رياضة

عبد القادر خير من حي العرب إلى المنتخب.. حارس وفيّ لم يلعب لغير الشبيبة المزرعة

 

} إبراهيم وزنه

ذات يوم من العام 1958، وفي أحد مكاتب وزارة الاقتصاد، سأل المدير موظّفه الأمّي محمد خير: «هل تعرف عبد القادر خير؟»، فردّ الرجل مرتبكاً: «نعم إنه إبنيهل سمعت عنه شيئاً؟»، فسارع المدير أمام قلق الأب إلى طمأنته: «كل ما في الأمر أنني قرأت اسمه في عداد فريق الشبيبة المزرعة في جريدة اليوم»، عند ذلك ارتسمت البسمة على وجه الموظف العصامي، وقال: «الحمد لله لقد أصبح إبني من المشاهير». ولما عاد إلى منزله الكائن في برج البراجنة راح ينتظر ابنه على أحرّ من الجمر بعد فاصل من العتاب للزوجة التي أخفت عنه أخبار ولدهما، خصوصاً أن الوالد كان يطمح لكي يرى ابنه من المجلّين علمياً. فالرياضة في قاموسه «مضيعة للوقت وللمستقبل». وفور عودة ابنه عبد إلى البيت أخبره بما حصل بينه وبين مديره وأطلعه على اعتراف والدته بكلّ تحركاته الكروية، ثم احتضنه متمنياً له التحليق في الملاعب.

منذ تلك اللحظة أخذ عبد القادر خير الضوء الأخضر لينطلق مجلّياً في حراسة مرمى فريق الشبيبة المزرعة، وبعد سنة على «الإذن» نجح الشاب الفارع الطول بارتداء قميص المنتخب الوطني خلال بطولة دول البحر الأبيض المتوسط في العام 1959. كيف كانت بداية ذلك الحارس ومن أوصله الى الشبيبة المزرعة.. وكيف نجح سريعاً في حجز مكانه بين الكبار؟

لمعرفة الأجوبةداهمتُه من دون موعد، انتظرته في الغرفة نفسها التي انتظره فيها والده قبل أكثر من 60 سنة، وعندما التقيته بعد انتظار ملأته زوجته بالترحيب، أخبرني عبد القادر خير بأنّه كان يتابع مباراة يشارك فيها حفيده عمر إدلبي الذي يلعب حارساً مع فريق شباب البرج، ثم امتدت الجلسة الغنية بالحكايا والذكريات.

من ملاعب الأحياء كانت انطلاقتي

على ملاعب برج البراجنة الموزّعة بين الأحياء، ومع رفاقه في حي العرب، حيث أبصر النور ولم يزل يعيش في المنزل نفسه، بدأ عبد القادر خير في منتصف الخمسينيات رحلته الكروية: «كنا نتنقّل من جلّ إلى جلّ ومن بورة إلى بورة لنلعب ونتسلّى. وعندما أقيم ملعب الرمل العالي صرنا نداوم فيه يومياً»، ومن رفاقه في تلك المرحلة يذكر: عباس رحال، أنيس العنان، وفيق الشحيمي، علي حمود، فؤاد السابق وسهيل رحال، وكحال غيره من الشباب، توجّه صاحب القامة الممشوقة إلى حلبات المصارعة وتدرّب لأكثر من سنة على يد البطل خليل أبي خليل. وبالعودة إلى رحلته مع اللعبة الشعبية، يقول: «في العام 1958 رافقت أنيس العنان إلى نادي الشبيبة المزرعة لأشارك معه في مباراة ودّية ضد الجامعة الأميركية، ويومها كان حارس الشبيبة سميح شاتيلا مقاطعاً الفريق، فلعبت وبرزت في هذه المباراة وفزنا (4 ـ 0). وبعد اللقاء اصطحبني رئيس النادي نقولا مجدلاني (أبو السعد) إلى منزله وأعطاني مكافأة مالية وطقماً خاصاً بحارس المرمى، وفي اليوم التالي أخبرني بأنه قال لسميح شاتيلا «صار فيني استغني عنّك».

في العام 1959 بدأ خير مسيرته الجدّية مع فريقه الجديد، وبسرعة فرض نفسه بين كبار الحراس المعروفين في تلك الحقبة، وتم اختياره ضمن بعثة المنتخب اللبناني المشارك في دورة دول البحر الأبيض المتوسط في العام 1959 ولعب  في مواجهة منتخبي إيطاليا وتركيا.

«الشبيبة المزرعة» قبلة البرجيّين

وهذه صفات الحارس البارع

قلّما برز لاعب كرة قدم في منطقة برج البراجنة إلا وكانت وجهته نادي الشبيبة المزرعة، ذلك النادي الذي عُرف بأجوائه العائلية وسفراته الصيفية إلى الدول الاشتراكية كالصين والاتحاد السوفياتي، ومن أوائل الملتحقين بصفوف المزرعة أنيس العنان وعباس رحال وفؤاد السابق، وهؤلاء عبّدوا الطريق أمام البقيّة كسهيل رحال وفاروق غالي وعبد القادر خير، وصولاً الى علي علوية وربيع الحسن وغيرهم. ويقول خير: «كان سهيل رحال معنا في فريق الشبيبة، لكن خاله النائب محمود عمار هو الذي طلبه للانضمام إلى نادي الراسينغ، فوقّع كتاب الانتقال عند أحد كتّاب العدل، ونظراً لسيطرة الراسينغ على أجواء اللعبة إدارياً وتنظيمياً تمّ اعتماد توقيعه الذي كان بمثابة سابقة». عندما سألته، لمن كنت تحسب ألف حساب من المهاجمين، فقال: «ما كنت خاف من حدا» ليشرح ناصحاً الحرّاس «عدم الخوف والأعصاب الباردة صفتان أساسيتان في شخصية حارس المرمى»، لكنه عاد ليعطي بعض النجوم حقهم، فوصف جوزيف أبو مراد وليفون ومارديك وفؤاد الحلبي وعباس رحال بـ  «المسدّدين المرعبين» في لبنان.

 إنجازات وخبريّات

كثيرة هي الإنجازات التي حققها عبد القادر خير في ملاعب الكرة، محلياً وعربياً، وفي هذا السياق يتذكّر:

{ في العام 1961 وخلال مشاركة الشبيبة المزرعة في دورة كأس الربيع على ملعب صيدا البلدي، انتهت مباراتنا مع الصفاء بالتعادل فتمّ اللجوء إلى ضربات الترجيح، ويومها سدّد عباس رحال لفريقنا 3 تسديدات فسجلها، بينما نجحت أنا في صدّ ضربتين وأحرزنا الكأس، ويومها وقف الزعيم معروف سعد وصفّق لي مطوّلاً.

{ في مباراتنا مع النجمة ضمن بطولة لبنان عام 1967 وبينما كنا متقدمين (1ـ 0) راح الحكم النجماوي إبراهيم صبرا ينحاز لمصلحة النجمة، فوقفت صامداً في وجه الهجمات وما أكثرها، وقبل انتهاء الوقت بدقيقتين اخترع ركلة جزاء ونظر نحوي قائلاً: «وهلّق؟» فأجبته «في الله»، ثم سدّد اللاعب فهد السبب «البنالتي» فطرت والتقطت الكرة من الزاوية الصعبة، وانتهت المباراة لمصلحتنا.

{ في العام 1960، وفي سياق تحضير منتخب لبنان للمشاركة في الدورة العربية في المغرب، عمد إداري الاتحاد والهومنتمن جوزيف نلبنديان إلى إشراكي في مباراة تحضيرية أمام فريق مدويرا البرازيلي آملاً أن يحرقني ليفسح المجال أمام الحارس يغيشه ليكون في عداد المنتخب، فقدّمت مباراة العمر وخسرنا (0 ـ1)، وبعد المباراة جاءني الإداري عزّت الترك وناولني «بون» لتسلّم ثياب المنتخب واختاروني بالرغم من مضايقات نلبنديان.

{ في العام 1961، استعارني نادي الراسينغ للسفر معه إلى رومانيا، وهناك قدّمت عروضاً طيّبة، وبعد العودة بدأت إدارة الراسينغ «تحرتق» بهدف ضمّي إلى فريقها، فوافقت إدارة الشبيبة على مضض ولموسم واحد فقط، ويومها ذرفت الدموع على محضر التوقيع في مقر الاتحاد، ما جعل انطون صالح وكميل قرداحي يقولان لي «بعد ما شفنا هيك وفا»، فأجبتهم «أشعر وكأنني أرتكبُ الخيانة العظمى»، وبعد موسم واحد عدت الى الشبيبة محتفلاً مع الإدارة واللاعبين.

{ في العام 1962، سافرت مع الشبيبة إلى روسيا لخوض معسكر استعدادي قبل انطلاق البطولة، وهناك تكاثرت الإصابات في صفوفنا، فطلبت من الحارس الثاني وليد شاتيلا أن يحلّ مكاني وشاركت مدافعاً بقميص يحمل الرقم 2 في مباراتين، وفي اليوم التالي كتبت الصحف الروسية «الرقم 2 هو الأفضل في عداد الفريق اللبناني».

{ في العام 1965، ذهبت إلى الكويت لألعب مع فريق الفحيحيل بعدما أخذت إجازة بلا راتب من إدارة حصر التبغ والتنباك «الريجي»، علماً بأنني اتفقت مع النادي الكويتي بحضور أنيس العنان في بيروت على راتب شهريّ قدره 900  ليرة، في حين كان راتبي في الريجي لا يتجاوز المئة ليرة، ولعبت أربع مباريات خلال خمسة أسابيع أمضيتها هناك وقالت عني الصحف «خوش بواب» أي حارس جيد، وهنا أذكر أن الشرطة حضرت إلى الملعب وطلبت مني السفر إلى لبنان بناء على برقية وصلتها (عرفت لاحقاً أن نقولا مجدلاني كان وراء ذلك) فعدت بالباخرة إلى سورية ثم عن طريق البر الى لبنان ومعي 1800 ليرة هي راتب شهرين.

الكرة وظّفته!

يكشف عبد القادر خير أن الأمر الجيد الذي كسبه من كرة القدم هو حصوله على الوظيفة في إدارة حصر التبغ والتنباك «الريجي»، لكنه يضيف إلى هذا الأمر» «والصحبة الطيبة مع عدد كبير من اللاعبين والمدرّبين»، وهنا يتذكر «في العام 1964 تم تأسيس فريق كرة قدم في «الريجي» وكان يلعب في صفوفه تابللو وأبو طالب برجاوي وغيرهما، فعرضت رغبتي في الانضمام إلى «الريجي» على نقولا مجدلاني فأخذني الأخير الى مكتب وزير المالية عثمان الدنا، وبعد أيام معدودة دعوني للالتحاق بالعمل وبقيت مواظباً حتى سن التقاعد في العام 2004».

  ما بين الأمس واليوم!

في مقارنته للماضي البعيد والحاضر المريب، يقول عبد القادر خيرلا زلتُ حتى اليوم أحرص على زيارة ملعب الشبيبة للقاء أبو ايلي الذي يُقيم داخله منذ أكثرمن 50 عاماً، وكلما التقيته يعانقني الرجل باكياً ثم نسترسل معاً في استذكار محطات الشبيبة المضيئة»، هذه اللفتة التي يقوم بها عبد القادر خير لا يمكن أن يقوم بها لاعبو هذه الأيام، الذين تحوّلوا إلى موظفين في نواديهم. أما عن أجواء الرياضة اليوم فيقول خير: «الجوّ الرياضي العام والكروي خصوصاً لم يعد كما كان سابقاً، لأنّ السياسة لوّثت الملاعب، وأكثر ما يضايقني هو إقامة مباريات من دون جمهور». وعند الحديث عن لاعبي أيامه، يقول بلا  تردد: «القديم ما بقى يجي متلوكنا نلعب بروح وأخلاق رياضية حقيقيةوإذا خسرنا مباراة كنا نبكي»، ليكمل منتقداً «عندما يخسر أي فريق اليوم يسارع لاعبو الاحتياط إلى الشماتة بزملائهمهذا ما أخبرني به المتابعون». وعن الصفات المطلوبة في حارس المرمى، يقول: «يجب على الحارس أن يتمتع بأعصاب هادئة وبلياقة بدنية عالية ولا يخاف أبداً، كما يجب أن يكون صاحب نظرة توجيهية ورؤية شاملة للملعب».

 بطاقة شخصيّة

عبد القادر محمد خير.

ـ تاريخ ومحل الولادة: حي العرب في برج البراجنة 1939.

ـ الوضع العائلي: متأهّل مرتين وله ثمانية أولاد «أبو خالد».

ـ انتسب إلى نادي الشبيبة المزرعة عام 1959 ومعه أحرز بطولة لبنان 1967.

ـ لعب مع الراسينغ لموسم واحد 1961.

ـ درّب على فترات متقطعة فريق البرج.

ـ يحبّ الكرة الإنكليزية ويعلّق «فرقهم أفضل من المنتخب».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى