الوطن

أيها الحاكمون… لا تتشاطروا على اللبنانيين لأنكم «دفنتم الشيخ زنكي سوا»

} علي بدر الدين

ورد في كتاب «الزوايا خبايا» لسلام الراسي، أنّ رجلين فقيرين، ارادا ان يؤدّيا فريصة الحج، فتشاركا على شراء جمل، ليتناوبا عليه الركوب ذهاباً وإياباً، وحدث وهما في طريق العودة، أن هلك من المسير والتعب ومات، وكانا أطلقا عليه إسم الشيخ زنكي، فحفرا، حفرة كبيرة جانب الطريق، ودفناه فيها، وما ان انتهيا من دفنه، مرت بهما جماعة من الحجاج العائدين، وسألتهما، من تدفنان هنا، فردّا معاً، ندفن الشيخ زنكي، وهو شيخ بار وتقي ونقي وصاحب مكرمات، وقد طلب منا ونحن من أتباعه، عندما شعر بدنو موته ان ندفنه في هذا المكان، وأوصانا ان نبني له، ضريحاً ومزاراً من صدقات العابرين، لأنه يعلم فقر حالنا، ونحن التزمنا وصيته، فأخذت الحمية الحجاج وتبرعوا، بما جادت به نفوسهم وإمكانيتهم، وهكذا، تكرّرت مكرمات الحجاج الآخرين العائدين تباعاً، بعد أن أدّوا فريضة الحج، ثم بنيا له مقاماً بإسمه، وانتشر خبره، وراح الناس يتوافدون لزيارته ونيل بركته ويقدّمون له النذور لقضاء حوائجهم، وجمع الرجلان أموالاً طائلة، وعاشا بأفضل حال.

بعد هذه «الطفرة» تذكر أحدهما أنّ عائلته تعاني من الفقر الشديد وهي بحاجة إلى المال، فاستأذن شريكه بالذهاب، ثم عاد بعد أن إطمأن الى العائلة وزوّدها بالمال الذي يكفيها مهما طال غيابه، وسأل شريكه، عن المال الذي جمعه، فشكا له سوء الحال وقلة المال، وراح يقسم له بالشيخ زنكي وترابه الطاهر، على أنّ ما يقوله هو الصحيح، من دون أن يزيل شكه به، وصرخ بوجهه ويحك يا هذا، أتقسم بالشيخ زنكي وهو جمل دفناه سوياً».

المنظومة السياسية الحاكمة منذ عقود، إنْ كانت في الموالاة، أو في المعارضة، أو ما بينهما، حيث تضع رجلاً هنا وأخرى هناك، وفق المصالح ولمن تكون الغلبة، وجميعها أشبه ما تكون بمنشار «طالع واكل ونازل واكل»، لا تختلف كثيراً، عن الرجلين والشيخ زنكي، حيث بنت أحلاماً وأمالاً وقدّمت وعوداً، ورفعت شعارات وعناوين وجبالاً من الثلج والأوهام، لجذب وتدجين الشعب المسكين، وقد تشاركت في كلّ شيء وتحاصصت وفسدت ونهبت، وراكمت الثروات، واصطنعت معارك وحروب وخلافات وتوافقات وتناغمات وتسويات، كلها بذرائع حماية لبنان، وتحصيل حقوق الطوائف والمذاهب والبيئات الحاضنة، حتى شلّحت اللبنانيين المقيمين والمغتربين أموالهم، ونهبت، مقدرات الدولة ومؤسساتها، وتقاسمت كلّ صغيرة وكبيرة، وأفرغت البلد من كلّ مقوّماته، حتى بلغ خط النهاية، وهو الآيل للسقوط، وتحاول هذه المنظومة، بعد أن قوّضت أسسه، أن تستعين بقوى خارجية، دولية وإقليمية، كـ «المستجير بالنار»، لتحرق ما تبقى منه، وتقف على أطلاله، باكية شاكية ما حلّ به، وهي التي أهلكته ودفنته، لتبني مكانه قصوراً وأبراجاً، وأمبرطوريات تليق بها وبتاريخها السياسي الناصع، بعد أن عمّمت ثقافة تزويرية للتعظيم من شأن لبنان ومكانته عبر التاريخ.

وجمال مناخه وطبيعته وبحره، ويا نيال من له فيه «مرقد عنزة»،

 تشبّهاً بالجمل الذي جعلت منه يد السوء والنفوس المريضة والخادعة والمنافقة شيخاً نقياً تقياً طاهراً لتسلب الناس أموالهم.

إنّ هذه المنظومة بكلّ مكوّناتها، خاضت حروباً، وصراعات، ولا تزال مستمرة بأشكال وعناوين متعددة، لأنها بحكم التجربة درّت عليها أموالاً طائلة من دول عربية وإقليمية ودولية، لمساعدة لبنان وشعبه، وكانت معظمها تنزلق إلى جيوب وصناديق الهدر والممسكين بالسلطة والقرار، المتحكمين بمفاصل الدولة والمؤسسات، مع أنها كانت معنونة لصالح لبنان والشعب اللبناني.

بعد كلّ هذه المعاناة وعمليات النهب المنظمة، وانكشاف المستور، وانفجار مرفأ بيروت المزلزل، وانفضاح أمر المسؤولين وفسادهم وسرقاتهم، قرّرت دول ومنظمات المجتمع الدولي، تحويل المساعدات إلى الجمعيات الأهلية، بدلاً من الدولة الهزيلة، حيث مزاريبها تصبّ في جيوب الفاسدين والسارقين المتسلطين.

آخر «مآثر» هذه المنظومة و»إبداعاتها» ثقافة المصطلحات الجديدة التي أنتجتها الجولات الـ 14 التي بلغتها اللقاءات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في قصر بعبدا لتأليف الحكومة، من دون أن يتصاعد «الدخان الأبيض» وما خرج من مدخنة قصري بعبدا وبيت الوسط «وطاويط وخفافيش والغرف السود المغلق، وتبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات عن الفشل في الوصول إلى الخواتيم السعيدة، وترجمة «الإيجابية» التي طمأن فيها الرئيس المكلف اللبنانيين بعد نهاية الجولة الـ 13، وكأنّ الرئيسين والمستشارين في القصرين على حلبة ملاكمة لم يفز أيّ من الملاكمين بالضربة القاضية، وقد تعادلوا بالجولات، على أمل الفوز بالنقاط بعد جولات إضافية، لأنها ستستكمل مطلع العام المقبل، وهم ليسوا في عجلة من أمرهم، ولا تعنيهم انزلاقات البلد والشعب إلى الانهيارات المتتالية على كلّ المستويات، ولا فقر الناس وتجويعهم وفتك كورونا بهم القائم والمستجدّ منه، التي تنذر بخطر التمدّد والإنتشار والتفشي، وحصد المزيد من الأرواح والإصابات وشلّ القطاعات الاقتصادية والإنتاجية.

المهمّ أيضاً بالنسبة لهذه المنظومة التي لا تشبع، والمتغوّلة على كلّ شيء، أن تحصل على حصصها في الحقائب، والأسماء، وقد وصل بها الأمر إلى حدّ اتهام بعضها بسرقة أسماء الوزراء المفترضين، لأنها اعتادت على سرقة المال العام والخاص ولقمة عيش المواطن وحقوقه. وهي التي أوصلت البلد الى الانهيار والإفلاس، وانهيار العملة الوطنية، والتضخم، الذي قارب 140 في المئة، وتساوى بالناتج المحلي مع أكثر الدول فقراً وإنتاجاً، كاليمن وأفغانستان وغيرهما، والديون الداخلية والخارجية تجاوزت المائة مليار دولار، ونسبة فقراء لبنان اقتربت من تسعين بالمائة، وحبل الفقر والجوع والبطالة والمرض ما زال شغالاً على غرار هذه المنظومة التي لا تخجل ولا تستحي بفسادها، بل تجاهر به أمام الملأ، بعد أن انكشفت فضائحها أمام القاصي والداني. رغم كلّ ما اقترفته وارتكبته، على مدى سنوات حكمها الطويلة، فإنها تخرج على الشعب لتهنئته بالأعياد، وتتمنّى له أياما سعيدة، وتعده بأنها لن تتركه حتى يصير على «الأرض يا حكم» أو تحت التراب. وجولات بعبدا لن تتوقف لتأليف الحكومة العصية ولو استمرت أشهراً وسنوات، وهذا يذكرنا بقول الفنان عادل أمام، «الساعة بخمس جنية والحسابة بتحسب».

مَن وقع بفخ مَن؟ الشعب وحده من وقع فيه، ويشتدّ الخناق عليه حتى الموت الأبدي، وليس أحداً منها، لأنّ هذا الشعب يدرك بالتجربة وبالوجع المسكون في داخله، انه لا يخشى عليها، لأنها قادرة بسحر ساحر، وبـ «غمضة عين» على إنهاء مسرحياتها الخلافية المصطنعة، الطائفية والمذهبية والسياسية والنفعية، بمصالحات وتسويات، حكماً ستكون ظالمة، وللأسف، مدعومة، ومحصّنة ببيئاتها الحاضنة المظلومة، كما غيرها من اللبنانيين، وأنّ العقد الوهمي التحالفي والتحاصصي بين مكونات هذه المنظومة، سينتعش من جديد، وبشروط أفضل لها، وسيحصل كلّ فريق على حصصه كاملة من دون نقصان، وجولات لقاءاتها ستعود على نفس الطريق التي سلكتها منذ زمن.

ونقول للسياسيين الحاكمين، لا تتشاطروا على اللبنانيين، لأنكم دفنتم الشيخ زنكي معاً، من خلال استغلالكم للدستور والقانون، وتطويعهما لمصالحكم، ولاستمرار قبضتكم على السلطة في كلّ مواقعها ومفاصلها وتفاصيلها، والشيخ زنكي بالنسبة لكم، هو لبنان والدولة والشعب والمؤسسات، نعم كلّ هؤلاء.

انكم دفنتمونهم سوا، فلا تتهرّبوا من مسؤولياتكم، لأنّ «الشمس طالعة والناس قاشعة»، وعلى هذا الشعب أن يعرف «إذا سكتّ على المنظومة السياسية، ووضعت لجاماً على فمك، ستضع سرجاً على ظهرك»، وتأخذ راحتها، والمثل يقول «تصالحت أو اختلفت القطط والفئران، يا خراب لبنان».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى