مقالات وآراء

التداعيات السياسية والفكرية عربياً وأممياً لانتصار الثورة الإسلامية في إيران والمزايا القيادية للإمام الخميني*

 

} زاهر الخطيب**

لمناسبة ذكرى انطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني، أوجزُ محاضرتي بعنوانين أساسيّين :

العنوان الأول: المَزايا القيادية في شخصيةِ روحِ الّله آيةُ الله العظمى الإمام الخميني،

العنوان الثاني: الآثارُ والتداعيات السياسيةُ والفكريةُ للثورة الإسلامية الإيرانية عربياً وأممياً

في العنوان الأول:

1 ـ نتوجّهُ أولاً اليك سيدي الإمام بالقول: يا زارعَ الوَعيِ والعِلمِ والنورِ والمعرفةِ في عقولِ المجاهدين والمقاومينويا باعثَ الأملِ في نفوس البائسين، والثِّقـةِ في قلوب المستضعفين..

يا أيها المُحرِّكُ لِوُجدانِ الشعوبِ المقهورةِ دفاعاً عن شرفِها وكرامَتِها.. ودفاعاً عن حقهِّا في الوجود والحياة بعَدلٍ وحريةٍ ومساواة

الوقائِعُ، كلُّ الوقائعِ.. والأحداثُ بخطورتِها تضاءَلت وتحجَّمت وصَغُرت أمام العَظمة الإنسانية المستكِنّة في رحاب نفسِك، وقد احتشدت فيها كلُّ مزايا القائدِ الأمميِّ الأمين، ناصرِ المستضعفين والمعذبين، القادرِ والقدير على الطغُّاةِ والمستكبرين..

إنَّ الشيطان الذي سكَن فينا واستبطَننا وتحكَّمَ بعقولِنا، قَدْ دمَّرَتّْه قوةُ إيمانِك وطردَتْهُ صلابةُ عزيمتِكَ، ذليلا، من نفوسِنا جميعاً..

هذا العملاقُ الأميركي الذي طالما أَرْعَبنا واستغَلَّنا وقَهَرَنا..

 أَقْلَق مصيرنا.. قد أصبح في مخيّلتِنا، قزْماً أمام عظمةِ القيادة فيك التي لا تعرف المهادنة ولا المساومة، ولا تعرِف المُداجاةَ ولا الالتواء وما حاجةُ الحَقِّ عندك أن يساوم..؟ وإذا ساوَم فما مزِيّتُه على الباطل..؟

هذا العملاقُ الأميركي بكلّ حاملات طائراته، وبكلِّ غواصاته ودباباته، وصواريخه، وطائراته، تقزَّم وتحجَّم أمام عظمة أرادة الشعوب الإيرانية البطلة التي التفَّت حولك تُلبّي نداء الواجب في معركة الشرف والمصير

2 ـ أيها القائدُ الصادقُ الأمين، والمُسلِمُ المؤمنُ الحقيقيُّ، والإنسانُ الأُمميُّ…  المدِركُ للإسلام بفهمه الثوري الحقيقي.

سيدي لقد أعَدْتَ للإسلام جوهَرَهُ الثوري ومحتواه الإنساني يوم فهمٍتَ الإسلام وعِشتهَ على حقيقته، ويوَم قلت للصامتين والمتفرّجين من أدعياء الإسلام زَيفا وبُهتانا.. كفاكم تِيهاً.. وكذباً وأضاليل.. فالإسلام قبل كلّ شيء إنما هو التزامٌ بالمستضعَفين في الأرض، وجهادٌ موصولٌ ضدّ الظلم والطاغوت من أجل بناء مجتمِع العدل والكفاية والمساواة..

سيدي الأمام لقد أَعَدّْتَ للإسْلامِ اعتباَرَه يومَ لم يُثْنِكَ عن إرادَتِكَ واجبُ الأمانة لأمتِك، أو أيُّ ترغيبٍ أو ترهيبٍ، فقلتَ وحدَك دون غَيرِك من الأئمة والرؤساء والملوك والقادة، بكلّ حزمٍ وصرامةٍ ووضوح: لا للفاسد الأميركي الأكبر، وفيما الخطرُ يبلغُ غايتَه الماحقة، فإذا بك تَقْهَرُ الخطرَ بفضيلة الصُّمود في جلالها المُهيب.. حسبِيَ تَذكَرُ بموقفك هنا، «وذكِّر إن نفعتِ الذكرى».. كما يقولُ نبيُّ المسلمين: «واللّهِ لو وضعوا الشمسَ في يمينيِ، والقمرَ في يساري، ما تركتُ هذا الأمرَ حتى يُظهِرَه الله، أو أهلَكَ دونَه…»

3 ـ سيدي روحُ الله لقد قلتَ بالأمس القريب «لا» للشاه المستبدِّ الظالم، وها هي الشعوب الإيرانية وأنصارُ الثورة من أحرار العالميُرَدِّدون الشعار الذي رفعتَ أمام العالم أجمع بوجه الشيطان الأكبر بعينهالموتُ لأميركا.. الموتُ لـ «إسرائيل»…

 فكلنا كفاحٌ وجهادٌ ومقاومةٌ لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ولتحريرِ القُدس والمقدسات لتكون القُدسُ كما هي في حقيقتها العاصمةَ الأبديَّةَ لفلسطين وليست وفقاً لقرار ترامب الجائر عاصمةً لكيان العدو الصهيوني العنصري الاستيطاني الإرهابي.. هذا هو وعدُنا الصادق لفلسطين وللقدس..

 وها هي عهدُ التميمي أيقونةُ فلسطين وقبضتُها المرفوعةُ بقوةٍ على الجندي الصهيوني، تبشِّرُ بجيل النَّصْرِ المُبين، إن شاء الله..

كما جرى تبشُيرنا بالتطور الاستراتيجي السوري بالأمس القريب بإسقاط الطائرات الصهيونية فوق أجواء فلسطين المحتلة وتحرير سماء وطننا العربي من اليوم فصاعداً من الهيمنة والتحكّم بأجوائنا مما شكل ضربةً قاصمة على رأس كيان العدو الصهيوني.

4 ـ لقد علَّمتنا، سيدي، يا روح الله مدْ أطلقَتَ ثورتَك الأُممية الكبرى.. علَّمتنا أنّ النصرَ حليفُ الشعوب المناضلة التي تجاهد لاستخراج الحقّ من خاصرةِ الباطل ضدّ أعتى قُوى الطغيان في العالم مهما بلغت قُدُراتُ الطغاة، وسُلُطُات الجَوْر.. ومهما عظُمت إمكانياتُهم وعِدَّتُهُم وأعْتِدتُهم، فهي تبقى أعجزُ من أن تدمّر إرادة المقاتلين المجاهدين

5 ـ إننا أيها القائد الاسلاميُّ الأمميُّ الكبير.. في الوقت الذي تُخرِسُ فيه أفواهَ الحكام والرؤساء والأئمة والقادة من أدعياء الإسلام زوراً.. وفي الوقت الذي يُمعِنُ فيه مُعظمُ خونة الإسلام والعروبة من حكام الخليج في التآمر على الثورة الإسلاميةِ الإيرانيةِ المجيدة من موقع الالتزام بالمستكبر الأميركي التزامَ الكلبِ بسيدِّه

6 ـ نَرفَعُ صوتَنا عالياً سيدي الإمام لنُعلنَ بكل تقدير وإجلال وإيمان عن كامل تضامننا مع قيمِ وتعاليمِ ومبادئ الثورة الإسلامية الايرانية في الخندق القتالي المشترك، ونصرخُ باسم كافة الجماهير في لبنانَ وفلسطين، وباسم الثوريين العرب في كلّ مكان.. نصرخُ ملءَ أفئدتنا:

 معكم نحنُ في مقاومتِنا، جنودٌ في مواقعنا مجاهدينَمناضلونَ في معركة المصير التاريخيِّ المشترك ضدّ العدو الاستعماريِّ الغربيِّ الصهيونيِّ التركيِّ الرجعيِّ العربيِّلقد ضاعَ عمرُنا بعبث المساومات والتنازلات، فكفانا ضَياعاً وعَبثاً بعمرِنا الرخيص يُهْدرُ هدراًوكفانا عذاباً واستغلالاً، وقَهْراً وتخلُّفاً وإذلالاً

لقد ولّى عندنا زمنُ الهزائمِ، سيدي الأمام، على حَدِّ قول قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرُالله حفِظه اللهولتُدكُّ منذ الآن عروشُ الطغاة والمستكبرين في كلّ مكان، ولتنتصرَ إرادةُ الشعوب والمستضعفين، إيذانا بنبوءة الآية الكريمة

(ونُريدُ أن نَمُنَّ على الذين استضُعِفوا في الأرض ونجعلَهُم أئمةً ونجعلَهمُ الوارثين).

في العنوان الثاني

1 ـ إذا كان لا بدّ من وقفة وجدانية للثورة الإسلامية الإيرانية من فلسطينقضيةِ العرب المركزية والقُدْس والمقدسات وسائر قضايا الشعوب المستضعَفَة.. فإننا نوجه تحية عزّ وإجلالٍ وتقديرٍ لفلسطين ولجماهير الأرض المحتلة في مواجهتها لسلطات العدو الصهيوني الإرهابي المغتَصب…  إنّه إعادة فجرٍ مجيد في تاريخ الأمة العربيةأن يكون ثمة شعبٌ أعزَلُ من السلاحِ إلا من قوة الإرادةِ والتصميم على التحرير بالتصدي لجبروت الصهاينة بالأيادي والأظافرِ والحجارِة.. تمنياتنُا وجهادنُا وكفاحُنا أن نرتفع إلى مستوى هذه العزيمة وهذه الروحُ الثورية لهذا الشعب العظيم

2 ـ ونوجِّهُ تحيَّة عزّ وإجلالٍ وتقديرٍ للثورة الإسلامية الإيرانية العظيمة في استمرارية ثورتها ضدّ أعداء الإنسان والإنسانية من الاستعماريين الأميركيين وأذنابِهم وحلفائِهم وعملائِهم. فالاستعماريون الأميركيون هم أعداء الإنسان في كلّ مكان.. في داخل أميركا يستغِلوّن الشعب الأميركي ويضطهدون الزنوج.. وفي أميركا اللاتينية يدعمون أنظمة الديكتاتورية، وفي كوريا الجنوبية يدعمون حكّام العمالة.. تماماً.. كما سبق ودعموا الأنظمة العنصرية في روديسا وجنوب أفريقيا.. وكيان العدو الصهيوني الإرهابي الإستيطاني منذ ما قبل نشأته وحتى اللحظة مع بداية إسقاط طائراتها وبداية التحوّل الاستراتيجي لقوة هيمنتها على أجواء سماء وطننا العربي..

 كما أنهم مستمرون بحياكة المؤامرات ضدّ الشعوب الإيرانية الداعمة للقضية الفلسطينية المقدسة جوهر الصراع العربي الصهيوني.. ويحاربون سائر حركات التحرر في العالم.. وبالتالي إذا كان ثمة ثوراتٌ مجيدة تنتمي إلى عالم الغرب فالثورةُ الإسلامية الإيرانية تنتمي إلى عالم الشرق..

ولقد أثبتت هذه الثورة العظيمة بقيادتها وبشعوبها الثورية حقائقَ تاريخية وخلَّفت دروساً هامة من أبرزِها:

3 ـ لقاء القائد الثوري مع الجماهير الثورية.. إن الثورة الإسلامية الإيرانية جاءت لقاءً مع التاريخ بين القائد والشعب، لقاءَ القيادة الثورية بالشعوب الثائرة.. التي شاءت أن تكون صانعةٌ للتاريخ وليست صنيعةً له، إنه لقاء القيادة الفكرية والسياسية الواعية التي حدّدت موقفها من جوهر الأديان والأخلاق فإنما هو واحدٌ، ومن حرية الأحزاب بمن فيها الأحزاب الشيوعية.. ومن حقّ الأقليات القومية المعَبَّر عن مضمونها بالرسالة الأخيرة الحارة والمؤثرة التي وجهها مع بدايات الثورة.. سماحة الأمام الخميني، للأقليات الكردية لتثبيت حقوقهم ومطالبهم.

4 ـ الجماهير الثورية هي التي لا تقهر وأن القيادة الثورية الناضجة والصلبة والتي تَنهجُ نهجاُ حاسماً على الصراط المستقيم، نهجاً وطنياً جذرياً لا يهادن ولا يساوم، انّ مثل هذه القيادة وهذه الجماهير قادرة فعلاً على إسقاط الشاه المستبدّ الظالم، وإسقاط الراية الصهيونية العنصرية الإرهابية ورفع راية فلسطين في سماء طهران الثورة على أنقاض سفارة كيان العدو الصهيوني البالية والنتنة.

5 ـ الفهم الثوري للدِّين: إنّ الثورة الإسلامية الإيرانية قد ردّت الاعتبار نظرياً وفكرياً وفلسفياً للفهم الثوري للدين الحقيقي الأَصيل والصحيح، وللمسيحيةِ المتنوّرة باللاهوت المسيحي، فالمسيحية الحقَّة، صوَتٌ مع العدالة وسوطٌ يضُرب الفريسيين، واللَّهُ، في النهاية، يتجلّى كفاحاً بالممارسة في الساح وفي الميدان، إلى جانب الفقراء والمهمَّشين والمعذبين في الأرض كما تقول المسيحية الحَقَّةوجوهر الإسلام كما فهِمَه الأمام وقادةَ الثورة الإسلامية الإيرانية لا يضعُ الفردَ فوق الطبقات ولا يفهم الإسلامَ طقوساً أو بحوثاً في النَّفاس..

وإنما الإسلام كما فهِمَته الثورة الإسلامية الإيرانية وكما هي حقيقته هو أداة تحرير وأداة نضال.. فالأديان انعكاسٌ لشقاء واحتجاجٌ على هذا الشقاء.. الإسلام بمحتواه الحقيقي والصحيح موقف من الطاغوت وكفاح ضدّ سلطات الجَوْر والضِيم هكذا انطلقت وهكذا استمرت الثورة الإسلامية الإيرانية لإقامة مجتمع العدل والكفاية والمساواة

 فالإسلام كما نفذَّتِ الثورةُ الإسلاميةُ الإيرانيةُ أحكامه وتعاليمه إنما هو، موقفٌ إلى جانب المستضعفين في الأرض ضدّ المستكبرِين، والملوك الطغاة، والأغنياء الذين يكنزون الذهب والفضة، والذين استغنوا فطغوا «كلاَّ إنّ الإنسان لَيطغى أنْ رآه استغنى»..

الإسلام موقفٌ مع الجهاد كما هي وقفة الثورة الإسلامية الإيرانية ضد أعداء الإنسان.. وكما هي أصلاً وقفة الرسول في إقرارِ مشروعيةِ التحريض على العنف الثوري ضدّ المُعتدين: «يا أيها النبي حرّضِ المؤمنينَ على القتال…» و «أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة».

حسبي بالرسول «صلاه الله عليه» يدعو حتى إلى اختصار الصلاة عندما يدعونا واجبُ الجهاد.. والإمام علي عليه السلام يدعو إلى الجهاد فهو بابٌ من أبوابِ الجَنَّة.. الإسلام موقف من العدالة الاجتماعية، إسمعوا الرسول يُردِّد:

«الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار «..واسمعوه يقول: «والله لا يؤمن من بات شبعان، وجارهُ جائع»..

وقول الإمام عليّ عليه السلام: «ما رأيتُ نعمةً موفورةُ إلا والى جانبها حقّ مَضِع».. وقولهُ: «ما جاعَ فقير إلا بما مُتٌع به غني».. و «لو كان الفقر رجلاً لقتلتُه».

فالفقر ليس أُعطية السماء وإنما هو أعطية الأرض وحصيلةُ استغلال الإنسان للإنسان.. ( ولما جاءهم الحق..) «الزخرف»

الإسلام دعوة للنضال من أجل إقامة دولة المضطَهدين والمستضعَفين.. «ونريدُ أنْ نَمنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجَعلَهم أئمةً ونجعلَهم الوارثين»..

وأخيراً اسمعوا صرخةَ أبي ذَرّ الغفاري صاحبِ أصدقِ ذي لهجة في الإسلام على حدّ قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «عَجِبْتُ لمن لا يجدُ القوتَ في بيته كيف لا يخرجُ على الناس شاهراً سيفَه.. والمقصود كيف لا يخرج على الحكام الظالمين شاهراً سيفَه».

 دروس سياسية وفكرية

نخلُصَ إلى القول بإيجاز :لقد خَّلفت الثورةُ الإسلامية الإيرانية دروساً سياسيةً وفكريةً يجب على الثوريين كلِّ الثوريين في أرجاء العالم أن يفيدوا منها..

 فلقد نسفت الثورة الإسلامية الإيرانية الدينَ الذي كان يَستخدم سلاحاً بيد الرجعية تستغِلُّه من أجل الدفاع عن مصالحها.. ونسفت حجَّةَ الطبقات السائدة بتوجيه التهمة للذين يقفون إلى جانب العدالة الاجتماعية..  وأبْطلت قدرةَ الرجعيين على استخدامه.. وأكدت الثورة على صحة أولوية الصراع الاجتماعي والمادي..

«ويُروى أنَّ أحدَ قادة الاحتلال البريطاني عندما سَمِع مؤذناً يرفع الصلاة.. سالَ أحدَهم: هل أن ما يقولَه هذا المؤذِّن يُضِرُّ بمصالحنا النفطية وسياساتنا البريطانية.. فاُجيبَ: كلا، فقال: إذن فليقُلْ ما يشاء وليؤذِّنْ كيفما شاء.. ما دام لا يتعرّضُ لنا، أيّ ما دام لا يتعرّضُ لسياساتِنا الاستعمارية».

هكذا يريدنا المستعمِر فهو لا شأن له بصَلاتِنا، المستعمِرُ يريد ثرواتِنا، يريدُ معادِننَايريدُ أن يفتح أسواقنا لبضائعه ولرؤوس أموالِه، ولكن الثورة الإسلامية الإيرانية أوضحت أنّ الإسلامُ ليس فقط صوماً ودعاءً، بل هو قبل كل شيء محاربةِّ للطاغوت على حدّ قول الأمام الخميني «قدس سره»..

وأنّ الدينَ الحقيقيَّ والصحيحَ والذي ينبغي أن تنفّذ أحكامهُ وتعاليمهُ إنما هو سياسةٌ يجب أن تحاكِمَ المصالحَ الماديةَ والحياتيةَ للبشر.. وهذا ليس جديداً، فمذ كان الإسلام في عِزِّ نهضته نرى صحابيَّين مسلمين: أبا ذر الغفاري وعثمان بن عفان يختلفان، كلُّ في النهاية يفسِّرُ الدين ويأوِّلُهُ من موقع التزامه بالحقيقة الاجتماعية.. بالعدالة الاجتماعية، فالإسلام على حدِّ قول الأمام علي: «حمّالُ أوجُه».

ونحن اليوم مدعوّون أن نختار أيَّ إسلام نريد!.. هل نختار إسلام محمد وإسلام إيران وطهران وأصفهان.. أم نختار إسلام السعودية وجَدّة وترامب وسَلمان؟

ذلك أننا نجدُ ملوكاً ورؤساء وزعماء وأئمة ينتمون ظاهرياً للإسلام ولكنهم فعلياً أذنابٌ مرتبطون بسياسة الاستعمار أعداءَ لشعوبهم وأعداء الأمة العربية المقهورة، وأعداءُ شعوب العالم المضطهدة، فهل يَصُح بهؤلاء المرتدّين من العملاء والخونة صفة المؤمنين بجوهر الإسلام الذي أشرنا إليه، وهل هذا هو ما دعا إليه الكتاب والسنة ونبيُّ المسلمين؟ أو ما دعا إليه السيد المسيح؟

6 ـ لقد حمل الإسلام منذ نشأته وما بعد نشأته محتويين: محتوى إسلام محمد وأبي ذر الغفاري، وعُمر وعَليّ المؤمنين بجوهر الإسلام الحقيقي والصحيح كما فهمه الإمام الخميني وكما نفذّت الثورةُ أحكامَه وتعاليمَه..

وهناك المحتوى المُزَيَّف عند الذين آمنوا بكَنز الذهب والفضة.. ومنهم الحكام العرب من ملوك النفط وسلاطين البترول حالياً الذين لا يؤمنون إلا بجمع المال وتكديسه وكَنْزِه، ولقد جاءت الثورة الإسلامية الإيرانية، فعلاً بالفَهم الثوري الحقيقي الأصيل والصحيح، لِتَرُدَّ عملياً للإسلام اعتبارَه وتعيدَ إليه بالممارسة محتواه الثوري وجوهرَه الإنساني..

ونختم بكلمتين: إنّ أبرز الآثار والتداعيات الفكرَية والسياسية للثورة الإسلامية الإيرانية أنها زرعت الوَعَي السياسي، والفكر العلمي في عقولنا وزلزلت الأرضَ تحت عروش الظالمين، والخونة، والعملاء للأجانب والاستعمار، ودمَّرت في نفوسنا روحَ التخاذل واليأس والاستسلاموأعادت إلى قلوبِنا الثقة، وإلى نفوسِ الجماهير قدراتها على الانتصار، وشكّلت موضوعياً وذاتياً عنصرَ دعمٍ لقضيتنا الفلسطينية المركزية في الصراع العربي الصهيوني ولقضايا الأمم المضطهدة وكلّ المستضعفين والمعذبين في الأرض

فألفُ تحيةٍ للإمام الخميني في موقِفِهِ الإيماني الواعي والتاريخي المشَرِّف من فلسطين والقدس ومن حقوق الأمم المستضعفة والأقليات

وألفُ تحيةٍ للثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة خَلَفِهِ القائد المرشد الأمام الخامنئي دام ظِلُّهُ

ولنردّد عالياً مع غيفارا الشعارَ الأُمميَّ الظافر

فلتكن فلسطينُ فيتنامَ ثانية

وليكن لبنانُ فيتنامَ ثالثة

وليكن الوطنُ العربيُّ أكثرَ من فيتنام لنجعلَ تحت قِبَّةِ سمَائِنا، ومن دماءِ شهدائِنا المجبولةِ بتُرابِ أرضِنا الطيبة قَبْراً لأعداءِ الإنسانِ والإنسانية

*هذه المحاضرة كانت قد ألقيت في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران خلال ندوة نظمها مركز الإمام الخميني الثقافي في بيروت بعنوان: «التداعيات السياسية والفكرية عربياً وأممياً». وشارك فيها المستشار الثقافي السابق للجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت د. محمد مهدي شريعتمدار.

**أمين عام رابطة الشغيلة، وزير ونائب سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى