مقالات وآراء

نُذر شرّ يذكّرنا
بمقدّمات حرب السنتين!

} طلال اللادقي*

ليس أكثر إيلاماً أن نرى النيران الهائلة تندلع من شبابيك وشرفات مبنى بلدية طرابلس الأثري الذي يشكل إرثاً مدنياً لرعاية وتنظيم شوارع وساحات ومنشآت ومصالح المواطنين، في إطار الهجمة البربرية على العاصمة اللبنانية الثانية بدعوى الاحتجاجات على الإقفال الذي فرضه وباء كورونا وسوء الحالة الاقتصادية، والتعدّي الوقح على مبنى المحافظة وحصاره على مدى ثلاثة أيام بالنار والقنابل ومصنّعات المولوتوف وحتى بالقنابل الحربية وإحراق آليات ما أوقع العديد من الإصابات في صفوف القوى الأمنية، كذلك الهجوم على المحكمة الشرعية وإحراق قسم منها وهي المؤتمنة على السجلات والقيود الشرعية والمواريث العائدة للطرابلسيّين!

متى كان الجيش والقوى الأمنية أعداء للمدينة الحاضنة لمختلف الأطياف اللبنانية حتى تستحقّ هذا العقاب من الزعران والمأجورين والمرتزقة والظلاميين؟

وأنا الذي كان لي شرف الخدمة العسكرية في عرمان في ضاحية طرابلس لثلاث سنوات من العام ١٩٩٩ حتى العام ٢٠٠١ أشرفت خلالها على تخريج ٣٣ ألف مجنّد من معظم المناطق اللبنانية، وخاصة طرابلس والشمال، كنت ولا أزال أكثر معرفة بأبناء الشمال وطرابلس خاصة، وأشهد أنهم وطنيون محبّون للجيش والقوى الأمنية، ويتسابقون رغم ضآلة مواردهم المالية الى التطوّع في الجيش والقوى الأمنية، وهم من دون أدنى شكّ ضحايا زعمائهم السياسيين الذين يدّعون الامرة عليهم والتحدث باسمهم دون أن يبذلوا من أجلهم شيئاً وفيهم أصحاب ثروات وقدرات مالية وازنة ولا تتوفر في كثير من مدن لبنان ويقول أحد الوزراء الطرابلسيين السابقين انه في فترة كان رئيس الوزراء من طرابلس ومعه أربعة وزراء طرابلسيين بينهم وزير المالية، ويقول هذا الوزير بالحرف: ماذا فعلنا لطرابلس وأبنائها، ويضيف قائلاً: بين هلالين «صفر»

نعم طرابلس كانت مجروحة منذ عقود ولا تزال. وفي فترة السبعينات من القرن الماضي كان معظم الضباط يطلبون الالتحاق بالوحدات المتمركزة في الشمال لشعورهم بالارتياح وكأنهم بين أهلهم وذويهم، بينما تتعرّض القوى الأمنية اليوم للقذف بالحجارة والمولوتوف من الرعاع.

انّ ما تتعرّض له الأملاك العامة والخاصة يثير الريبة والاشمئزاز. أما الذين يتباكون اليوم أين كانوا عندما كانت السرايا تتعرّض للهجوم على مدى ثلاثة أيام؟

انّ هذه القوى العسكرية والأمنية من جيش وقوى أمن أقسموا اليمين: «أقسم بالله العظيم أن أقوم بواجبي كاملاً حفاظاً على علم بلادي وذوداً عن وطني لبنان»، هؤلاء من خيرة شبابنا أتوا من عائلات كريمة، وليسوا مجموعة من المرتزقة او مفرزة من الجيش السنغالي، بينما الرعاع من المرتزقة والتشكيلات والمنظومات يقسمون على حماية مناطق يسيطرون عليها ودفاعاً عن أمرائها!

أما إلقاء قنابل المولوتوف وخلافها هو عمل عسكري عدواني يتوجّب الردّ عليه بالأسلحة المناسبة، ومن حقّ العنصر الأمني أن يدافع عن نفسه بكلّ الوسائل الممكنة. والغريب أن يسقط ٣٦ عنصراً من القوى الأمنية في المرحلة الأولى ويُلقى القبض على خمسة من المعتدين.

انّ عناصر القوى الأمنية كافة هم أبناء عائلات لبنانية كريمة ولا يمكن أن يكونوا مكسر عصا أو كبش محرقة لأحد. القوى الأمنية تؤخذ عن طريق القلب والقلب يجاور المعدة.

انّ ما حصل في طرابلس يشبه تماماً ما حصل في بداية حرب السنتين وما تلا ذلك تدمير وقنص وقتل على الهوية وتخريب ما زال حاضراً في ذاكرة اللبنانيين، ومن المفيد أن يتذاكر الجيل الجديد مع الآباء الذين شهدوا مآسي الحرب الأهلية.

نعم طرابلس اليوم بشوارعها ومنشآتها وأهلها أكثر حزناً وتعاسة وخجلاً من ذي قبل.

والمخجل أن يتجاهل الميسورون في طرابلس وهم كثر حاجة مدينتهم الى المؤسسات الاجتماعية والإغاثية والإنمائية والتشغيلية وترك الشباب الطرابلسي صيداً رخيصاً للمرتزقة وأصحاب المشاريع المستوردة.

*عميد ركن متقاعدونائب رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى