مقالات وآراء

إدارة جو بايدن ومستقبل العلاقات مع روسيا… سيناريوات لا تخلو من التحديات!

} أمجد إسماعيل الآغا

 تحفظ روسي بعد بروز السجالات حول نتائج الانتخابات الأميركية، ترجمته التصريحات الروسية الرسمية لجهة أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يقوم بتهنئة الرئيس المنتخب فقط بعد الإعلان رسمياً عن النتائج النهائية. حملَ هذا الموقف إشارات متعددة حيال الترقُّب الروسي للمشهد الأميركي المقبل، وكذا الرغبة الروسية في معرفة مدى تأثير الخلافات الداخلية على عملية انتقال السلطة في واشنطن. كلّ ذلك أثار حفيظة مراكز الأبحاث والدراسات لتتبّع مسار العلاقات الروسية والأميركية في عهد بايدن، فضلاً عن تلقف وسائل الإعلام الروسية ومثلها الأميركية التصريحات الروسية، ووضعها في قوالب التكهّنات والبحث عن محددات العلاقة بين موسكو وواشنطن، خاصة أنَّ هناك الكثير من الملفات المعلقة بين البلدين، ما يشي بالتوجه إلى جُملة من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة، وإسقاط تأثيراتها على مجمل القضايا الإقليمية والدولية.

المتابع للعلاقات الروسية الأميركية في عهد ترامب، يُدرك خيبة الأمل الروسية إزاء سياسات ترامب، خاصة أنَّ بوتين علق آمالاً كبيرة في البداية على تحسّن العلاقات الروسية والأميركية حيال فترة رئاسة ترامب، مع إمكانية حلحلة الكثير من القضايا الشائكة بين البلدين، لكن تبيّن لاحقاً أنَّ ترامب لمّ يكن على مستوى الطموح الروسي في تعزيز الثقة الإستراتيجية بين البلدين، وبدلاً من رفع العقوبات عن روسيا، وتحسين العلاقات الاقتصادية، قامت حكومة ترامب بفرض 46 رزمة عقوبات جديدة خلال أربع سنوات. يُضاف إلى ذلك، ففي عهد ترامب انسحبت الولايات المتحدة من معاهدات الأسلحة التي سعت روسيا إلى الاحتفاظ بها، وهو أمر مهمّ للكرملين الذي حاول تجنب سباق تسلح مكلف ومرهق.

تُشير التقديرات الروسية إلى أنّ جو بايدن سيتمكن من رأب الصدع الذي تسبّبت به سياسات ترامب تجاه أوروبا، وسيعمل بايدن في جانب أخر على حشد التأييد الأوروبي لممارسة ضغوط أكبر على روسيا في عدد من الملفات المهمة، وبرغم كلّ الملاحظات السابقة على سياسة ترامب فقد كانت مفيدة للكرملين في عدد من النواحي؛ فهو في سورية تخلى بالفعل عن ساحة المعركة لروسيا، وفي أوروبا أضعفت سياسات ترامب تحالف الديمقراطيات الغربية، وأربكت شركاء الناتو، وقوضت الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وفي كلّ هذا استفادت موسكو.

في جانب موازٍ، فإنّ القيادة الروسية تنبئت بمسار جو بايدن المقبل، والذي سيكون مرتكزاً على أولويات داخلية، خاصة أنَّ الولايات المتحدة تقف أمام مجموعة من الأزمات، بدءاً من كورونا إلى الاقتصاد إلى البطالة وحاجة الناس إلى المساعدات المالية، وصولاً إلى العنف والعنصرية والانقسام الكبير في المجتمع الأميركي. وستكون أمام إدارة بايدن مهمات عديدة شاقة خلال الفترة الأولى من إدارته، وممكن أنّ تمتدّ على مدى السنوات الأربع المقبلة.

حقيقة الأمر، يُعدّ جو بايدن من أكثر المناهضين لبوتين. وكان مكلَّفاً من قبل باراك أوباما بمفاوضة الكونغرس الأميركي لتمرير معاهدة «ستارت» جديدة لخفض الرؤوس النووية بين أميركا وروسيا، بمعنى أنه كان معنياً بشكل مباشر بالتعامل مع الرئيس بوتين. ونقلت وسائل إعلام أنَّ العلاقات الشخصية بين الطرفين شبيهة بالعلاقة بين الرئيس السابق أوباما وبوتين، وهي علاقة كانت تخلو من الثقة المتبادلة. لكن ضمن ذلك، ثمة مؤشرات ترسم سيناريوات لمستقبل لا يخلو من التحديات بين موسكو وواشنطن، وتحديداً في ملفات سورية وإيران، فضلا عن غياب المؤشرات الأميركية الجديدة حيال الفضاء الاستراتيجي لروسيا.

ضمن كل ما سبق، لا تُخفي موسكو توجسها جراء الخطوات القادمة للإدارة الأميركية الجديدة، خاصة أنَّ هناك الكثير من الملفات العالقة والمعقدة، والتي تحتاج إلى تأسيس معادلة روسية أميركية جديدة، تُنهي حالة الجفاء بين البلدين، لكن في المقابل، فإنّ التوقعات ذهبت باتجاه احتمالية حدوث تحسّن في مسار العلاقات الروسية الأميركية على خلفية إعلان الرئيس المنتخب جو بايدن خلال حملاته الدعائية أنه سيُعيد الولايات المتحدة إلى اتفاقات حظر التسلح، وأنه ينوي التعاون مع موسكو لتمديد معاهدة تقليص السلاح النووي «ستارت». وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ الترجيحات الروسية بدت متشائمة حيال غالبية الملفات الأُخرى، لا سيما السياسة الأميركية المتوقعة حيال الأوضاع في الفضاء السوفياتي السابق، وكذا في الملفات الساخنة خاصة في سورية وإيران وأفغانستان. كل ذلك يضع العلاقة الروسية الأميركية أمام تحدّ جديد. هو تحدّ لن يخلو من مناكفات ستكون قاسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى