم في حقل غاز عملاق فحسب، لكن الحصار الخليجي، للمفارقة، ضاعف من اعتماد قطر على إيران. إذ كانت إيران، مع تهديد دول الحصار إمدادات السلع الأساسية، أول دولة أرسلت إلى قطر إمدادات من الاحتياجات الضرورية مثل الخضار، إلى جانب فتح موانئها ومجالها الجوي أمام الخطوط الجوية القطرية. وحتى إنْ رُفِع الحصار، فلا توجد أيّ ضمانات تمنع إعادة فرضه من جديد، لذا فمن مصلحة قطر، إلى حدّ كبير، أن تحافظ على هذا الباب مفتوحاً.

التهديدات الأبرز للسعودية

واستدركت الكاتبة مشيرة إلى العلاقة المتأزمة بين إيران والسعودية، قائلة: إنّ السعودية كانت وما زالت تنظر إلى إيران على أنها تهديد منذ اندلاع الثورة الإسلامية في عام 1979، عندما برزت بوصفها نموذجاً ومصدر إلهام لعدد كبير من مجموعات المقاومة المنتشرة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. إلى جانب ذلك، تشعر السعودية بالقلق من تطوير أحد خصومها الطائفيين سلاحاً نووياً، وقد لا يكون الاتفاق النووي الإيراني كافياً لتبديد ذلك الاحتمال.

أما في ما يتعلق بعلاقات قطر مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد اكتسبت أهمية قصوى بسبب النجاحات التي حققتها الجماعة في الربيع العربي. إذ شعرت الأنظمة الملكية في منطقة الخليج بالرعب من أنّ صعود جماعة الإخوان المسلمين من دون أيّ عوائق سيؤدي إلى تهيئة الظروف لاندلاع الاضطرابات داخل ممالكهم، وربما يواجهون مصير حكام الأنظمة المستبدة أنفسهم، مثل الرئيس المصري حسني مبارك. وحتى اندلاع الربيع العربي في المنطقة، كان الخليج يغضّ الطرف عن أنشطة فروع جماعة الإخوان المسلمين في بلادهم، لكن ذلك تغيّر الآن؛ إذ تحظر السعودية والإمارات ومصر والبحرين جماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أنها منظمة إرهابية.

واستنتجت الكاتبة قائلة: لذلك، عندما أنشأ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، علاقة صداقة مع كوشنر ورأى في ترامب حليفاً أميركياً أرسلته السماء هدية، حاول التخلص من كلا التهديدين من خلال الضغط على قطر. لكن ومع تولي بايدن شؤون الحكم، الذي وبَّخ السعودية علانية وبدا أكثر تسامحاً مع إيران، تتخيّل قطر أنها أضحت في موقف تفاوضي أفضل وترغب في التلويح بأوراق اعتمادها بصفتها صانعاً للسلام.

ذكرت الكاتبة أنه بعد أيام قليلة من اغتيال اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، في غارة أميركية بطائرة بدون طيار، وتسارع وتيرة المخاوف من اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران، سافر أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، إلى طهران. ويشير بعض المحللين إلى تلك الزيارة على أنها دليل على فائدة قطر بالنسبة للولايات المتحدة.

الوسيط الفعَّال

وبحسب كريغ، من كلية كينغز كوليدج لندن، «طلبت الولايات المتحدة من الأمير تميم أن يذهب إلى طهران ويتوسط لتجنّب تصعيد التوترات في منطقة الخليج».

ولفتت نهى أبو الدهب، من مركز بروكنغز الدوحة، إلى أنّ وزير خارجية قطر توجه إلى العراق حاملاً الرسالة نفسها. وأضافت: «من المهمّ أن نتذكّر أنه عندما قتلت الغارة أميركية اللواء الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير 2020، سافر وزير خارجية قطر إلى العراق في محاولة لتهدئة التوترات. وعلى المنوال نفسه، تسعى السياسات القطرية، عندما يتعلق الأمر بالتوترات مع إيران، إلى وقف تصعيدها، بدلاً من الانعزال عن القيام بأيّ دور في هذا الصدد».

ولفتت الكاتبة إلى أنّ قطر تتمنّى، على ما يبدو، خطف الأضواء من سلطنة عُمان، لكن فرص نجاحها تبدو ضئيلة. ذلك أنّ عُمان لعبت دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران عندما بدأت تفعيل القنوات الخلفية لمناقشة الاتفاق النووي. وليس هناك أسباب تدعو بايدن لاستبدال عُمان بقطر إذا احتاج لوسيط مرة أخرى في الاتفاق النووي. علاوة على ذلك، تُعدّ قطر خياراً أقلّ قبولاً بسبب علاقتها المتأزّمة مع السعودية والإمارات، وكلاهما يطالب بأخذ مشورتهما هذه المرة عند استئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي.

فتش عن ابن زايد!

يتابع التقرير: قد يكون خصم قطر الأكبر والأخطر من محمد بن سلمان، هو ولي عهد الإمارات محمد بن زايد؛ فهو الشخص الذي يتحكّم في الأمور من وراء الكواليس، والذي يقف وراء تبني بعض السياسات مثل معاقبة قطر، وإصلاح العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب الانفتاح على تطبيع العلاقات مع «إسرائيل».

وما يُقلق محمد بن زايد، أكثر من إيران، هو تأثير جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين على الأمن الإقليمي، فضلاً عن تهديدها لاستمرار الأنظمة الملكية مثل حكمه. كما أنه لا يثق مطلقاً في الدوحة، وليس لديه استعداد بعد لمسامحتها على ما ارتكبته من خطايا متصوّرة، ناهيك عن السماح لها بالترقي إلى منصب الوسيط بين واشنطن وطهران.

يستشهد التقرير على ذلك بقول الإماراتي عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية المتقاعد: إنه يرى المحادثات بين الرياض والدوحة سابقة لأوانها وبلا طائل. إنّ قطر لم تُغيّر سلوكها وما زالت داعمة للإرهابيين. ولا تريد الاعتراف بمطالب جيرانها وما قدّموه من شكاوى.

وأشار عبد الله، واتفق معه محللون يغطون الانقسام السياسي في منطقة الخليج بحسب التقرير، على أنه في الوقت الذي يمكن للرياض والدوحة إجراء محادثات في ما بينهما، فلن يكون هناك اتفاق مع أبوظبي. إذ قال كريستيان كوتس أولريخسن، زميل باحث في قضايا الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس: «في الوقت الراهن، لا أرى أنّ الإمارات تستقلّ قطار المصالحة، وقد يكون من الصعب على السعوديين إقناع الإمارات بالتوقيع على اتفاقية نهائية أو حتى اتفاقية أولية».

هل يستطيع بايدنجمع أطراف الحصار؟

وأضاف عبد الله قائلاً: «يريد القطريون أن يلعبوا دوراً أكبر وأوسع يثير إزعاج السعودية ويفوقها بريقاً. وبينما يقول السعوديون، افعلوا مثلما تفعل الإمارات ودعونا نكون على الجانب نفسه، تنسّق قطر علاقاتها مع إيران وتركيا والله أعلم مع من أيضاً».

واختتمت الكاتبة تقريرها قائلة: صحيحٌ أنّ جذور الشيوخ والأمراء السعوديين والإماراتيين والقطريين تعود إلى القبائل البدوية في شبه الجزيرة العربية، إلى جانب أنهم يعتنقون الدين الإسلامي نفسه، وحافظوا على بقاء ممالكهم عن طريق اكتشاف النفط والغاز تحت رمال صحرائهم. لكن نزاعاتهم، مع ذلك، تعود لحقبة قديمة جداً أقدم بكثير من اكتشافهم لثرواتهم، ولا يشعر أيّ شخص بأنه يمكن رؤيتهم يتراجعون عن مواقفهم. وفي الوقت الذي يمكن لترامب أن يرى تحقيق فوز دبلوماسي أخير، فإنّ أيّ حلّ سيكون مؤقتاً في أحسن الأحوال إذا ظلت اتجاهات الأطراف المتورّطة في النزاع هي نفسها. وسيظلّ الأمر متروكاً لبايدن وإدارته للعمل على جمع حلفاء الولايات المتحدة معاً لدعم سياسة متسقة تجاه إيران.

«ساسة بوست»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى