مقالات وآراء

المثالية الأولى مقال لحضرة الزعيم بتوقيع «هاني بعل»

 

الرسالات العظمى لا تنتصر بالفتات من الجهد، ولا ببعض من عطاء.

لم تحقق ايّ نهضة او ثورة، أهدافها، بالحكي او بالتسلية او باللهاث وراء المنافع والرغبات الخاصة.

فمن اعتنق قضية تساوي وجوده، عليه ان يتفانى في سبيل تحقيق انتصار غايتها، ووجب ان يتولى المسؤوليات، من صارع وضحى وصرف وقته في سبيل القضية التي اعتنق، واستمر متفانياً، لا من هبط ذات يوم «بالباراشوت» او عمل في حزبه بشكل متقطع فيما هو منصرف بكل عقله ووقته الى تحقيق منافعه الشخصية،

الحزب لا ينمو ولا ينتصر بمن كان همّه، نفسه، وأنانيته وفرديته، إنما بسليمي النفسية، المتفانين والعاملين لانتصار حزبهم، لا لانتصارهم هم بواسطة حزبهم.

بعد عودته من مغتربه القسري عام 1947 نشر سعاده مقالته «المثالية الأولى» بتوقيع «هاني بعل»، وهو التوقيع الذي كان يعتمده سعاده في كثير من الاحيان.

المثالية الأولى يجب أن تشكل نهجاً للعمل الحزبي، وزاداً نفسياً لصراع طويل لن يثبت عليه إلا أصحاب القضية، الحقيقيين، الذين طلّقوا فرديتهم ومنافعهم، وسعوا إلى تحقيق انتصار حزب مهمته الاساسية بعث نهضة.

ل. ن.

*

«مرّ الحزب، في أثناء غياب الزّعيم في أميركا، في فترة تهدّمت فيها المثاليّة النّظاميّة والعقديّة. فاتّجهت الأعمال الحزبيّة نحو المظاهر، بدل الاتّجاه الأوّل الصّحيح الّذي كان نحو البناء الدّاخليّ وتأسيس القِيَم النّفسيّة، الأخلاقيّة والمناقبيّة، وإعداد الطّرق العمليّة لانتصار القضيّة القوميّة الاجتماعيّة المقدّسة. ولم يقتصر الاتّجاه الانحرافيّ على طلب المظاهر، بل تعدّاه إلى نشوء نفسيّة التّسوية بين القضيّة القوميّة الاجتماعيّة، الكليّة، الإجماعيّة وبين المآرب والمطامع الخصوصيّة، الفرديّة، في عدد غير قليل من الّذين صاروا في الطّبقة الظّاهريّة من الحركة القوميّة الاجتماعيّة.

«شيئاً فشيئاً صارت تطغى المآرب الخصوصيّة على الغاية العظمى، وصارت القضيّة القوميّة الاجتماعيّة المقدّسة مجرّد واسطة للأغراض الخصوصيّة. فنشأت محاولات التّسوية بين نظام الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ وغايات مخالفة للقضيّة. وكان قصد المحاولات المذكورة الوصول إلى غاياتٍ خصوصيّة عن طريق قوّة الحزب، حتّى ولو أدّى الأمر إلى تضحية عقيدته وغايته في ذلك السّبيل.

إنّ عدداً من الّذين ترشّحوا في صفوف الحزب القوميّ الاجتماعيّ للنّيابة في لبنان والشّام وشرق الأردن لم يكونوا من الّذين يعدّون الغاية القوميّة الاجتماعيّة هي الغاية الحقيقيّة، بل من الّذين كانت لهم تحت ستار الغاية القوميّة الاجتماعيّة غاية خفيّة تذرّعوا لبلوغها بمختلف محاولات التّسوية. فباء أكثرهم بالخيبة، لأنّهم خسروا روح حزبهم الحربيّة ولم يتمكّنوا من كسب كلّ ثقة الّذين دخلوا معهم في مساومات التّسوية. هذه هي الحقيقة المؤلمة الّتي يجب إعلانها ليعتبر بها من يريد الاعتبار.

«المسؤوليّات الإداريّة صارت، في الحالة الشّاذّة الموصوفة في ما تقدّم، على قدر المنافع، وشيء كثير من عقليّة الوظائف الحكوميّة تسرّب إلى الموظّفين القوميين الاجتماعيين. فصار يبحث في المعاشات ومقاضاتها، حتّى ولو لم يقم الموظّف المُطالِب بالمعاش الكبير بما يُطلَب منه، وكما كان الأمر حين كان فايز صايغ يتقاضى مرتّباً شهريّاً يبلغ نحو ثلاث مئة وخمسين أو أربع مئة ليرة سوريّة وكان يقيم الأرض ويقعدها إذا حدث أيّ تأخّر في دفع مرتّبه، كما كان في حادث نعمة ثابت ومساومته على العقيدة.

«لمّا صار العمل القوميّ الاجتماعيّ، في أحسن حالات الاتّجاه الانحرافيّ المذكور، عبارة عن تسوية بين المنافع الخصوصيّة والهدف القوميّ الاجتماعيّ، ابتدأ التّراخي يدبّ إلى جميع أقسام الإدارة الحزبيّة ويتسرّب منها إلى الأوساط القوميّة الاجتماعيّة. وبلغت الحالة حدّ تعرّض الغاية القوميّة الاجتماعيّة الكبرى لخطرٍ عظيم.

إنّ معارك الانتصار السّياسيّ الفاصل لا يمكن أن تكون إلا معارك صراع العقائد والغايات الكبرىمعارك البطولة المثاليّة الممتازة. والانتصار هو دائماً شيء فاصل، فلا يمكن أن يحدث على أساس تسوية، أو بروحيّة التّسوية..

«كان من وراء التّراخي المذكور أن ضَعُفَ اليقين العقديّ وروحيّة الصّراع. وظهر هذا الضّعف جليّاً في إهمال إدخال ملبّي الدّعوة القوميّة الاجتماعيّة في صفوف الحزب وفي مسلكيّة الرّفقاء عموماً والجدد خصوصاً وانحطّ معنى الطّاعة وقيمة المسؤوليّة النّظاميّة والواجب، فهبطت المعنويّات هبوطاً مخيفاً وصارت حالة الكثير من المديريّات والجرائد حالة جيش استسلم إلى العبث والفوضى فلم يعد يمكن ضبطه ولا استعماله في أيّة مهمّة أو لأيّ هدف. أصبحت وحدة العمل معدومة بالكليّة.

هذه هي الحالة الّتي جعل الزّعيم كلّ همّه الأوّل تغييرها واستئصال مفاسدها والقضاء على عواملها وعمّالها. فطهّر الدوائر الحزبيّة العليا من المصابين بأمراض التّهدّم والتّراخي والتّسوية والأنانيّة وأعاد قيمة المسؤوليّة إلى حقيقتها الفعليّة، كما أنّه طهّر المجتمع القوميّ الاجتماعيّ من العقائد الفاسدة الّتي تسرّبت إليه بواسطة الأنانيين الّذين أهملوا العقيدة القوميّة الاجتماعيّة ليعملوا لغاياتهم الخصوصيّة الّتي جعلوا من الحزب ونظامه مطيّة لها. فنرى الحزب القوميّ الاجتماعيّ يعود اليوم طريقه الصّعدى نحو قمّة النّصر.

«عندما زار الزّعيم منفّذيّة دمشق زيارته الخصوصيّة المفاجئة تحدّث إلى المسؤولين الإداريين في المنفّذيّة والمديريّات وأوصاهم بالعودة إلى العمل البنائيّ الهادئ. فانبرى من المسؤولين رفيق يقول: إنّ عقليّة دمشق تحتاج إلى غير أساليب العمل البنائيّ الهادئ. إنّ مثل هذه الاقتناعات الشّارعيّة لا يصلح قاعدة لتخطيط تقنيّ نفسيّ وسياسيّ، لأنّه لا يستند إلا إلى المظاهر ولا يأخذ الغاية العظمى بعين الاعتبار.

«إنّ التّحرّك الحزبيّ الواسع في السّاحات والشّوارع العموميّة يجب أن يسبقه بناء عقديّ، صراعيّ راسخ ليكون مجدياً ومساعداً على بلوغ الغاية. إنّ القيادة القوميّة الاجتماعيّة العليا لا تجهل ما لتحرّك الجماعات من قوّة وفائدة ولكنّها تعرف فوق ذلك ما هي عوامل التّحرّك الفعّالة الدّائمة الّتي تتمكّن من حفظ حركات الجماعات ضمن خطوط التّوجيه وخطط الأهداف. أمّا الأعمال الهوجاء والضّجيج الغوغائيّ غير المدرّب وغير المدار فليس لها نتيجة ثابتة.

«أعلن الزّعيم، في ختام خطابه التّاريخيّ يوم عودته إلى الوطن: العودة إلى الصّراع! والعودة إلى الصّراع تقتضي عودة إلى المثاليّة الأولىمثاليّة الإيمان بالقضيّة القوميّة الاجتماعيّة المقدّسة وبالقيادةمثاليّة العمل البنائيّ، العقديّ والنّظاميّ، والصّراع البطوليّ.

«إنّنا لا نريد في الحزب القوميّ الاجتماعيّ كثرة عدد متضخّم يمكن أن يفيد الّذين أصبحوا يميلون إلى التّسوية ويغريهم ضعف الإيمان ووهن البناء النّفسيّ العقديّ بالمساومات والمضاربات.

إنّ عمليّة تطهير الحزب من نفسيّة المساومات والمضاربات والتّسوية ستستمرّ، وسيقضى على الانغماس السّياسيّ الخصوصيّ قضاءً مبرماً فلا يبقى في الحزب غير: جنود عقيدة ونظام وإيمان بالنّصرجنود في كلّ عملٍ وكلّ اختصاصجنود في الإدارة وجنود في الإذاعة وجنود في الثّقافة وجنود في السّياسة!

إنّ الحزب القوميّ الاجتماعيّ هو حزب بطولة وصراع وانتصاره

«الأعمال الكاملة»، الجزء 8، صفحة 216-214

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى