رياضة

طوني جريج.. مهاجم بأسلوب برازيليّ وقّع مع الراسينغ لقاء سيّارة ووظيفة

} إبراهيم وزنه

طوني جريجاسم لامع في ميادين كرة القدم اللبنانية، هو من جيل الكبار الذين حفروا أسماءهم بإنجازاتهم وفنّياتهم العالية المصحوبة بتفانٍ لا حدود له تجاه اللعبة الشعبيةعلى حساب تحصيله العلمي تفوّق في الملاعب، ابتعد عن الدراسة تدريجياً فنال أعلى الشهادات الكروية، بفضل اجتهاده في مداعبة الكرة ومراوغة الخصوم وهزّ الشباكشخصيته محببة وعلاقاته مع الآخرين مسيّجة بالود والاحترام، وهو الحريص على التواصل مع زملائه من لاعبي الزمن الجميل. للإضاءة على مسيرته وإنجازاته كان لا بدّ من لقاء مطوّل.. وخلاله قال كل ما عنده بعفويّة ورحابة صدرفكانت هذه المحصّلة:

سطع في جبرايل وتألق في سن الفيل

طوني جريج (مواليد العام 1955)، هو الابن الرابع والأخير ليعقوب جريج، ذلك المزارع الذي اضطر للنزول إلى ضواحي العاصمة بيروت على جنبات الأحداث التي حصلت في لبنان في العام 1958، استأجر ابن الريف منزلاً في سن الفيل، سكنه مع زوجته الزغرتاوية روز الجعيتاني وأولاده الأربعة حنا (بطل سابق في الجيش اللبناني في لعبة الملاكمة) وجورجيت وجانيت وطوني. سريعاً سنحت لأبي حنا فرصة العمل، حيث أنيطت بالمزارع المجبول على الطيبة والعفوية والصلابة مهمة الإشراف على إدارة ملعب بلدية سن الفيلومضت الأيام ولم يفكّر يوماً بنقل نفوسه إلى بيروت رغم كثرة الإغراءات. وعلى نهجه لاحقاًلجهة تمسّكه بمسقط رأسه ورأس أجداده سار أولاده وأحفاده.

على أرض ملعب سن الفيل، راح الفتى الصغير طوني يسرح ويمرح، كانت كرة القدم رفيقته الدائمة، وعلى جنباته تابع العديد من المباريات، إلى أن انضمّ في العام 1965 إلى فريق سانتوس تحت إشراف أحد لاعبي نادي الهومنتمن ويُدعى بنيامين، فلقي التشجيع ممن آمنوا بموهبته، وفي مقدّمهم رئيس نادي النجمة الصحراء حبيب حكيم وأخوه وجورج، وفي عمر الرابعة عشرة من عمره وقّع طوني جريج على كشوفات نادي العلم ـ برج حمود (درجة ثانية) الدائر في فلك نادي الراسينغ، وذلك بتسهيل وتشجيع من لاعب فريق الهومنتمن القادم من مدينة حلب راغب شكر. وفي أيّام شبابه، حرص طوني على تشكيل فريق يضمّ نخبة من لاعبي الأحياء في النبعة، جمعهم ضمن فريق شعبي أطلق عليه «الراسينغ ـ برج حمود».

صراع بين المدرسة والملعب

بين حرص العائلة على نيل إبنهم شهادة البكالوريا ـ القسم الثاني وإمعان صغير البيت في خوض المباريات وتألقه السريع واللافت بعيداً عن الدرس، يتذكّر  طوني جريج: «لم يتدخّل والدي أو والدتي يوماً في مسيرتي العلمية أو العملية أو الكرويةإلا أن أختي الكبرى جورجيت.. التي كانت تدير مدرسة أبدت استعدادها مراراً لدعمي بالدروس الخصوصية أملاً بنيل شهادة الترمينال (بكالوريا قسم ثانٍ)… فلم أقدر على ذلك، الكرة سرقتني إلى أبعد الحدود، والشهرة أغرتني، تشجيع الناس سحرني وجعلني تحت المسؤولية، وهنا أذكر بأنني سقطت في شهادة البريفيه، ولما عدت وأكملت علومي لم أعد قادراً على تجاوز صف البكالوريا ـ القسم الأول، عندها قررت التوقّف عن التحصيل العلمي والانتباه لمسيرتي الكروية والرياضية مع نادي الاستقلال، إلى أن تركت المدرسة بشكل نهائي في العام 1972».

مع الاستقلال أولاً

عن انضمامه إلى صفوف نادي الاستقلال، يخبر جريج: «خلال إحدى مبارياتي مع نادي العلم تعرّضت لإصابة قوية، فتدخّل إداري نادي الاستقلال رفيق عريبي وحملني إلى عيادة الدكتور جوزيف رشيد ريشا (إخصائي عظم)، وهو نجل رئيس نادي الاستقلال رشيد ريشا، وفي ضوء المعاملة الطيّبة والاهتمام الزائد بقدمي والسؤال عن وضعي الصحي بشكل يوميتمنّى عليّ عريبي الانضمام إلى فريق الاستقلال وهو من فرق الدرجة الأولى، فلم أتردد، وقّعت معه من دون مقابل، وخضت عدداً كبيراً من المباريات بقميصه، كانت مباراتي الأولى ضد فريق الأنصار على الملعب البلدي، وعلى مدى موسمين معه لفت أنظار المتابعين بأسلوب لعبي وفنّياتي في المراوغة ومهاراتي الفردية وسرعتي وتسجيلي للأهدافكان ريشا يضع الفورمسيون من دون أن يحدد مركزي ويخاطبني ألعب مطرح ما بدك وكما يحلو لك (تصرّف يا جوكر)، وفور انتهاء موسم 1972 طلبني الراسينغ للانضمام إلى صفوفهويومها كان الراسينغ قصة كبيرة.. فوافقت ضمن شروط».

إلى الراسينغ لقاء سيارة فيات

عن انتقاله للراسينغ (سندباد الكرة اللبنانية) في العام 1973 يسترجع جريج شريط الذكريات، ليبيّن: «عندما طلب جوزيف أبو مراد مني التوقيع مع الراسينغ، اشترطت عليه إدارة الاستقلال أن يكون جوزيف ريشا مديراً لفريق الراسينغ، وهذا ما حصل بالفعل، أما من جهتي فقد حصلت على سيارة فيات بعد التوقيع مباشرة، وأذكر أن الإدارة كانت تعطي كل لاعب مئة ليرة شهرياً لقاء تنقّلاته.. في تلك الأثناء كنت أعمل «ترانزتير» مع الخطوط الجوية السعودية في المطار وكانت أموري المادية ميسّرة».

وسريعاً حجز مركزه مع المنتخب

في ضوء تألقه مع الراسينغ، صاحب اليد الطولى في قيادة اللعبة، تمهّدت الطريق سريعاً أمام طوني ليتمّ اختياره ضمن منتخب الشباب لمشاركته في بطولة آسيا في طهران (1973)، وكان يضمّ أسماء بارزة، كمحمد الأسطة ووليد قمر الدين ورياض مراد واميل رستم وطوني رستم وفاسكين وسواهم، ويومها تصدّر المنتخب اللبناني مجموعته بعد تعادلين أمام كوريا الجنوبية والهند، وفوز على البحرين، إلا أنّه عاد ليتعثّر أمام السعودية في ربع النهائي ويخرج بضربات الترجيح بعد التعادل 1-1، كما شارك في دورة القنيطرة في سورية في ضوء تحرير القنيطرة، وفي العام 1974. إنضم طوني جريج إلى المنتخب الأول، وكانت البداية مع مشاركته في بطولة ودية أقيمت في السعودية، وفي العام 1976 شارك جريج المنتخب برحلة إلى كوريا الجنوبية، ويومها قدّم أجمل مبارياته إذ خسر بصعوبة أمام المضيف بهدف وحيد، وفي ظل تردي الأوضاع الأمنيّة في لبنان نتيجة الحرب الأهلية العبثية، غادر جريج إلى ليبيا في العام 1977 فمكث عند شقيقته، وكاد ان يوقّع لأحد النوادي إلا أنه آثر العودة إلى لبنان خلال فاصل من هدوء الأحوال بين جولتين.

أجمل المبارياتوالذكريات

سألته عن ذكرياته في الملاعب، فأجاب على الفور:  «أجمل مباراة لعبتها ولا يمكنني نسيانها كانت مع الراسينغ بمواجهة منتخب البرازيل للشباب على ملعب برج حمود (1978) يومها فزنا بهدف سجّله جوزف منصفوفي العام 1979، شاركت مع المنتخب في تصفيات كأس آسيا في أبوظبي، وتمّ اختياري كأفضل لاعب وسط مهاجم، ونصحني مدرّب منتحب الامارات الانكليزي دون ريفي بالانتقال إلى صفوف النصر دبي، لكن إدارة الراسينغ رفضت منحي كتاب الاستغناء».

ومن محطاته البارزة مع الراسينغ، يتذكّر: «الرحلات المتكررة إلى رومانيا والبلدان العربية. وفي إحدى المرّات اضطر فريقنا للسفر عبر مطار دمشق في ظل اشتداد المعارك وإغلاق مطار بيروت. وعلى الصعيد المحلي، لا أنسى زيارة الراسينغ، إلى «بيروت الغربية» في العام 1983 حيث لعبنا مباراتين، تعادلنا مع الصفاء، وفزنا على النجمة بثلاثية نظيفة سجّلت يومها الهدف الأول. وكذلك زيارة الأنصار «بيروت الشرقية» حيث لعب بمواجهة تفاهم «راسينغ ـ استقلال» بحضور رئيس الجمهورية أمين الجميل».

ويسجّل جريج أسفه وانزعاجه على الانعكاسات السلبية للحرب العبثية التي أدّت إلى وجود اتحادين، وبيئتين كرويتين (ضمن بيروت الشرقية والغربية)، ومن تلك الفترة يتذكّر: «في العام 1983 طلب نادي النجمة مني مشاركته في مواجهة فريق روماني على ملعب الصفاء، وبعد مشاركتي في الشوط الأول طلب مني غسان أبو ذياب الخروج من الملعب لأن الجمهور في حالة غليان نتيجة الاشكالات الأمنية المشتعلة في البلد ونصحني بالتوجّه إلى بيتي سريعاً، ويومها تقدّم جمال الخطيب وحسن شاتيلا وأبو ذياب ورافقوني حتى باب السيارةوبالمقابل لا أنكر اندفاعي لتسهيل أمور اللاعبين من أخواني الذين كانوا يتعرّضون للمضايقات في المنطقة الشرقيةوجمال الخطيب يشهد على كلامي».

زواجه وتوجيه أولاده رياضياً

لعبت الصدفة دوراً بارزاً في توديع طوني جريج للعزوبية، ففي العام 1990 وعلى وقع ارتدادات «حرب الإلغاء» التي دارت رحاها في مناطق بيروت الشرقية، قرر طوني السفر إلى أميركا بعد حصوله على الفيزا عبر مطار دمشقوقبل سفره حصل ما لم يكن بالحسبان: «بانتظار الرحلة توجّهت لحضور مباراة حماسية وفاصلة في كرة السلة بين سيدات فريق الثورة الدمشقي وسيدات الجلاء الحلبي، يومها لفتتني نجمة فريق الثورة فاطمة القاضي، وكانت تلعب ضمن الفريق أيضاً بطلة سورية في ألعاب القوى غادة شعاع، بعد المباراة صارحت فاطمة بإعجابي، وتعرّفت إليها عن قرب فبادلتني الإعجاب، عند ذلك عدلت عن فكرة السفر وعدت إلى لبنان، وبعد فترة قصيرة وخلال زيارتها بيروت عرضت عليها الزواج فلم تمانعوالحمدلله تمّ الأمر على خير وأثمر زواجنا في العام 1990 ثلاثة أبناءوهم اليوم يملأون حياتنا فرحاً وحبّاً وسعادة». وعلى طريق الوالدين «النجمين» سار الأبناء، وخصوصاً شادي وفادي، اللذين يشرفان على أكاديمية مون لاسال لكرة القدم بالاضافة إلى تدريب الناشئين على عدد من الألعاب كالتزلج والسباحة والتنس وغيرها، إلى جانب تفوقهما على والدهم في ميادين العلم، فكلاهما نال الماجستير في الهندسة المعماريّة.

بطاقة شخصيّة

طوني يعقوب جريج

ـ تاريخ ومحل الولادة: جبرايل 1955

ـ الوضع العائلي: متأهل من السورية فاطمة القاضي وله منها ثلاثة أبناء، هبة (1991)، شادي (1993) وفادي (1996).

ـ العمل الحالي: أستاذ رياضة في مدرسة مون لاسال منذ العام 1977 بتسهيل من الراحل ايلي كوبالي، ويملك متجراً للألبسة والمعدّات الرياضية في سن الفيل، وسبق أن عمل في المطار في العام 1972 إلى جانب شقيقه حنا وإداري نادي الأنصار أحمد بلطجي.

ـ الفرق التي لعب معها: العلم والاستقلال والراسينغ ومنتحب لبنان.

ـ مركزه في الملعب: وسط مهاجم.

ـ قدوته في العمل الرياضي: الراحل انطوان شارتييه.

ـ أسلوبه في اللعب: برازيلي مع تأثره بالمدرسة الألمانية، خصوصاً برومنيغيه وبرايتنر وباكنباور.

ـ هواياته: التنس، التزلج وصيد الطيور الكبيرة فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى