أولى

القضاء اللبناني أولاً وأخيراً…

 أحمد بهجة*

لكثرة ما تلوّع اللبنانيون من الفاسدين الذين خرّبوا الدولة ومؤسّساتها وإداراتها، ووضعوا القوانين في الأدراج، وأوصلوا البلد إلى هذا القعر العميق من الفوضى والفقر، فإنّ من حقهم ألا يثقوا اليوم بما يُقال عن تحقيقات هنا أو هناك قد تعيد لهم أموالاً جرى تهريبها إلى الخارج على أيدي الفاسدين أنفسهم.

وها هو التحقيق في انفجار مرفأ بيروت أكبر دليل على ما نقول، وغداً سوف يحصل الأمر نفسه مع التحقيق في أحداث طرابلس الأخيرة، علماً أنّ التحقيق في الأحداث السابقة في عاصمة الشمال لم يصل إلى أيّ مكان، والكلّ يذكر قصة التسابق بين أكثر من مسؤول طرابلسي على تبنّي إخلاء سبيل شادي المولوي بعدما كان اعتقله الأمن العام بناء على أدلة تثبت تورّطه في أعمال إرهابية! فلماذا إذن نتفاءل بما قد يجري على صعيد التحقيق المالي في سويسرا بشأن تحويلات غير قانونية قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان حويك؟ خاصة أننا لا نزال في دوامة تمييع التحقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان؟

ما هذه القدرة العجيبة على عرقلة مسار التدقيق؟ لقد طفشت شركة «ألفاريز ومارسال» من كثرة المماطلة والتسويف في تسليمها المعلومات اللازمة لكي تنجز عملها، والحجة أنّ قانون النقد والتسليف يمنع ذلك، ما جعل المجلس النيابي يصدر قراراً ثم قانوناً يلزم المصرف المركزي بكشف كلّ أوراقه. كما أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة الدكتور حسان دياب يصرّان على إنجاز هذا التدقيق، وقد أوعزا لوزير المالية غازي وزني بأن يُعاود الاتصال بشركة «ألفاريز ومارسال» لكي تعود وتستأنف عملها وتدقق في كلّ الحسابات العامة بدءاً من حسابات مصرف لبنان.

من هو الذي يُعرقل إذن؟ ومَن هو الذي يستطيع العرقلة والتملص من تنفيذ القوانين؟ قد نجد الجواب في ما أعلنه الرئيس المكلف سعد الحريري عن توجه لدى بعض القوى السياسية لعدم منح حكومته العتيدة الثقة في مجلس النواب إذا أصرّت على التدقيق الجنائي؟ وهل في هذا الكلام موقف مسبق للحريري نفسه بأنّ حكومته المقبلة لن تسهّل طريق التدقيق؟

الأسئلة أكثر من مشروعة، لأنّ المسألة ليست جديدة، فما معنى أن يتحرك القضاء السويسري اليوم فيما التحويلات شغالة على مدى السنوات الماضية، وبمبالغ خيالية تصل أرقامها إلى الفلك، وأصحابها غير مخفيّين، وعلى قول المثل «حارتنا ضيقة ونعرف بعضنا»، ولا شغل للناس اليوم إلا سيرة حديثي النعمة الذين أصبحوا من أصحاب ملايين ومليارات الدولارات.

تمنّياتنا أن يصل القضاء السويسري إلى كشف كلّ الحقائق، من الألف إلى الياء، وأن لا يبقى ستر مغطى على كلّ الطبقة السياسية والإدارية في لبنان، وهذا ما يريده اللبنانيون جميعاً، لكن أيضاً لا يجب أن نكبّر حجر الرهان على سويسرا كثيراً، لأنّ النظام المالي السويسري خاضع بشكل أو بآخر لسطوة النظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ولذلك فإنّ الحذر واجب ولا بدّ منه، خاصة أنّ قضايا كبيرة وكثيرة مماثلة جرى تمييعها سابقاً، بدليل أنّ أيّ دولة عربية أو أفريقية لم تستعد أموالها أو أيّ جزء من أموالها وهي بمئات مليارات الدولارات التي نهبها وهرّبها الحكام والمقرّبون وأرباب الأنظمة في تلك الدول.

لذلك علينا أن نتكل على أنفسنا، وأن نضغط بكلّ الوسائل المتاحة لكي يأخذ القضاء اللبناني المبادرة ويتحمّل المسؤولية عن محاسبة الفاسدين مهما علا شأنهم سواء في مصرف لبنان أو في غيره من الوزارات والإدارات والمؤسسات العامةوصولاً إلى البلديات وكلّ مَن له علاقة بصرف ليرة واحدة من المال العام خلافاً للقانون.

*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى